عام كامل من الظلم .. عام كامل من السجن
عام من الظلم والقهر والانكسار، عام كامل من التشويه والتخوين والقصص الوهمية والحواديت التي اخترعتها عقول مريضة تحكي عني وتروي ما لم يحدث من الأساس وتنشر عني ما لم يقع إلا داخل خيالهم الغير سوي أو صنعها ضميرهم الميت أو نشرتها أجهزة أمنية سيادية فاسدة وتافهة وفاشلة مهنياً، عام من الحبس الانفرادي والعقوبة داخل العقوبة والتنكيل رغم التنكيل وعام من الحرمان من أبسط حقوق السجين التي قد يتمتع بها رموز نظام مبارك، وقد يتمتع بها المجرمون واللصوص الواصلون وذوو الثروات، عام من التشويه والتخوين بدون فرصة حق الرد، عام من قهر الشباب رغم تصريحات ضرورة الاهتمام بالشباب، ولكن شباب الثورة في السجون.
بعض الرفاق تضامنوا معي -كتر خيرهم- فهناك دائماً من يتضامن ضد الظلم بشكل محايد، والبعض قال لا تضامن مع الخائن عاصر الليمون، رغم أن بعض رموز فيرمونت أصبحوا من رموز المرحلة الحالية ولكن ماهر بالذات دوناً عن جميع خونة فيرمونت لا توبة له وسيظل يعاني من خطيئة عصر الليمون وفيرمونت طوال عمره حتى ولو شارك في 30 يونيو وحتى لو لم يكن تحفّظ على إجراءات ما بعد 3 يوليو، ماهر بالذات ليس له حق التضامن أو التعاطف فهو أيضاً من المتراخين دعاة السلمية أيام مرسي وما يسمى بالمعارضة اللاعنيفة.
التضامن مع ماهر بالذات شبهة لا داعي لها، فهناك كلام حوله وقصص وروايات يعلم الجميع كذبها ولكن لا داعي للدفاع عنه واللط ووجع الدماغ، كما أنه ليس من شلة وسط البلد أو مثقفيها ولا يطنطن بإسطوانة المقاومة والممانعة، إنه لا يستحق التضامن ولا يشفع له أنه عارض حكم الإخوان منذ الاعلان الدستوري أكتوبر 2012، ولا يشفع له انسحابه من تأسيسية الدستور بعد كشف وانكشاف نواياهم الحقيقية، ولا يشفع لماهر أنه شارك في 30 يونيو رغم علمه وعلم الجميع أنها لم تكن عفوية 100% ورغم علمه وعلم الجميع بوجود بعض التدخلات والتشجيع الأجهزاتي والبيروقراطي إلى جانب الغضب الشعبي الحقيقي الذي نتج وزاد بسبب طمع الاخوان وحماقة مرسي، ماهر بالذات عليه كلام والتضامن معاه مخاطره لا داعي لها وكمان دمه تقيل وكمان مش يسار قوي ولا بيحب العنف الفردي بتاع بعد المظاهرات وكان ضد العنف أيام الإخوان.. لا يا عم بلاش التضامن مع ماهر بالذات، عليه كلام حتى لو كلنا عارفين إنه كلام جهات أمنية "وسخة" ممكن يطول أي حد مستقبلاً ورغم إن الجميع عارف "هسس" الأجهزة الأمنية من 6 إبريل بالذات وأي مجموعة منظمة وبالذات أحمد ماهر و6 إبريل.
مر عام بالتمام والكمال ولكن هناك أحداث وتفاصيل لا أنساها، حاولت ولكن للأسف الشديد كل محاولة لنسيانها تؤدي إلى تذكرها بدقة شديدة كل يوم، باءت كل محاولات نسيان تلك التفاصيل بالفشل وأدت إلى تذكرها كما هي كل يوم طوال العام بدون أي مبالغة، للأسف السجن يصنع شرخ عميق خصوصا لو كان سجن ظلم.
مر عام كامل وأنا في الحبس الانفرادي، وجاء توزيع باقي الشباب على سجون أخرى ليزيد الطين بلة، فزادت معاناة الحبس الانفرادي وزادت الوحدة ولم يعد هناك من أستطيع حتى الحديث معه، ولذلك فاسمحولي بتذكر بداية تلك الحبسة منذ عام، اعذروا هذه الفضفضة.
