عادة ما يرتدي ثياباً تناسب عمله. ولأنه يعمل في مجال البناء، يختار ملابس تناسب عمله هذا. ملامح وجهه تشير إلى أنه لا يشعر بالراحة. فهو، حاله حال كثيرين في قطاع غزة، أتمّ الدراسات العليا من دون أن يجد عملاً في مجال تخصّصه. وفي ظل الواقع المعيشي الصعب، لا يستطيع الانتظار ريثما يجد عملاً مناسباً. هو مضطر إلى تأمين قوت يومه، لذلك اختار العمل في مجال البناء، من دون أن يستسلم تماماً لهذا الواقع.
محمد العالم (35 عاماً) لاجئ يسكن في مخيم البريج. يتحدّر من قرية المسمية (أراضي 48). كان قد نال شهادة دكتوراه في علم الاجتماع الجنائي، ولم يتوقّع يوماً أن يكتفي بتعليق شهادته على الجدار، ويعمل في مجال البناء لمواجهة مصاعب الحياة ومتطلباتها، في ظل تفاقم مشكلة البطالة في قطاع غزة. تخرج من جامعة الأزهر في غزة في عام 2005. وفي القاهرة، وتحديداً في معهد البحوث والدراسات العربية، تابع الدراسات العليا، ليحصل على شهادة دكتوراه بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى في عام 2013، ويعود إلى القطاع ويصطدم بالواقع.
هكذا، اضطر إلى نسيان سنوات دراسته الطويلة والعمل في مجال البناء لتأمين قوت يومه واحتياجات زوجته وطفلته. وبطبيعة الحال، صار حديثه يتمحور حول مواد البناء والإسمنت بدلاً من الجرائم وكيفية الحد منها. وكعامل بناء، بات عليه التفكير في كيفية تأمين الإسمنت في ظلّ الحصار المفروض على القطاع.
قبل عودة العالم إلى غزة في عام 2013، رفض العديد من فرص العمل في مختلف الدول العربية، خصوصاً في دول خليجية، وقد عرض عليه التدريس في جامعاتها. مع ذلك، فضّل العمل في بلده، وقد اعتقد أنه أكثر حاجة إلى خبرته. لم يترك باباً إلا وطرقه علّه يجد وظيفة تناسب تخصصه، من دون أن يحالفه الحظ. في الوقت الحالي، يقول لـ "العربي الجديد" إن عمله يبدأ من السابعة صباحاً وحتى المساء، ويتقاضى نحو عشرة دولارات يومياً مثل أي عامل. "اليوم، أرغب في معرفة كل ما يتعلق بالبناء علّني أحصل على أجر أفضل".
ويحمّل المسؤولين وأصحاب القرار مسؤولية حرمان مئات الخريجين من حملة الشهادات العليا من الحصول على فرص عمل تليق بهم، علماً أن هؤلاء قادرون على تحسين واقع المجتمع من ناحية علمية. ويشير إلى أن "الأحزاب والمحسوبيات في المجتمع الفلسطيني هي أحد المعوقات الأساسية أمام الكفاءات".
إلى ذلك، يقول المقاول أبو ضياء، المسؤول عن العالم، إنه يشعر بالخجل منه بسبب كفاءته العلمية، لافتاً إلى أنه لا يستطيع تقديم أي مساعدة له لتحقيق طموحه العلمي. يقول لـ "العربي الجديد": "حين سألني إن كان يمكنه العمل معي، لم أصدق. وحين أصرّ، شعرت بالحرج، وقد أبدى رغبة في التعلم ونجح علماً أنه لم يسبق له العمل في هذا المجال. وعلى الرغم من أن زملاءه العمال يحبونه، إلا أنهم يتمنون أن يتركهم ويجد عملاً يناسبه".
ويشرح العالم طبيعة تخصّصه في علم الاجتماع الجنائي، والذي ينظر في الواقع الاجتماعي لكل جناية ترتكب، بالإضافة إلى البحث في الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمجرم قبل ارتكابه الجريمة وبعدها. ويشير إلى ارتفاع كلفة الدراسات العليا في الخارج، الأمر الذي اضطرّ عائلته إلى مساعدته. ويلفت إلى أنه في أحد الأيام، أعطته والدته مبلغاً من المال، علماً أنها كانت تنوي الاستفادة منه لأداء مناسك الحج. ويقول إن هذا الأمر يجعله يشعر بـ "حسرة"، إذ لم يتحقق حلم والدته.
حتى اليوم، ما زال يبحث عن فرصة عمل أخرى، ويسعى للانتقال إلى الضفة الغربية حيث يعيش والده، لافتاً إلى أنه ربما يجد فرصة عمل كونها أكثر استيعاباً للتخصّصات المميّزة، وقد يحظى بفرصة للتدريس في جامعاتها أو غيرها من المؤسسات.
وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء، فقد ارتفع معدّل البطالة في قطاع غزة ليصل 41.7 في المائة في الربع الثاني من العام 2016، ليتجاوز عدد العاطلين عن العمل 203 آلاف شخص، علماً أنها تبلغ 27.4 في المائة في عموم فلسطين.
