مثل غيرها من المدن اللبنانية المنتفضة ضد السلطة الحاكمة، استكملت مدينة طرابلس، عاصمة الشمال اللبناني، تحركاتها الاحتجاجية، منذ صباح الأحد، وذلك لليوم الرابع على التوالي، وسط تحوّل ساحة "النور" وسط المدينة إلى نقطة تجمّع المحتجين من أبنائها والمناطق المجاورة لها، والذين تنوّعت مطالبهم، لكنهم اتّحدوا جميعاً ضد فساد الدولة، لا سيما أنهم يعانون من التهميش والفقر بنسبة كبيرة، وفق ما يقول بعضهم لـ"العربي الجديد".
هذه المدينة التي لطالما اختبرت جولات عنف دامية بين منطقتي باب التبانة وجبل محسن، ولطالما ألصقت بها تهم "التشدد"، كانت قادرة، منذ يوم الخميس الماضي، على كسر هذه الصورة.
وكان يمكن للبنانيين عبر شاشات التلفزة رؤية المحتجين وهم يرددون الهتافات التي تدين الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان، بما في ذلك السياسيون الذين لطالما استغلوا فقراء المدينة في حروبهم السياسية والعسكرية. كما كان بإمكان اللبنانيين متابعة المقاطع المصورة التي تظهر كيف تصدَح الأغاني والهتافات الوطنية والتضامن مع محتجي مدينة صور الذين تعرّضوا للقمع.
ووجد أهالي طرابلس والمناطق المجاورة لها في الشمال اللبناني في التظاهرة الحاشدة التي خرجت اليوم ضالتهم، ما جعل ساحة النور تغصّ بآلاف المحتجين الذين توزعوا على الشوارع المحيطة.
وجلس المواطنون الذين سئموا من الفساد والفقر جنباً إلى جنب مع معوقين من ضحايا اشتباكات باب التبانة وجبل محسن، فيما نصبت خيمة لأهالي السجناء الإسلاميين الذين دأبوا، في السنوات الأخيرة، على التظاهر للمطالبة بإطلاق سراح أبنائهم وإجراء محاكمات عادلة لهم.
وتقول الشابة آلاء عبد الرزاق، التي أتت من منطقة عكار، للمشاركة في التظاهرات "جئت لأطالب بحقي، لقد تخرّجت كمهندسة وإلى الآن لم أجد عملاً"، فيما تقول متظاهرة أخرى تُدعى نجلا وأتت كذلك من عكار أيضاً "أتيت لأدافع عن حقوقنا جميعاً، فنحن الآن يد واحدة، ولن نسمح بعد الآن لأحد بأن يسرقنا".
أما زينة شبيب، معلمة رسم، فقد اختارت هي ومجموعة من زملائها، المشاركة في التظاهرة بالرسم، واتخذوا زاوية لهم، حيث بدأوا برسم عدد من اللوحات، مؤكدة "نحن نطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية ونبذ الطائفية، وحلّ الأحزاب أيضاً".
وإلى جانب هؤلاء، كانت هناك خيمة لأهالي السجناء الإسلاميين الذين استغلوا المناسبة للتعبير عن مطالبهم بما يخص أبناءهم المعتقلين. وتقول إحدى المتظاهرات التي يقبع ابنها في السجن "جميعنا لدينا الوجع نفسه، نحن أهالي السجناء الإسلاميين. وجئنا اليوم كي نطالب بالإفراج عن شبابنا الذين وقعت المظلومية عليهم"، وفق تعبيرها. وتضيف "منذ سنوات، نتظاهر ويعدوننا بحل المسألة، ولكن يكذبون علينا. نحن نطالب بالعفو العام الذي وعدونا به، وكذلك بإسقاط الحكومة".
وتقول متظاهرة أخرى، وهي أم لسجينين ممن يُعرفون بالسجناء الإسلاميين: "هذا عهد قوي على المستضعفين، لدي شابان في السجن وقد حكم عليهما بعدد سنوات حبس أكثر مما حكم على ميشال سماحة (في إشارة للوزير السابق الذي اتهم بالإرهاب بعد اعترافه بمحاولة نقل متفجرات من سورية إلى لبنان). ست سنوات ونحن في الشوارع، واليوم نطالب بإسقاط النظام، وليس فقط الحكومة".
وانضم إلى تظاهرات طرابلس مواطنون من منطقة زغرتا في الشمال، علماً أنه ينظر إلى المدينتين على أنهما مختلفتان سياسياً. وتقول إحدى المتظاهرات "جئت لأجل أولادي، وهذه المرة الأولى التي أشارك بها في تحركات كهذه"، فيما ترى متظاهرة أخرى أنّ "بوادر التغيير في البلد بدأت تظهر، واستقالة وزراء حزب القوات اللبنانية أمس خير دليل على ذلك، ونحن مستمرون حتى إسقاط الحكومة كلها ومجلس النواب ورئيس الجمهورية، من أجل أن نبني وطننا من جديد".
وعلى الدراجات الهوائية، وصل كذلك مكسيم بعيني مع عشرة من أصدقائه من زغرتا إلى ساحة "النور". ويقول لـ"العربي الجديد": "أخيراً هذا الحلم بدأ يتحقق، كنا نائمين واستفقنا. إنها المرة الأولى التي نرى فيها جميع اللبنانيين متضامنين بكل أطيافهم، وهدفهم واحد وهو العيش بكرامة وحرية".
من جهته، يقول أحمد حلواني، أحد أبناء طرابلس: "نريد العمل على تغيير هذا البلد، وتحديداً في طرابلس، التي عانت الحرمان والتهميش من قبل الدولة اللبنانية والسلطة السياسية، وتحديداً السلطة السياسية السنية".
وأضاف حلواني "نحن أمام غول سياسي يتحكم منذ 30 عاماً بمقدرات البلد وانتهكها من النواحي كافة؛ السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى البيئية. طرابلس اليوم تشهد عرساً، وأهلها يؤكدون مجدداً أنهم قادرون وجديرون بالحياة، ولكنهم بحاجة إلى لفتة من دولة المؤسسات التي يطمحون إليها، والتي لم تستطع الطبقة الحاكمة حالياً بناءها. نحن بحاجة إلى تغيير هذه الوجوه العفنة".
أما محمد (26 عاماً) من منطقة باب التبانة، فيقول إنه أتى ليعبّر عن وجعه كمعوّق جراء إحدى جولات العنف المسلّح التي نشبت بين منطقتي التبانية وجبل محسن. ويقول لـ"العربي الجديد": "وجعي أنّ الدولة لا تؤمّن أدنى الحقوق للمعوقين، لا بل تسرق هذه الحقوق"، مضيفاً "أتدبّر حياتي بالشحادة (التسوّل)، ولكن الآن لدي أمل لأننا استفقنا".