كانت البداية مع الإعلان عن تظاهرة لا للمحاكمات العسكرية ورفض وضع تلك المواد في الدستور، كان ذلك بداية من يوم 24 نوفمبر 2013 ثم تصاعدت الأحداث في 25 و 26 نوفمبر مع إصرار حكومة "القوى المدنية" على إصدار قانون منع التظاهر 26 نوفمبر بدون أي نقاش جاد أو تعديلات، ورفضت القانون علنياً وشجعت تظاهرة لا للمحاكمات العسكرية أمام مجلس الشورى يوم 26 نوفمبر، ورفضت الحكومة والداخلية هذا التحدي رغم أننا فعلنا أكثر من ذلك عندما حاول مرسي المعزول إصدار قانون أخف وأرحم من قانون التظاهر الحالي، ووقتها أقمنا الدنيا ولم نقعدها ضد مرسي فكيف نصمت على قانون أسوأ بكثير.. فلو صمتنا لكان هذا نفاق فعلاً وبدون تفاصيل تم اعتقال 24 شاب ثم أصدرت النيابة أمر ضبط وإحضار لأحمد ماهر وعلاء عبد الفتاح بتهمة التحريض على مظاهرة مجلس الشورى وتحدي قانون التظاهر، وهذا شرف لا أدعيه، فتحدي قانون التظاهر هو عين العدل.
وتم الاستدعاء يوم 27 نوفمبر وتم القبض على علاء عبد الفتاح من منزله يوم 28 نوفمبر بعد ضرب زوجته وتكبيله وتغميته وضربه، وقد أعلنت يومها أنني سأقوم بتسليم نفسي طواعية للنيابة يوم السبت 30 نوفمبر صباحاً وقد كان، ثم حدث ما حدث من أحداث مفتعلة أمام محكمة عابدين بعد إعلان النيابة (فجأة) أن التحقيقات في نيابة عابدين وليس عند النائب العام كما جرت العادة، ثم تم قرار حبسي 4 أيام على ذمة قضية التظاهر أمام مجلس الشورى قبل أن يقرروا بعدها استبعادي من تلك القضية وبدء قضية أخرى مخصوص بتهمة التحريض على التظاهر أمام محكمة عابدين أثناء التحقيق معي عن أحداث مظاهرات مجلس الشورى، وتم إجراء تحقيق جديد مفاجئ على قضية جديدة يوم 2 ديسمبر 2013، يوم عيد ميلادي للأسف، ليس تلك الملاحظة التافهة فقط هي التي لا أستطيع نسيانها يوم عيد ميلادي الماضي، هناك بعض المواضيع التافهة الأخرى التي لا استطيع نسيانها للأسف.
مثل ذلك الشاب الذي أعلن أثناء التحقيق معه أنه لو كان يعلم أن أحمد ماهر هو المحرض الرئيسي على مظاهرة مجلس الشورى ما كان اشترك فيها "لأنه يكره أحمد ماهر الخائن العميل اللي عصر ليمون!" ، ثم وصل لي للأسف بعض المقولات منه داخل الحجز أن "لو حضر أحمد ماهر إلى الحجز أو السجن فإنه سيقوم بضربه كل يوم لأنه عاصر ليمون ولبسنا في مرسي وخان الثورة ولعب سياسة"!
لست حزيناً من كلام هذا الشاب الرفيق ولكني بجد حزين عليه وحزين أنه بالفعل يوجد حتى الآن من يفكر بهذه الطريقة من الشباب الثوري ورغم كل ما انكشف بعد 3 يوليو وكل ما يحدث من تضييق وانقلاب وخيانة لثورة 25 يناير.. وما يقال ضدي وضده كل يوم.
كم أتمنى أن تصله كلماتي بأني لست غاضباً منه وأني كنت أتمنى أن اقابله وأراه داخل السجن، ليس لنتعارك بل لنتحاور ونتناقش ونسمع بعض ونفهم دوافع بعض.
للأسف هاهو الآن مع باقي الشباب في سجن طره تحقيق المجاور لسجن ليمان طره الذي أقبع فيه، وحيداً في سجن انفرادي أتحدث مع الحوائط، فللأسف الشديد لم يعد هناك من أستطيع التحدث إليه أثناء سويعات التريض القليلة، فعلاء عبد الفتاح أصبح وحيداً في سجن مختلف وانتم منعزلين عن بعض في سجن آخر، وأنا في سجن ثالث، ودومة لا يزال في المستشفى يعاني من أمراض متعددة، شفاه الله وعافاه، تعال يا رفيق لنتناقش ونفهم بعض، عزلونا حتى في السجن.
