السيّد الذي يختم الطوابع
ذراعاه لا تتعبان
ليس لديه مشاكل جسديَّة ولا نفسيَّة
يداه
يداه فقط
الملطَّختان بالحبر
ثمَّة مشهد ظالم
يعرض أيادي نظيفة
تدفع الفواتير
ويدٌ واحدةٌ تتَّسخ
لا يتحدَّث الناس
مع السيّد الذي يختم الطوابع
يحيُّون الموظفين من الشبابيك الصغيرة
ويتبادلون الابتسامات
مستثنين السيد الذي يختم الطوابع
وحيد هو
بيد واحدة
متّسخة
بائع الموسوعات
اهتراء الكتب المخصصة للعرض
تجعله يبدو وكأنه بائع كتبٍ قديمةٍ
يريد الزبائن تصفُّح كتبٍ جديدةٍ
فإن أعارها لهم لوسَّخوها كالعادة
ولخصموا من نقوده العمولة
عليه أن يقنعهم برؤية
الكتاب المتَّسخ من كثرة التداول
بعينٍ أخرى
أن يتخيلوا منظره دون آثار الأصابع
أن يضعوا في رأسهم أن الكتاب جديد
وفيه النصوص ذاتها لكن بأوراق مصقولة
أن يفترضوا أوراقا ناضجة أكثر حيوية
أن يحدِّسوا لمعانها
أن يتخيلوا رائحة الطباعة العذبة
حين تكون جديدة
الحِرَف
لكلَّ حِرفة
يوم بؤسٍ
كاليوم الذي نشكُّ فيه
أنَّ النجَّار لا يملك خشباً
أو حينما يرث عنه ابنه الشاعر
صندوق العدَّة
أو اليوم المؤجّل
الذي تُكتشف فيه
خيانة زميل
أو ما هو أقل شأنا
كالتعب
والملل
من نفس
ذلك الضجر البسيط
أو الـ"الوحش الحسّاس"
الذي يعيش داخل
بودلير
المُعاون
يقولون له احمل أحضر أمسك
لكنه لا يعرف على وجه اليقين ما يفعل
يخمِّن وظيفة
الأدوات التي يحملها
والغاية
من الإمساك بتلك المنارات
والنظر بهذه المزاول
لا يعامله الناس
على أنّه معلّم كار
وحينما يثنون
على العمل
يشكرونه همساً
لا يصل أبداً
لعين اليقين
ويدرك أنّه ممنوع من الاقتراب
من بعض الأشياء
وهذا التحفظ يعيده للمنتصف
يبقى قلقاً
بشأن إتقان صنعةٍ ما
لديه فكرةٌ عن النتيجة
يعلم ولا يعلم
هو وليس هو
المُعاون
مُعاون المُعاون
هو الثالث في تسلسل
أخذ الأوامر
أحدهم ينقل له أمرا
كان قد نقله له شخص ما
من شخصٍ آخر
لا يعرف سبب
تلك الترتيبات
يجهل أحلام الناس
وأسبابهم الوجيهة
التي تمنح الحياة
لاختبارات الصوت
ومفارش الموائد
يهتمُّ بتفاصيل الأشياء
لأعمال لا تخصّه
هاجراً فضوله البشري
حين يركّب الواجهات
لا يعرف شيئا عن المشروع
ولا أسبابه المباشرة
ماذا يعمل بحقِّ الجحيم؟
وأيُّ أعصابٍ
تبقيه متيقِّظا
لأمورٍ
يجهلها تماماً
الذين يؤجِّرون أنفسهم لمختبرات الدواء
يتجاهل لو مرضَ
بسبب الآثار الجانبية
أو أن يكون مريضاً بالأصل
يتجاهل
لو تصلّب جسده
لو انصهرت تقيُّحاته
لو كان الدواء
جرعة سم
فقد حقَّه في معرفة
إن كان لجسده أن يتعفن وحده
وتلك الحرية الهائلة
كي يعبث على مسؤوليته
ويتلاعب بحياته
أصبحت الآن
أثراً جانبيّاً
بائعة الحلويات المتجوِّلة
ليس ما يوجعنا
ربحها القليل
أو أنها تمارس
تجارة غير مربحة
بل قساوة الموقف
الذي تقرِّرُ فيه
إن كانت ستشتري بالأرباح
بضائع
أم ستسدِّدها لغرض طارئ
مؤلم
ما تضع في حسبانها
أنَّها قد تودِّع عملها
قد تُلقى أرضا
أو قد تُطرد
ليتها تعرف
أن رجالا آخرين يفكرون بقسوة الحياة
مثلها
ولديهم شعورٌ دائمٌ
أنّهم سيسرَّحون
من وظائفهم
قريبا.
عامل المياومة
يقولون له أن يحفر خندقاً
دون أن يحيد عن المستوى العمودي
مع أنّه يجهل التصميم
يعرف من الإشاعات
أنَّهم يبنون جسراً
يتخيَّل نتيجة
العمل كلّه
وذلك الخندق الذي يحفره
أيكون للأساسات أم للبالوعات؟
يدفعون له
نهاية اليوم
ويعدونه أنَّهم سيتّصلون به
لو احتاجوه
لا يعمل بالمقاولة
لذلك يستنفدونه
لا يطيب له
أن يكلّفوه بأعمال
دون أن يعرف
ما يفعل
لا يقول للمهندس
-العارف بالتصميم-
إن عاملا مياوميّاً
يشبه الأشياء التي تحدث لنا
كالعيش ليوم واحدٍ
ماذا عليه أن يفعل؟
ماذا بعد ذلك؟
يتصلون بنا،
نتحزّر:
هل نحفر خندقاً لأساس
أم لبالوعة؟
ترجمة عن الإسبانية غدير أبو سنينة
اقرأ أيضاً: كتاب الحرف الحزينة