عام من الاختفاء القسري والقتل في مصر... حصاد القهر

26 ديسمبر 2016
500 مواطن مصري قتلوا داخل السجون في 2016 (Getty)
+ الخط -

انتهى عام 2015، الذي قدّر الكثيرون أنه كان من أسوأ الأعوام من منظور انتهاكات حقوق الإنسان؛ وكان البعض يأملون بأن يكون 2016 أكثر رفقا بالبشر وأكثر احتراما لحق الحياة، وأقل انتهاكا لحرمة الجسد.

إلا أن حصاد يناير/كانون الثاني 2016 في ملف حقوق الإنسان، كان كفيلا بأن ينذر بعام لا يبشّر بخير؛ خاصة بعد تصريح وزير العدل المصري السابق أحمد الزند، الذي طالب فيه بقتل عشرة آلاف إخواني أو أتباعهم أو المتعاطفين معهم مقابل كل شهيد من الشرطة أو الجيش، وتصريح آخر لعضو البرلمان المنتخب ورئيس لجنة حقوق الإنسان سابقا، مرتضى منصور، الذي طالب باغتصاب شابين عقابا على مزحة بالونات "الكوندام"، يوم 25 يناير/كانون الثاني الماضي.

وفي تقاريره الشهرية، تمكن مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب - منظمة مجتمع مدني مصرية - من رصْد ما يُنشر في وسائل الإعلام المصرية، من حالات قتل وتعذيب واختفاء قسري، وتوثيقها طبقا لمصادرها والوسائل المنشورة بها.


وبتحليل تقارير مركز النديم بدءًا من يناير/كانون الثاني الماضي، وحتى نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تبيّن رصْد المركز لـ1356 حالة قتل خارج إطار القانون، فضلا عن 448 حالة إهمال طبي متعمد في السجون وأماكن الاحتجاز المختلفة، إضافة إلى 781 حالة تعذيب فردي أو جماعي داخل السجون وأماكن الاحتجاز المختلفة.

أما بشأن ظاهرة الاختفاء القسري، التي ظهرت في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011، وانتشرت بكثافة عقب انقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013، فقد تمكن المركز من توثيق 1015 حالة اختفاء قسري على مدار الأحد عشر شهرا الماضية في العام الجاري، ظهر منهم فقط 396 شخصا، ولا تزال 619 حالة رهن الاختفاء القسري إلى اليوم.

الأعداد السابقة عن الاختفاء القسري، لا تعبّر عن حجم الظاهرة في مصر حقيقة، بل هي مجرد عاكس لما ينشر في وسائل الإعلام المصرية.

وترتفع أعداد المختفين قسريا في مصر كثيرا في تقرير صادر عن أربع منظمات حقوقية مصرية، صدر تزامنا مع الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من ديسمبر/كانون الأول الجاري، قالت فيه إن "حالات الإخفاء القسري تخطت 3000 حالة، اقترن بعضها بحالات قتل".

وبلغت حالات القتل خارج نطاق القانون أكثر من 4000 مواطن مصري، منهم 500 داخل السجون، ومقار وأماكن الاحتجاز نتيجة الإهمال الطبي والتعذيب، والباقي ما بين تصفية مباشِرة أو قتل عشوائي في التظاهرات السلمية، بحسب البيان الصادر عن المنظمات الأربع.

وأضافت المنظمات الأربع وهي: (المرصد العربي لحرية الإعلام، وجمعية عدالة لحقوق الإنسان، مركز الشهاب لحقوق الإنسان، والائتلاف الأوروبي لحقوق الإنسان)، أن "السلطة القضائية في مصر أصدرت أحكامًا بعشرات السنوات على الآلاف من هؤلاء المُعارضين، منها أحكامٌ بالإعدام وصلت إلى 844 حكمًا"، مشيرة إلى أن "الانتهاكات ما زالت مُستمرة مع 400 محامٍ ومدافع عن حقوق الإنسان، 96 صحافيًا، 38 سيدة، 350 طفلًا داخل سجون النظام".

وتزامنا مع اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري في 30 أغسطس/آب، أصدرت حملة "أوقفوا الاختفاء القسري" تقريرها السنوي الأول والذي تضمن حصراً بأعداد الضحايا الذين تعرضوا لجريمة الاختفاء القسري في الفترة منذ 1 أغسطس/آب 2015 وحتى منتصف أغسطس/آب 2016.

وخلال هذه المدة، تمكنت الحملة من التوصل إلى 912 حالة تعرضت للاختفاء القسري –معظمها وقعت بعد أغسطس/آب 2015 - لا تزال رهن الاختفاء القسري منها 52 حالة مؤكدة، فيما نجا 584 شخصاً آخرون، منهم 41 شخصا تم الإفراج عنهم و4 أشخاص لا يزالون محتجزين. وبينما يوجد 276 اختفوا، ولكن لم يتسنّ تحديث المعلومات الخاصة بهم، لبيان إن كانوا لا يزالون رهن الاختفاء أم ضمن الناجين من الجريمة.

