عام على إطلاق الحوار السوداني: إحباط المعارضة ولا تقدّم

27 يناير 2015
النظام مصرّ على إجراء الانتخابات (الاناضول)
+ الخط -

عام كامل مرّ على إطلاق الرئيس السوداني عمر البشير دعوة الحوار الشامل لإنقاذ السودان من الأزمات التي تحدق به وتهدد استقراره وتنذر بتشرذمه، ولكن هذا الحوار لم يتقدم خطوة فعلية عن مرحلة الإعلان.

في السابع والعشرين من يناير/كانون الثاني من العام الماضي، احتضنت قاعة الصادقة في الخرطوم رؤساء ما يقارب الثمانين حزباً سودانياً، بينهم رؤساء وقادة أحزاب معارضة، وأبرزهم زعيم حزب "الأمة" الصادق المهدي، و"المؤتمر الشعبي" حسن الترابي، وحركة "الإصلاح الآن" غازي صلاح الدين الذي انشق أخيراً عن الحزب الحاكم.

اجتمع هؤلاء للاستماع إلى "خطاب الوثبة" الذي طرحة البشير، وتضمّن خمسة محاور غطت جوانب الحوار المنشود المتصل بقضايا الحكم والهوية والسياسات الخارجية.

في المقابل رفضت أحزاب التحالف المعارضة بقيادة الحزب "الشيوعي" الدعوة، واشترطت لقبولها تهيئة المناخ أولاً عبر تنفيذ ما يتجاوز الخمسة مطالب، بينها إطلاق الحريات ووقف إطلاق النار والعفو عن المحكومين سياسياً، فضلاً عن إطلاق سراح جميع المعتقلين، وهي القضايا نفسها التي تبنتها المعارضة المسلّحة في الخارج.

لكن الأزمات التي تواجه الحوار، دفعت رئيس الآلية الأفريقية لحل مشاكل السودان ثامبو أمبيكي، لبدء تحركات مكوكية في الخرطوم منذ يوم الجمعة الماضي، لإنقاذ الحوار من الانهيار عقب إعلان أحزاب معارضة تعليق مشاركتها في لجنة "7+7" الخاصة بالحوار، واقتصار اللجنة على ثلاثة أحزاب معارضة، بينها "المؤتمر الشعبي"، بعد أن كانت تمثّل 21 حزباً معارضاً.

وعلمت "العربي الجديد" أن أمبيكي يحاول جاهداً إقناع النظام في الخرطوم بأهمية إعطاء عملية الحوار جدية أكبر، عبر الاستجابة لعدد من متطلبات القوى السياسية والموافقة على إرجاء العملية الانتخابية، وتشكيل حكومة انتقالية والنظر للقضايا السودانية بصورة شاملة لتحريك جمود التفاوض في قضايا منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان وإقليم دارفور.

إحباط المعارضة

بعد عام من إطلاق الحوار، بات الإحباط يسيطر على بعض الأحزاب والأوساط السودانية بمجرد إلقاء البشير لـ"خطاب الوثبة" في يناير/كانون الثاني من العام الماضي، بسبب رفع سقف التوقعات بشأن الحوار خصوصاً ما يتعلق بتضمنه لقرارات خاصة بتهيئة مناخ الحوار، بإعلان العفو العام عن المحكومين سياسياً وإطلاق سراح جميع المعتقلين وإطلاق الحريات.

إلا أن الخطاب وقتها جاء في العموميات، وعلى الرغم من إلحاق "خطاب الوثبة" بمراسيم وقرارات جمهورية حول إطلاق الحريات فيما يتصل بأنشطة الاحزاب والإعلام، فإنها سريعاً ما تم التراجع عنها عبر مصادرة عدد من الصحف وتوقيف صحيفة سياسية يومية، وكانت الضربة القاضية باعتقال زعيم حزب الأمة الصادق المهدي في مايو/أيار الماضي وسجنه قرابة الشهر لانتقاده قوات الدعم السريع، وإطلاق بلاغات بشأنه تصل عقوبتها إلى الإعدام قبل أن يتم إطلاقه سراحه عبر عفو رئاسي، ليختار الاقامة في مصر كمنفى اختياري وينعى الحوار بعد خروجه من السجن مباشرة.

المهدي كان من المبادرين والداعين للحوار مع النظام، الأمر الذي أدخل العملية برمتها في غرفة الإنعاش لتدور الاسئلة وقتها حول مدى جدية الحكومة في الحوار، وساءت العلاقة بعدها بين حزب "الأمة" ونظام الخرطوم ووصلت إلى حد تهديد الحزب بالحظر على خلفية الشكوى التي طرحها جهاز الأمن لمجلس الاحزاب بسبب توقيع "الأمة" اتفاقات مع "الجبهة الثورية" التي تضم فصائل "الحركة الشعبية قطاع الشمال" والحركات الدارفورية، واتهامه بالسعي لتفكيك النظام.