ليس ذلك الموقف فقط هو الذي أتذكره ولكني أتذكر أيضاً تلك الفتاة السمراء التي صاحت في وجهي ليلة التحقيق مع الشباب المقبوض عليهم من أمام مجلس الشورى ثم نقلهم للقاهرة الجديدة للتحقيق معهم، أتذكر صياحها في وجهي، أنت جاي ليه؟ مكانك مش معانا .. مكانك مع الإخوان يا بتاع الليمون! .. لا أعرف إلى متى سيظل الناس يعايروني دوناً عن جموع عاصري الليمون بتلك الخطيئة التي لا تغتفر من وجهة نظرهم!، ثم أضافت صياحا "أنت جاي تركب على مظاهرة نظمتها "لا للمحاكمات العسكرية" مش " 6 ابريل" .. امشي من هنا".
ظللت صامتاً مصدوماً من كلامها، فهذه الفتاة لا أعرفها شخصياً ولم نتحدث من قبل ولكني كنت أراها دائماً في اجتماعات عديدة للتنسيق بين حركات شبابية من بعد يناير 2011 حتى قبل أيام، لا أعرف اسمها ولا انتماءها الحزبي أو الحركي ولكني كنت أراها في العديد من الاجتماعات بعد الثورة وفجأة وبعد صياحها بثوان ظهر 5 شباب أصغر في السن وابتدوا في كيل السباب لي وسط صدمتي الشديدة مما يحدث فجأة، وظل هؤلاء الفتية يلحنون السباب بالأم والصياح أن أحمد ماهر جاي يتصور في الإعلام ولازم يمشي!، قالوا ذلك رغم تواتر أخبار الاستدعاء للتحقيق وصدور أمر الضبط والاحضار، وكادت تحدث اشتباكات بينهم وبين بعض من تدخل لنهرهم أو الدفاع عني، وهدأ الموضوع بعد تدخل علاء عبد الفتاح ود. ليلى سويف ونهرهم لهؤلاء الشباب ودفاع د. ليلى سويف عني وطردهم لهؤلاء الشباب الذين قال البعض إنهم دخلاء أو "أمنجية متثورجين" وقال البعض الآخر إنهم مراهقين غاضبين فقط يتم استغلالهم وتوجيههم وتحريضهم من "الأمنجية المتثورجين" .. والله اعلم .. لكن النتيجة واحدة.
وللأسف، فقد تغيرت كثيراً في ذلك السجن الانفرادي وأفقد تدريجياً قدرتي على التسامح ونسيان الإساءة، خصوصا لو كانت تجنّياً وظلماً كما حدث معي.
السجن يصنع شرخاً كبيراً في النفس وليس مفيداً أحياناً أو كثيراً، أحياناً يفاجئنا تغير شخصيتنا بعد الأحداث الكبيرة والتجارب الأليمة، فقد تفقد سلامك الداخلي أو هدوء أعصابك وقدرتك على التسامح أو قدرتك على النوم أو التفكير.
ليس بالتجارب المؤلمة ثقل الشخصيات، أحياناً تكون هناك تغيرات سلبية مصاحبة.
لازلت أذكر هؤلاء الصبية المجهولين الذين ظهروا فجأة أمام محكمة عابدين أثناء قيامي بتسليم نفسي للنيابة بعد الاستدعاء وأمر الضبط والإحضار، فجأة تم إغلاق باب المحكمة الرئيسي، وفجأة حدث زحام وتدافع وكاميرات وصحافة وصياح وفجأة ظهر شباب لا أعلم من هم وكيف وصلوا بجواري ثم بدأ الصياح والسباب والتخوين ولا أعلم من ضرب من ومن قذف من ومن قذف بماذا وسقطت نظارتي الطبية ولا أفهم من هؤلاء وماذا يريدون تحديداً ولماذا وما الذي يحدث، وفجأة بدأت الشرطة في إطلاق الغاز وضرب الشباب، وهناك من سحبني لداخل المحكمة لا أعلم من هو، وهناك من سرق بعض متعلقاتي .. لا أفهم ولم أر جيداً.
