عادت العاصمة الليبية طرابلس في الأيام الأخيرة إلى المحور الأساسي للمهتمين بالملف الليبي، بعدما كانت صبراتة وبنغازي الموضوع الأبرز ليبياً. وسُجّلت في اليومين الأخيرين سلسلة من المواقف والتحركات، بوّأت العاصمة الليبية لاستعادة زمام المبادرة السياسية، داخلياً وخارجياً. فقد شهدت طرابلس الاجتماع الرابع للمجلس الأعلى الدولة، مع تَقدُّم أعمال لجنة الترتيبات الأمنية التي قدّمت لرئيس الوزراء المكلف تشكيل حكومة الوفاق الوطني فائز السراج تقريراً بآخر ما توصلت إليه من ترتيبات واستعدادات لتباشر الحكومة عملها من مدينة طرابلس، ونتائج الاتصالات المحلية والدولية في هذا الصدد.
كما شهدت طرابلس سلسلة لقاءات بين نواب من المؤتمر الوطني العام ومن برلمان طبرق، أفرزت جملة توصيات بشأن مساعٍ ليبية-ليبية للحل، لا يمكن تحديد أفقها راهناً. وبرز موقف حكومة الإنقاذ الوطني (حكومة طرابلس) بعد جلسة مجلس الأمن الدولي الأخيرة التي استمعت إلى إفادة المبعوث الأممي مارتن كوبلر. إذ أعلن رئيس الحكومة خليفة الغويل، في ندوة صحافية، العمل على تشكيل "حكومة وحدة وطنية قوية تباشر عملها من طرابلس". وأصدرت حكومة الغويل بياناً مطولاً بعد جلسة مجلس الأمن التي عقدت يوم الأربعاء الماضي، استغرب فيه الغويل تصريح كوبلر بوجود معارضة أقلية للاتفاق السياسي الذي تم التوصل إليه في الصخيرات. وقال الغويل إن الموقّعين على هذا الاتفاق "لا صفة لهم، وإذا كان كوبلر يريد التحقق من الموافقين والمعارضين للاتفاق فعليه أن يعرض الأمر على الاستفتاء الشعبي". وأضاف الغويل أن "كوبلر تناسى القصف الذي تعرض له المواطنون في بنغازي منذ أكثر من عام على يد قوات خليفة حفتر، من دون أدنى اعتراض أو تنديد بما يجري، ويتحدث اليوم عن انتصار للجيش الليبي، لأن جيش الوطن يُفترض أن يحمي المواطنين ولا يحاربهم".
وعن دخول حكومة السراج إلى طرابلس، قال الغويل إن "هذا الأمر متروك لأهاليها وثوارها، وهم من يقررون ذلك، على الرغم من أن كثيراً منهم يؤكدون يوماً بعد يوم رفضهم للاتفاق السياسي". ورد الغويل على ما اعتبره كوبلر رفض حكومة طرابلس دخول بعثة الأمم المتحدة إلى طرابلس والمنطقة الغربية، قائلاً إن هذا الأمر يخضع للعرف الدبلوماسي الذي يقتضي معرفة برنامج الزائرين وتفاصيل زياراتهم، وهذا لم يحدث ولذلك تم رفض الطلب.
واعتبر الغويل أن "مهمة كوبلر فاشلة، وليس لديه إرادة صادقة لمساعدة الليبيين"، لكنه على الرغم من ذلك دعا كوبلر لزيارة طرابلس، "للبحث عن حلول مشتركة فشل في إيجادها كوبلر منفرداً"، والبحث عن حل جذري لحكومة وحدة وطنية حقيقية وقوية ومقبولة من الكل، تعمل من طرابلس.
اقرأ أيضاً: ليبيا تحت النار:تدخّل غربي يستبق الحكومة وخلط أوراق سياسية
وفي السياق نفسه، كشف وزير العمل في حكومة الإنقاذ، محمد بلخير، في اتصال هاتفي من العاصمة الليبية مع "العربي الجديد"، أن هناك مسارات عديدة تتنافس اليوم في الملف الليبي، وأن نتائج ما يحدث على الأرض ستحدد واقعية كل مسار. ولفت إلى أن ما حدث في صبراتة، بعد دحر تنظيم "داعش" من قِبل قوات طرابلس، غيّر الكثير من المعطيات الدولية، "وأخّر قليلاً التدخّل العسكري الذي كان وشيكاً جداً"، على حد قوله، معتبراً أن "تمكّن قوات ليبية محلية من ضرب داعش بتلك السرعة، غيّر النظرة، وربما يقنع الأطراف الدولية بإعادة حساباتها".
