طبائع الاستبداد

29 ابريل 2016
"المستبد عدو الحق، عدو الحرية وقاتلهما" (فرانس برس)
+ الخط -

"أقول وأنا مسلم عربي مضطر للاكتتام شأن الضعيف الصادع بالأمر، المعلن رأيه تحت سماء الشرق، الراجي اكتفاء المطالعين بالقول عمن قال: وتعرف الحق في ذاته. لا بالرجال". هكذا لخّص عبد الرحمن الكواكبي (1855- 1902) في مقدمة تحفته الخالدة "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد"، الحقيقة دون مواربة.

وعرف الكواكبي "الاستبداد" بأنه "غرور المرء برأيه والأنفة عن قبول النصيحة أو الاستقلال في الرأي والحقوق المشتركة"، وهو يقول إن "الحكومة المستبدة تكون مستبدة في كل فروعها؛ من المستبد الأعظم إلى الشرطي، إلى كنّاس الشوارع، ولا يكون كل صنف إلا من أسفل أهل طبقته أخلاقاً، لأن الأسافل لا يهمهم الكرامة وحسن السمعة؛ إنما غاية مسعاهم أن يبرهنوا لمخدومهم أنهم على شاكلته، وبهذا يأمنهم المستبد ويأمنونه فيشاركهم ويشاركونه، وهذه الفئة المستخدمة يكثر عددها ويقل حسب شدة الاستبداد وخفته، فكلما كان المستبد حريصاً على العسف احتاج إلى زيادة جيش العاملين له المحافظين عليه، واحتاج إلى مزيد الدقة في اتخاذهم من أسافل المجرمين الذين لا أثر عندهم لدين أو ذمة، واحتاج لحفظ النسبة بينهم في المراتب بالطريقة المعكوسة، وهي أن يكون أسفلهم طباعاً وخصالاً أعلاهم وظيفةً وقربا. وتواسي فئة من أولئك المتعاظمين باسم الدين الأمة فتقول: يا بؤساء: هذا قضاء من السماء لا مرد له، فالواجب تلقيه بالصبر والرضاء والالتجاء إلى الدعاء".

وفي تعريفه المباشر للمستبد يقول: "المستبد يتحكم في شؤون الناس بإرادته لا بإرادتهم، ويحكم بهواه لا بشريعتهم، ويعلم أنه غاصب متعد فيضع كعب رجله على أفواه الملايين يسدها عن النطق بالحق والتداعي لمطالبته". و"المستبد عدو الحق، عدو الحرية وقاتلهما، والحق أبو الشر، والحرية أمهم، والعوام صبية أيتام نيام لا يعلمون شيئا، والعلماء هم إخوتهم الراشدون، إن أيقظوهم هبّوا وإن دعوهم لبوا وإلا فيتصل نومهم بالموت. والمستبد يتجاوز الحد ما لم ير حاجزا من حديد، فلو رأى الظالم على جنب المظلوم سيفا لما يقدم على الظلم كما يقال: الاستعداد للحرب يمنع الحرب".

"المستبد يود أن تكون رعيته كالغنم دراً وطاعة، وكالكلاب تذبلا وتملقا، وعلى الرعية أن تكون كالخيل إن خَدمت خُدمت، وإن ضربت شرست".

كل هذا وغيره، أقره الكواكبي قبل نحو 130 عاما، وهو بالطبع لازال صالحاً، عربياً وعالمياً، وربما يظل صالحاً إلى نهاية الكون.

والكواكبي نفسه قتل لفضحه طبائع الاستبداد، حيث وضع له السم في القهوة، أحد أعوان المستبد الذين كتب عنهم، وإن لم يعرف القاتل على وجه التحديد.


المساهمون