عاجل... وفاة معتقل

17 سبتمبر 2015
ما الذي تغير؟ (فرانس برس)
+ الخط -

كنت في السنة الرابعة من دراستي الجامعية حينما تواتر إلينا نبأ دخول المعتقل السابق مسعد قطب ابن جماعة الإخوان إلى معتقل جابر بن حيان بعدما زاره رجال الداخلية آنذاك وأهالوا بيته رأساً على عقب، وتم تعذيبه في السجن، حتى رحل إلى الله شاكياً ظلم نظام مبارك وبلطجة داخليته على الأبرياء في السجون. هاجت الجامعة وتظاهر الطلاب وصلينا صلاة الغائب على مسعد قطب ودعونا الله بالانتقام ممن تسبب في مقتله داخل السجن، ولما لا وهي حالة فريدة قلما تتكرر كل سنة أو أكثر داخل السجن، ولاقى الأمر ردوداً إيجابية لدى الرأي العام داخل الجامعة ساعتها.


مرت الأيام تلو الأيام والظروف تلو الظروف، وحدثت ثورة مجيدة في شوارع القاهرة وأزقتها، دفع ثمنها آلاف الشباب حياتهم كي ينعم الجميع بالحرية، وتنفس الشعب الصعداء على الرغم من نقمة البعض على الثورة ومآلاتها، حتى إذا ما لاحت فرصة قويمة للنهضة والانطلاقة نحو الديمقراطية، تعارك الجميع واختلف الكل، وهو ما نجم عنه انقلاب عسكري أتى على الأخضر واليابس، ابتلع معه حرية كانت منشودة وأعراضاً كانت مصونة وأرواحاً كانت منعمة وكانت النتيجة أن كل يوم في سجون القاهرة وحواريها يلفظ معتقل أنفاسه داخل السجون والجميع يرى ويتنفس الصعداء ولا يفعل سوى تعديل رقم القتلى داخل المعتقلات وحسب.

ما الذي تغير حول قابلية الناس من عدمها فيما يتعلق بالتصفية والقتل خارج إطار القانون للمعتقلين داخل السجون، فالمحصلة النهائية كشفت عنها المنظمة العربية لحقوق الإنسان (دولية غير حكومية في لندن) حول القتل داخل المعتقل بأي شكل كان سواء بإهمال طبي أو خلافه وصلت إلى أكثر من 264 حالة منذ انقلاب 3 يوليو 2013.

وذكرت آخر إحصائيات المنظمة في الثاني من أغسطس/ آب المنصرم أن عدد المحتجزين الذين توفوا أو قُتلوا داخل مقار الاحتجاز المصرية منذ الثالث من يوليو 2013 حتى الآن بلغ نحو 262 محتجزاً على الأقل، منهم من هو محتجز على خلفية قضايا معارضة للسلطات أو محتجز على ذمة قضايا جنائية، وقالت إن محصلة الوفيات منذ بدء العام الجاري 2015 فقط وصلت إلى نحو 72 معتقلاً.

خطورة الأمر أن نظام مبارك وأنظمة ما بعد الثورة كانت تتعامل نسبياً بشرف مع المرأة، إلا أن نظام الانقلاب ساوى بين المرأة وبين الطفل والرجل والشيخ داخل المعتقل، فالجميع مقبل على كارثة الإهمال والقتل داخل السجن، فوفقاً لتقرير المرصد المصري للحقوق والحريات، فإن الانتهاكات ضد المرأة، استمرت منذ بداية حكم عبدالفتاح السيسي حيث تعدت الاعتقالات الـ 80 حالة وخضوع 14 امرأة للمحاكمة، ليصدر ضدهم أحكام بلغت 213 عاماً، و460 ألف جنيه غرامة منهم الكثير في ظروف صحية سيئة كإسراء الطويل التي تواجه شبه الشلل داخل المعتقل جراء تعسف إدارة السجن معها حول مداواة ألمها والسماح لها بالعلاج ما دامت الداخلية مصممة على اعتقالها.

ما تغير من مشاعر وملابسات حول مقتل المعتقلين داخل السجون، هو تغير كل شيء، فالمجتمع ما عاد المجتمع الذي كان سلفاً يناصر الحق وإن كان بعيداً دون الخوض مباشرة في معارك الحق والباطل، أما الآن فالانقلاب غيّر كل شيء، غيّر المجتمع، والأفكار والقيم والمبادئ وبات المجتمع مشوهاً غير عابئ بأرواح هنا أو أعراض هناك، حتى إذا ما أتى الانقلاب على حق الجميع في الحياة، ساعتها سيدرك الذين آثروا العزلة أن الظلم مظلمة تطاول الكل ولابد من ثورة حقيقية على نظام عفنت رائحته وعطن حاله.

(مصر)

المساهمون