وأشار بلخير إلى أن مسار الحوار الليبي-الليبي مرهون بجلسة برلمان طبرق المقررة يوم الاثنين المقبل، لافتاً إلى أن البرلمان "يشهد انشقاقات واختلافات كبيرة في المواقف بشأن المصادقة على حكومة الوفاق، وإذا ما تمت المصادقة فسيسقط مسار الحوار المحلي، أما إذا تفاقمت الخلافات، فسيكون هذا الحوار قاعدة سياسية يمكن البناء عليها، خصوصاً أنه بدأ يحصد نوعاً من الإجماع في صفوف النخب والمواطنين في ليبيا، ومن الجهتين، وربما يكون بديلاً سياسيا متاحاً أمام المجتمع الدولي".
في الوقت نفسه، جاء موقف لافت لوزير الخارجية في حكومة الإنقاذ علي أبو زعكوك، عبّر فيه عن عدم معارضته لقيادة إيطاليا لعملية عسكرية دولية ضد تنظيم "داعش" في ليبيا، ولكن بشرط أن تُنسّق مع حكومته. وقال أبو زعكوك إنه "أمر جيد بالنسبة لنا أن تتولى إيطاليا دور قيادة عمليات القوات الدولية، في الحرب ضد تنظيم داعش في ليبيا". وفي مقابلة مع جريدة "كورييري ديلا سيرا" الإيطالية، في عددها أمس الأول الخميس، استدرك أبو زعكوك: "لكن حذار، فمن الضروري أن يتم أي عمل عسكري في البلاد بالتنسيق وبدقة مع حكومتنا في طرابلس وقواتنا العسكرية على الساحة، وخلافاً لذلك، فإن أية عملية ستتحوّل من معركة مشروعة ضد الإرهاب إلى انتهاك واضح لسيادتنا الوطنية". وأضاف: "نحن بحاجة لمعرفة ما إذا كانت إيطاليا ستختار الآن العمل معنا أم ضدنا".
وجاء الرد من وكيل وزارة الداخلية الإيطالية دومينيكو روسي، الذي قال "إننا ملتزمون بدعم تشكيل حكومة الوفاق الوطني، ونحن في انتظار مقترحات حكومة الوفاق لنواجه معاً تنظيم داعش في ليبيا"، محذراً من أن أية مهمة عسكرية محتملة إلى ليبيا لمواجهة التنظيم "لن تكون فعالة إذا اعتبرنا الليبيون غزاة".
وفي السياق نفسه، كشف السفير الأميركي في إيطاليا، جون فيليبس، أن خمسة آلاف جندي إيطالي جاهزون للذهاب إلى ليبيا لإنشاء "جزر من الاستقرار". وحول مشاركة قوات أميركية في ليبيا، قال فيليبس لصحيفة "كورييري ديلا سيرا" أمس الجمعة، إن مساهمة القوات الأميركية لم تتم مناقشتها بعد من الإدارة الأميركية. في السياق، تمكنت قوة أمنية في صبراتة من تحرير إيطاليَين كانا محتجزين لدى "داعش".
من جهة أخرى، التقى نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية أحمد معيتيق، وزير الخارجية الإيطالي باولو جنتيلوني، في العاصمة الإيطالية روما، أمس الأول الخميس، وجرى تباحث في العلاقات الثنائية وآفاقها المستقبلية، وسبل تواصل الجهود الدولية لدعم الشعب الليبي في معركته ضد "الإرهاب"، وإنهاء الفوضى التي أدت إلى تردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية في ليبيا.
في غضون ذلك، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن وزير الخارجية جون كيري التقى كوبلر لبحث وسائل دعم حكومة وحدة وطنية هناك. وقالت الوزارة في بيان لها إن كيري أكد أن الولايات المتحدة سوف تستمر في دعم السراج وحكومة الوفاق الوطني قبل الاجتماع المقرر عقده في تونس الأسبوع المقبل لبحث سبل توطيد سلطة الحكومة في طرابلس. وأضافت أن كيري "عبّر عن قلقه من أنه على الرغم من جهود غالبية الزعماء الليبيين لترسيخ هذه الحكومة، إلا أن مجموعة من المعرقلين منعت تصويتاً رسمياً كان سيصادق على مجلس الوزراء".
اقرأ أيضاً: خطة التدخل الغربي في ليبيا: "شركاء محليون" بلا حفتر