وأشار التقرير إلى أن الرقم الإجمالي الوارد بهذا التقرير، يعبّر عن الحالات التي استقبلتها الحملة في الفترة الزمنية محل البحث، حيث تعرض في هذه الفترة 789 شخصا للاختفاء القسري، باﻹضافة إلى 123 حالة اختفاء قسري استقبلتها الحملة بعد تدشينها، لكن وقائعها ترجع إلى عام 2013 وحتى آخر يوليو/تموز 2015.


وكانت المفوضية المصرية للحقوق والحريات – منظمة مجتمع مدني مصرية - قد أطلقت حملتها "أوقفوا الاختفاء القسري"، بالتزامن مع اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري العام الماضي، بهدف الحدّ من ظاهرة الاختفاء القسري في مصر، بعد انتشارها على نطاق واسع، بشكل أثار فزع قطاعات واسعة من المجتمع المصري.

وبتصنيف أعداد الضحايا جغرافيّا، فقد حظيت المحافظات المركزية بالعدد الأكبر من الحالات التي تعرضت للاختفاء القسري، حيث بلغ عدد الحالات بها 361 حالة (القاهرة والجيزة والإسكندرية)، تليها محافظات الوجه البحري (الدلتا ومرسى مطروح) بإجمالي 263 حالة، وبلغت بمحافظات الوجه القبلي (الصعيد) 151 حالة، وبلغت بمدن القناة 35 حالة، ومدن سيناء 15 حالة، وهناك 87 حالة لم تتمكن الحملة من معرفة تصنيفهم الجغرافي.

كانت أعلى نسبة من العدد الإجمالي لفئة الشباب من سن 18 عاما وحتى 40 عاما، وبلغ عددهم 410 حالات تأتي غالبيتهم من طلبة الجامعات، ومثلت فئة الراشدين والذين تراوح أعمارهم بين 40 عاما إلى 60 في المرتبة الثانية بإجمالي 99 حالة، وتأتي فئة الأطفال في المرتبة الثالثة، والذين تراوح أعمارهم بين 0 إلى 18 عاماً حيث مثلت 93 حالة.

وقد مثلت المحافظات المركزية أعلى نسبة في اختفاء الأطفال، حيث مثلت القاهرة مجموع 27 حالة، تليها محافظة الإسكندرية بمجموع 11 حالة، ومثلت الجيزة 7 حالات للأطفال، والأشخاص الذين تراوح أعمارهم فوق سن الستين (الكهول) مثلوا 8 حالات فقط، والأشخاص الذين لم تتمكن الحملة من معرفة أعمارهم مثلوا 302 حالة.

وبتصنيف الفترة الزمنية التي قضاها الضحايا مختفين فكان هناك 198 حالة، طالت فترة اختفائهم أكثر من 30 يوماً، وتشمل الحالات المفقودة منذ الأحداث التي تلت 30 يونيو/حزيران 2013.

وبتصنيف العدد الإجمالي للضحايا وفقاً للمهنة والوظيفة، كان الطلاب هم الفئة الأكبر في عدد الضحايا بإجمالي 321 حالة من العدد الإجمالي للضحايا، ويأتي تصنيف المهن الحرة - ويشمل (العاملين بمجال التسويق والمحاسبين والأطباء والمهندسين والمترجمين والفنيين والمحامين والصيادلة والباحثين) - في المرتبة الثانية بإجمالي 192 حالة، ورصدت الحملة حالتين دخلا ضمن تصنيف القوات النظامية كونهم مجندين بالقوات المسلحة.

وبتصنيف الأماكن التي يظهر فيها الضحايا عقب فترة إخفائهم، فمثلت أقسام الشرطة أعلى نسبة في الأماكن التي يظهر بها الضحايا بإجمالي 135 حالة، وفي المرتبة الثانية تأتي النيابات العامة بإجمالي 102 حالة، تليها نيابة أمن الدولة بإجمالي 64 حالة، منها 38 حالة في المحافظات المركزية، وتأتي البيانات الإعلامية التابعة لوزارة الداخلية المكتوبة والمصورة كذلك مصدراً مهماً لعائلات الضحايا في معرفة مصير ذويهم، حيث يظهر بعض المختفين قسرياً في فيديوهات تبثها وزارة الداخلية أو وزارة الدفاع.

 ويظهر الضحايا فيها وهم يعترفون بجرائم تتعلق بقيامهم بجرائم تعمل على قلب نظام الحكم، وانتمائهم لجماعة إرهابية واتهامات أخرى. وقد كشفت تلك البيانات والمواد الإعلامية الأمنية عن مصير 32 حالة من العدد الإجمالي للضحايا.

ولم يسلم الصحافيون والإعلاميون من مقصلة الموت والملاحقات الأمنية خلال تأدية عملهم الصحافي، خلال السنوات القليلة الماضية، بل إنهم أخيرا، أُدرجوا في كشوف المختفين قسريا، مع مئات أو آلاف المواطنين المصريين، وفقا لتفاوت التقديرات الحقوقية لأعداد المختفين قسريا في مصر.

وبحسب توثيق المرصد العربي لحرية الإعلام - منظمة مجتمع مدني مصرية، فإن هناك أكثر من 15 إعلاميا وصحافيا مصريا تم إخفاؤهم قسريا عقب القبض عليهم، لمدد تراوح ما بين 3 أيام وحتى أكثر من شهرين.