وكانت منظّمة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا) قد أعلنت أن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في قطاع غزة قاسية للغاية، ومعدل البطالة فيه من أعلى المعدلات في العالم. أضافت أن 80 في المائة من السكان في غزة يعتمدون على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية، مثل التعليم والرعاية الصحية الأولية والغذاء والإيواء وحتى البطانيات وغيرها من السلع.
اقــرأ أيضاً
محمد العالم (35 عاماً) لاجئ يسكن في مخيم البريج. يتحدّر من قرية المسمية (أراضي 48). كان قد نال شهادة دكتوراه في علم الاجتماع الجنائي، ولم يتوقّع يوماً أن يكتفي بتعليق شهادته على الجدار، ويعمل في مجال البناء لمواجهة مصاعب الحياة ومتطلباتها، في ظل تفاقم مشكلة البطالة في قطاع غزة. تخرج من جامعة الأزهر في غزة في عام 2005. وفي القاهرة، وتحديداً في معهد البحوث والدراسات العربية، تابع الدراسات العليا، ليحصل على شهادة دكتوراه بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى في عام 2013، ويعود إلى القطاع ويصطدم بالواقع.
هكذا، اضطر إلى نسيان سنوات دراسته الطويلة والعمل في مجال البناء لتأمين قوت يومه واحتياجات زوجته وطفلته. وبطبيعة الحال، صار حديثه يتمحور حول مواد البناء والإسمنت بدلاً من الجرائم وكيفية الحد منها. وكعامل بناء، بات عليه التفكير في كيفية تأمين الإسمنت في ظلّ الحصار المفروض على القطاع.
قبل عودة العالم إلى غزة في عام 2013، رفض العديد من فرص العمل في مختلف الدول العربية، خصوصاً في دول خليجية، وقد عرض عليه التدريس في جامعاتها. مع ذلك، فضّل العمل في بلده، وقد اعتقد أنه أكثر حاجة إلى خبرته. لم يترك باباً إلا وطرقه علّه يجد وظيفة تناسب تخصصه، من دون أن يحالفه الحظ. في الوقت الحالي، يقول لـ "العربي الجديد" إن عمله يبدأ من السابعة صباحاً وحتى المساء، ويتقاضى نحو عشرة دولارات يومياً مثل أي عامل. "اليوم، أرغب في معرفة كل ما يتعلق بالبناء علّني أحصل على أجر أفضل".
ويحمّل المسؤولين وأصحاب القرار مسؤولية حرمان مئات الخريجين من حملة الشهادات العليا من الحصول على فرص عمل تليق بهم، علماً أن هؤلاء قادرون على تحسين واقع المجتمع من ناحية علمية. ويشير إلى أن "الأحزاب والمحسوبيات في المجتمع الفلسطيني هي أحد المعوقات الأساسية أمام الكفاءات".
إلى ذلك، يقول المقاول أبو ضياء، المسؤول عن العالم، إنه يشعر بالخجل منه بسبب كفاءته العلمية، لافتاً إلى أنه لا يستطيع تقديم أي مساعدة له لتحقيق طموحه العلمي. يقول لـ "العربي الجديد": "حين سألني إن كان يمكنه العمل معي، لم أصدق. وحين أصرّ، شعرت بالحرج، وقد أبدى رغبة في التعلم ونجح علماً أنه لم يسبق له العمل في هذا المجال. وعلى الرغم من أن زملاءه العمال يحبونه، إلا أنهم يتمنون أن يتركهم ويجد عملاً يناسبه".
ويشرح العالم طبيعة تخصّصه في علم الاجتماع الجنائي، والذي ينظر في الواقع الاجتماعي لكل جناية ترتكب، بالإضافة إلى البحث في الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمجرم قبل ارتكابه الجريمة وبعدها. ويشير إلى ارتفاع كلفة الدراسات العليا في الخارج، الأمر الذي اضطرّ عائلته إلى مساعدته. ويلفت إلى أنه في أحد الأيام، أعطته والدته مبلغاً من المال، علماً أنها كانت تنوي الاستفادة منه لأداء مناسك الحج. ويقول إن هذا الأمر يجعله يشعر بـ "حسرة"، إذ لم يتحقق حلم والدته.
حتى اليوم، ما زال يبحث عن فرصة عمل أخرى، ويسعى للانتقال إلى الضفة الغربية حيث يعيش والده، لافتاً إلى أنه ربما يجد فرصة عمل كونها أكثر استيعاباً للتخصّصات المميّزة، وقد يحظى بفرصة للتدريس في جامعاتها أو غيرها من المؤسسات.
وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء، فقد ارتفع معدّل البطالة في قطاع غزة ليصل 41.7 في المائة في الربع الثاني من العام 2016، ليتجاوز عدد العاطلين عن العمل 203 آلاف شخص، علماً أنها تبلغ 27.4 في المائة في عموم فلسطين.
وكانت منظّمة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا) قد أعلنت أن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في قطاع غزة قاسية للغاية، ومعدل البطالة فيه من أعلى المعدلات في العالم. أضافت أن 80 في المائة من السكان في غزة يعتمدون على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية، مثل التعليم والرعاية الصحية الأولية والغذاء والإيواء وحتى البطانيات وغيرها من السلع.