يتعاون الثلاثيني محمد أيوب مع شقيقه إيهاب في حفر القبور في مقبرة بيت لاهيا، شمالي قطاع غزة، في مهنة تتميّز بخصوصية مختلفة عن غيرها من المهن. فحفر القبور من المهن الأكثر رهبة، إلا أنّ الشقيقَين ومعهما بقيّة أفراد العائلة التي تسكن لصق المقبرة يمتهنون العمل فيها منذ عقود، وهي المهنة الرئيسية التي عمل بها والدهما ونشأ عليها الأبناء جميعاً.
يخبر محمد أيوب "العربي الجديد" أنّ والده بدأ يعمل في مهنة حفر القبور قبل ثلاثة عقود بمساعدة أعمامه، لمواجهة ما سمّاه "الدفن العشوائي" الذي كان يتمّ داخل المقبرة. يضيف أنّ "والدي كان يبدأ بترتيب عملية الدفن من خلال اختيار الأماكن الفارغة وتجهيزها بعد التأكد من خلوّها ونظافتها"، مؤكداً أنّ نشأته مع أشقائه كانت بين القبور و"الجيران الصامتين". والأشقاء أيوب سبق أن حصلوا جميعاً على تصريح من وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية، للعمل في حفر القبور في داخل الأرض التابعة لها، وذلك في مقابل عائد مادي مع توفير مستلزمات البناء وتجهيز القبر.
وينقسم عمل حفّاري القبور إلى مرحلتَين، الأولى تقضي التنسيق مع أهل الشخص المتوفّى والحفر وتجهيز الحفرة تحضيراً لاستقبال الجثمان، أمّا المرحلة الثانية فهي التشطيب النهائي للشكل الخارجي. ويُستهلّ العمل في المقبرة فور ورود اتصال من أهل الشخص المتوفّى، يطلبون في خلاله حفر قبر في مكان محدّد بجوار شخص قريب، وفق وصيّة أو رغبة، فيما لا يشترط آخرون أيّ تفاصيل حول المكان. وبعد نحو ساعتَين أو ثلاث ساعات من العمل يصبح القبر جاهزا.
وثمّة مراحل لعملية الحفر، تبدأ بإقامة "غرز" بشكل طولي على مسافة تزيد عن متر واحد للتأكّد من خلو الأرض من قبور مدفونة. وبعد التأكّد من نظافتها وخلوها من القطع الإسمنتية التي تغطّي أسقف القبور، يبدأ حفرُ قبر بطول مترَين وعرض 80 سنتيمتراً، وتُرصّ نحو 50 طوبة إسمنتية بشكل مستطيل، فيما يتمّ "تشريك" زواياه لضمان ثباتها في خلال عملية ردمها بالتراب. وفور الانتهاء من بناء المستطيل الإسمنتي، تُردَم الزوايا من الخارج بالرمل، تحضيراً لتغطيتها بخمس قطع خرسانية يصنعها الأشقاء في الطرف الشرقي من المقبرة، باستخدام الحصمة (حصى البناء) والإسمنت وتقويتها بأسياخ الحديد. وفيها يُغلق القبر بعد إتمام عملية الدفن، مع سدّ أيّ ثغرة خارجية بالطين والرمل.
ويواجه العمل في حفر القبور عقبات تتمثّل في عشوائية المنطقة والارتفاعات المختلفة للأرض الرملية، بالإضافة إلى مشكلة أخرى في فترات الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة. ويشير محمد إلى أنّ "الإسمنت كان ينقصنا في الحروب، ما يدفع أهل الميت إلى تغطية القبر بألواح الزينقو المعدنية". وفي وقت لاحق، تُزال تلك الألواح وتُعاد تغطية القبر بالقطع الخرسانية.
بالنسبة إلى إيهاب أيوب، فهو بحسب ما يؤكد يتقن "المهنة الأساسية في حياتي"، موضحاً أنّه بدأ العمل برفقة إخوته في حفر القبور وهو في بداية العشرينيات. يضيف: "نشأنا بين القبور". ويشرح إيهاب أنّ العمل يُقسّم بين الأشقاء في خلال المرحلة الأولى لرفع الحجارة والبلاط والحفر والبناء والتجهيز، فيما يبدأ العمل في الجزء الثاني بعد إتمام عملية الدفن من خلال بناء مستطيل خارجي وتزيينه من الأعلى بالشاهِد. وتُحدّد تكلفة التشطيب النهائي بحسب قدرة أهل المتوفّى، إذ يتمّ الاقتصار على قطعة رخامية أو يُبنى صندوق رخامي كامل.