وتبع اعتقال المهدي اعتقال رئيس حزب "المؤتمر السوداني" المعارض ابراهيم الشيخ قرابة الشهرين، وللحيثيات نفسها التي سُجن بسببها المهدي، وأُطلق بالعفو الرئاسي نفسه، واستمرت المواجهة بين الحكومة وأحزاب المعارضة خصوصاً الرافضة للحوار.

وتأزمت العلاقة بين المعارضة والحكومة ودخلت مرحلة المواجهة الحقيقية، لا سيما بعد توقيع الأولى لاتفاق "نداء السودان" مع "الجبهة الثورية" التي تعتبرها السلطات السودانية عدوها الأول، وترفض أي تقارب بينها وبين المعارضة السلمية، وهو ما قاد الحكومة لسجن الموقعين على الاتفاق، رئيس هيئة تحالف المعارضة فاروق أبوعيسى والناشط في منظمات المجتمع المدني أمين مكي مدني، لما يزيد عن الشهر حتى الآن.

أما لجنة السبعة التي خطت خطوات لإقرار خارطة طريق للحوار، أُودعت نسخة منها لدى مجلس الأمن الدولي، وأبرمت اتفاقاً مع "الجبهة الثورية" في أديس ابابا وافقت الخرطوم على بنوده، إلا أن هذه اللجنة أصابها العطب والشلل، وقبيل اكتمال عام من عمر الحوار علّقت أحزاب من المعارضة التي ارتضت الحوار مشاركتها في لجنة السبعة، ليتقلّص عدد أعضاء اللجنة من المعارضة إلى ثلاثة من أصل 21 بينها حزب "المؤتمر الشعبي" الذي ما زال يقاتل لإنجاح الحوار، ليعلن من تبقّى من اللجنة فضلاً عن لجنة السبعة الأخرى التي تمثل الحكومة وحليفاتها، انطلاق مؤتمر الحوار في السابع من فبراير/شباط المقبل بمن حضر.

ويبدو من متابعة مسيرة الحوار، أن هناك عاملاً سرياً يتحكم في العملية برمتها، ويتضح جلياً أن داخل الحزب الحاكم تيارين، أحدهما يؤيد الحوار وينظر إليه كمخرج للبلاد وللحزب نفسه، وآخر يرفضه ويعمل على عرقلته بشتى السبل، وعادة ما ينتصر التيار الأخير نظراً للترتيبات التي أُجريت أخيراً من تعديلات دستورية تزيد من القبضة الأمنية وأخرى متصلة بإجراء العملية الانتخابية على الرغم من مقاطعة شريحة واسعة ومهمه من القوى السياسية.

ويصف القيادي في حركة "الإصلاح الآن" أسامة توفيق، الدعوة إلى الحوار "بالحمل الكاذب"، ويقول لـ"العربي الجديد" إنه بعد مرور عام اتضح جلياً أن الدعوة للحوار ما هي إلا تكتيك سياسي من قبل النظام للوصول إلى الانتخابات وشغل القوى السياسية عنها، فضلاً عن تحسين صورته أمام المجتمع الدولي والإقليمي، وقد "نجح حزب المؤتمر الوطني بهذا الأمر، وفي المقابل زاد من تأزيم مشاكل الوطن".

أما المتحدث الرسمي باسم تحالف قوى المعارضة والقيادي في الحزب "الشيوعي" صديق يوسف، فيرى أنه بعد عام من الدعوة للحوار ليس أمام الأحزاب سوى زيادة الجهد لإسقاط النظام، معتبراً في حديث لـ"العربي الجديد" أن "ما لحق بعملية الحوار من تصدع، هو نتاج طبيعي، لأن أي حوار من دون تهيئة للمناخ عبر إيقاف الحرب وإطلاق الحريات والاتفاق على حكومة انتقالية بمشاركة كافة الأطراف، لا يمكن أن يقود لحل أزمات البلاد".

ويلفت إلى أن "النظام يتّخذ كل يوم قرارات تقلّل من فرص الحوار عبر التعديلات الدستورية الأخيرة وزيادة وتيرة الحرب، فضلاً عن القمع والاعتقالات وتضييق الحريات الاعلامية الأمر الذي يؤكد عدم جديته وألا سبيل سوى إسقاطه".

من جهته، يقول القيادي في حزب "المؤتمر الشعبي" أبوبكر عبدالرزاق لـ"العربي الجديد"، إن الحوار ما زال في بدايته على الرغم من الاعلان عن تاريخ انطلاقه في السابع من فبراير/شباط المقبل، مشيراً إلى أن "لا أحد يستطيع أن يتنبأ بالنتائج باعتبار الحوار جنيناً ناقصاً لأن العملية تغيب عنها قوى سياسية كثيرة، وينبغي أن تكون المشاركة كاملة لكل الاحزاب مسلّحة وسلمية لتكتمل المشروعية السياسية لمخرجاته".