وبعد التحقيق يوم 30 نوفمبر في تهمة التحريض على مظاهرة رفض المحاكمات العسكرية أمام مجلس الشورى.. فوجئت بقضية جديدة تتهمني بإثارة الشغب امام محكمة عابدين التي لم أكن أعلم أساساً ان التحقيق سيكون بها، ثم بعد أيام قلائل تحددت جلسة ثم حكم بالحبس 3 سنوات بعد أسبوع من بدء المحاكمة ثم -هوب- تم تحديد موعد للاستئناف ثم رغم شهود النفي ورغم الفيديوهات التي تثبت عكس الاتهامات وأني من تم الاعتداء عليه من مجهولين أثناء دخوله
المحكمة وليس العكس، ورغم أن كل شهود الإثبات الذين أحضرهم رئيس مباحث عابدين كانوا من المسجلين خطر ورغم أن الفيديوهات التي قدمها المحامون للواقعة توضح أن عساكر الأمن المركزي هم من حطموا مقاعد المقهى الذي بجوار المحكمة التي اشتكى صاحبها من الخراب، ورغم كل تلك الدلائل وعدم أهلية شهود الاثبات إلا أن القضاء المستقل العادل الشامخ العظيم قد أيد الحكم بدون أي تغيير أو تعديل او تخفيف .. السجن 3 سنوات ومراقبة 3 سنوات وغرامة 50 ألف جنيه.
وها أنا أنتظر نقض الحكم في يناير 2015 ولكن لا أستبشر خيراً لأن النظام يريد أن ينتقم بكل الوسائل، إنه موسم الانتقام من الشباب وكل من كان له علاقة بـ ثورة 25 يناير، وما القضاء إلا وسيلة من وسائل النظام العسكري للانتقام وكله بالقانون.
للأسف الشديد يا علاء لقد خرجت "مؤقتاً" من معركة الامعاء الخاوية، فوالدتي التي انتشر مرض السرطان اللعين في جسدها الذي تحمّل كثيراً لا تستطيع تحمل منظري الذي أصبح مثل المومياء بعد نزول وزني إلى 65 كجم. وتدهور حالتي الصحية، أولادي أصبحوا يخافون من رؤيتي وانا نفسي أصبح يصيبني الفزع عندما انظر لوجهي في المرآة .. من هذا المومياء ذي العين الخضراء الجاحظة المرعبة التي تدمع عندما تشعر العجز عن علاج أمي التي تحملت الكثير من أجلي طوال 33 عاماً، وهاهي تلاطم أمواج الحياة بدوني في هذه المحنة وليس في الامكانيات غير علاج التأمين الصحي البطيء والمكبل بالروتين واللوائح، فبالتأكيد لا أملك تكاليف علاج لائق لها رغم كل أساطير التمويل والثروات، سحقاً لأجهزة المخابرات القذرة التي يعلم ضباطها حقيقتي وحقيقة أني لم أخن وطني يوماً وأني لم أتلقّ تمويلاً يوماً ولا مليماً ولا لدي أي ممتلكات أصلاً وأن والدتي، التي انتشر السرطان في جسدها، تُعالج في التأمين الصحي البطيء والفاشل المليء بالكروته والاستسهال والروتين والقيود.
آسف يا علاء .. أخذت إجازة لأن حالة ابنتي النفسية تسوء كل يوم وأصبحت تخاف من الناس ومن المدرسة ومن تلاميذ والمدرسين، أصبحت كل زيارة تسألني بابا انت بتعمل إيه في السجن وليه مش بتروح معانا وليه لابس أزرق زي الناس الوحشين اللي بنشوفهم في المسلسلات والتليفزيون وليه بنشوفك في التلفزيون في القفص؟ وليه؟ وليه؟ ... أجيبها بأن عمو السيسي مش عايزني أروح معاكم وإني قريب هأكون معاكم تاني بس أنت اسمعي كلام ماما وما تخافيش من الناس ولا من المدرسة ولا من الظباط ولا من السيسي ولا من حد.
آسف يا ميرال يا بنتي، آسف يا نضال يا ابني، آسف يا أمي على عجزي، آسف يا زوجتي على اللي حطيتك فيه من مصاعب ومشاكل ومعاناة، آسف يا كل الناس، آسف يا علاء إني خرجت من معركة الأمعاء الخاوية مؤقتاً.. شكلي بقى بجد مرعب، وإن شاء الله يا ميرال ويا نضال ويا أمي.. وآسف يا زوجتي العزيزة، وإن شاء الله أكون معاكم قريباً ونكمل حياتنا تاني، كل سنة وأنتم بخير، إن شاء الله.
النهاردة عيد ميلادي 2 ديسمبر، أنا لوحدي في الزنزانة زي السنة اللي فاتت، وأنتم لوحدكم، بس أنا متاكد إنكم لسه فاكريني. دلوقتي بقى عندي 34 سنة .. خلاص عجزت، واتغيرت أتمنى في عيد ميلادي الـ 35 أكون معاكم، ربنا كبير.