ويؤكد عبدالرازق أن الصراع الخفي داخل الحزب الحاكم أضر بالحوار، مشيراً إلى أن "هناك رافضين ومؤيدين داخل هذا الحزب، وكل يريد تحقيق مبتغاه عبر التأثير على القيادة".

مستقبل الحوار

يصعب التكهن بما يمكن أن تسفر عنه الأيام في ظل الاستراتيجية المتقلبة التي يعتمدها النظام في الخرطوم حول الحوار بين الانقباض والانفتاح. لكن مراقبين يرون أن الحزب الحاكم سيمضي قدماً في سياساته تجاه إجراء الانتخابات والفوز بها، الأمر الذي سيعمّق من الخلافات ويزيد من حالة الاستقطاب. ومع استمرار تأزم الأوضاع الاقتصادية ووجود رافضين داخل الحزب الحاكم لسياساته، يُرجَّح أن تشهد فترة ما بعد الانتخابات هزة كبيرة تضع نظام الخرطوم على المحك.

ويرى توفيق أن إعلان سبعة فبراير/شباط لانعقاد الحوار على الرغم من مقاطعة الأحزاب، سيقود النظام لتقديم تنازلات، باعتبار أنه لا يوجد شيء بلا ثمن، مشيراً إلى أن "الأيام المقبلة ربما تكشف عن تراجع الحكومة عن إجراء الانتخابات واقتصارها على الرئاسة، والموافقة على تشكيل حكومة تكنوقراط لإدارة المرحلة المقبلة أو غيرها، باعتبار أن في ذلك مخرجاً للحزب الحاكم نفسه الذي بدأ يتآكل من داخله".

ويضيف "هناك 90 من كوادر المؤتمر الوطني في منطقة الجزيرة رشّحوا أنفسهم للبرلمان كمستقلين".

ويرى المحلل السياسي النور أحمد النور، أن الحوار يتراجع إلى الوراء لا سيما بعد تقلّص مجموعة المعارضة المؤيدة له وخروج حزب "الأمة" منه وعدم التزام الحكومة بتهيئة المناخ له، وتراجعها عن بنود خارطة الطريق التي أقرتها لجنة السبعة.

ويعتبر بالتالي أن "الحوار أصبح حوار طرشان، وخصوصاً أن النظام مستمر في إجراء الانتخابات، وقام بحسم كافة القضايا التي كان من المفترض ان تحسمها طاولة الحوار"، مرجّحاً أن "يخرج مؤتمر فبراير بلا مضمون، وأن تشهد الفترة المقبلة استمرار الأزمة السياسية وزيادة حالة الاستقطاب والاحتقان فضلاً عن تهديد البلاد بمزيد من الحرب"، مشيراً إلى أن "الانتخابات لن تحقق المشروعية ولن يكون لها أثر وخصوصاً أن الحزب الحاكم ينافس نفسه فيها".

في المقابل، رفض الحزب الحاكم تحميله نتيجة تعثّر عملية الحوار، مؤكداً أن استعجال الأحزاب لنتائجه والفهم الخاطئ له قاد لتلك النتيجة.

ويقول نائب أمين الدائرة السياسية لنواب "المؤتمر الوطني" صالح حسب الله لـ"العربي الجديد"، إن قضية الحوار مثّلت التزاماً من الحزب الحاكم ومبادرة منه لتوحيد الصف وجمع شمل أهل السودان للخروج برؤى تخدم مصالح البلاد، معتبراً أن "القبول الذي وجدته الدعوة يؤكد فشل كافة الوسائل لإسقاط النظام بالقوة".

ويرى أن "فهم كثير من الأحزاب للحوار على أنه تقسيم للسلطة كان خطأ كبيراً وعطل إنزاله على أرض الواقع"، مؤكداً "أن عملية الحوار مستمرة ولا تتعارض مع الانتخابات التي تُعدّ استحقاقاً دستورياً من الصعب رهنه بالحوار".

ويقلل حسب الله من التوقعات بإدخال البلاد في أزمة من خلال تمّسك الحزب الحاكم بالانتخابات والصورة القاتمة التي يرسمها مراقبون لوضع البلاد ما بعد الانتخابات، قائلاً إن "فيلم الأزمة هذا دخلناه منذ 25 عاماً ولن نرى شيئاً والبلاد تسير". ويضيف "نحن من سيحاسبنا الشعب إذا قصّرنا في الاستحقاق الدستوري، ولا بد أن نحافظ على أمن واستقرار وتماسك البلد".