14 نوفمبر 2024
ضمّ الضفة الغربية وبؤس الأداء الفلسطيني
اتفق بنيامين نتنياهو وبيني غانتس على تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة، بعد أن لجأ كلاهما إلى سياسة حافّة الهاوية، وعضّ الأصابع، للحصول على مكاسب إضافية. في النهاية، انفصل غانتس عن رفاقه في تكتل أزرق أبيض، ورضخ لمطالب نتنياهو الرئيسة، وفي مقدمتها الاتفاق على ضمّ غور الأردن والمستوطنات في الضفة الغربية، في شهر يوليو/ تموز المقبل، وعدم السماح بالمسّ بقانون يهودية الدولة، ومنح نتنياهو الحصانة اللازمة للإفلات من محاكمته بتهم الفساد. وفي ذلك، نجح نتنياهو، مرة أخرى، في تعزيز قوة اليمين الصهيوني بقيادته، ولن يكون مصير غانتس أفضل من مصير حزب العمل، حين دخل في حكومة ائتلافية مع "الليكود" الذي تمكّن لاحقاً من تقليص حجم "العمل" على الساحة السياسية الإسرائيلية، بعد أن حكم إسرائيل عقوداً طويلة، ولم يفُز في الانتخابات الأخيرة إلا بمقعدين، ضمن تحالف لبقايا "اليسار" الصهيوني الذي حاز ستة مقاعد، وبات يلهث الآن للالتحاق بحكومة اليمين.
رحّب وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، باتفاق نتنياهو وغانتس على تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، وقال إنّ "إجراءات ضمّ الضفة قرار يعود اتخاذه إلى إسرائيل"، فهي "قراراتٌ سيتخذها في نهاية المطاف الإسرائيليون"، أما الحكومة الإسرائيلية فـ "سنعمل معها بشكل وثيق لإبلاغها بموقفنا في أجواء خاصة". ليس اللافت في هذا التصريح ترحيب بومبيو، ولا الأجواء الخاصة التي من ضمنها لجنة أميركية - إسرائيلية كُلّفت مهمة وضع خرائط الضم، ولا المباركة الأميركية المسبقة لهذه الخطوات التي أعلنها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في الاحتفال الكبير الذي أقامه في البيت الأبيض، بحضور نتنياهو وغانتس، وبعض السفراء العرب. الخطير في هذا التصريح، أنه لم يتحدّث عن ضمّ الأغوار والمستوطنات، بل تحدّث، بالفم الملآن، عن ضمّ الضفة الغربية، وأنّ قرار ضمها يعود إلى الإسرائيليين، وكأنه يقول إنها مسألة وقت لتُضَمّ الضفة كلها، بعد إتمام ضمّ المستوطنات والأغوار، بعد أقل من ثلاثة أشهر.
جاء ردّ فعل السلطة الفلسطينية على هذه الخطوات باهتاً، ولا يتناسب مع حجم الحدث، وتكراراً للمكرّر سابقاً عشرات المرات، من دون أي إجراءات عملية، أو سعي إلى تهيئة الشعب الفلسطيني لمواجهة هذه الخطوة. سمعنا حديثاً معاداً عن أنّ "الولايات المتحدة الأميركية لا يمكن أن تكون وسيطاً نزيهاً في أي عملية سلام" مع الإسرائيليين، وكأن هنالك سلاماً باقياً
يمكن الحديث عنه. وعاد الرئيس محمود عباس إلى استخدام كلمة "سوف" المحبّبة لديه، والتي لا يخلو منها تصريح له أو خطاب، متوعداً بقرارات يعجز عن اتخاذها. ففي خطبته بمناسبة شهر رمضان، قال: "سوف نعتبر كل الاتفاقات والتفاهمات بيننا وبين هاتين الحكومتين (إسرائيل والولايات المتحدة) ملغاة تماماً، وذلك استناداً إلى قرارات المجلس الوطني والمركزي". وأعلن إبلاغه الحكومتين، الإسرائيلية والأميركية، بأنه إذا ما ضُمَّت الضفة، فسيعتبر جميع الاتفاقات "مُلغاة تماماً"، و"سوف نتخذ كل قرار أو إجراء ضروري للمحافظة على حقوقنا، وحماية ثوابتنا الوطنية... ولن نقف مكتوفي الأيدي".
الكلام ذاته قاله الرئيس عباس في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة عقب مهرجان نتنياهو وترامب الاحتفالي بإعلان صفقة القرن، وقاله قبل ذلك في اجتماع القمة الإسلامية في إسطنبول، بعد اعتراف ترامب بالقدس عاصمةً لإسرائيل، وقبلها وبعدها في اجتماعات المجلسين، الوطني والمركزي، وأُضيفت إليه في حينه عشرات القرارات التي بقيت حبراً على ورق، بسحب الاعتراف بإسرائيل، ووقف التنسيق الأمني معها، ووقف تسلّم أموال المقاصّة التي حسمت منها إسرائيل مخصّصات الأسرى والشهداء. كذلك شُكِّلَت لجان متعدّدة للبحث في آليات تنفيذ هذه القرارات التي أصبحت لازمة للبيان الختامي لكل اجتماع يجري في أروقة السلطة الفلسطينية. أما على الصعيد العملي، فلم نعلم شيئاً عن قرارات ستجعلنا مطلقي الأيدي، أو إجراءات عملية اتُّخذت لمواجهة صفقة القرن، وضمّ أجزاء واسعة من الضفة الغربية، والتطبيع المتزايد لأطراف عربية مع الكيان الصهيوني. ويتماثل هنا بؤس الموقف العربي
والدولي مع نظيره في الموقف اللفظي للسلطة الفلسطينية وأركانها.
حسناً، فلنقلب صفحة التصريحات التي لا تُغني ولا تُسند من فعل، ولننتقل إلى ما بعد لحظة الضم؛ الاتفاقات والتفاهمات ألغتها إسرائيل مسبقاً، وسقف اتفاق أوسلو، كما هو معلوم، هو حكم ذاتي محدود، حتى لو أطلق عليه من الأسماء الجميلة ما شاء المفاوضون، من سلطة، إلى دولة، إلى رئاسة وحكومة.
لن تُحَلّ السلطة الفلسطينية، فقد نشأ واقع من الصعب تجاهله؛ مئات الآلاف من الموظفين يقومون بشؤون الإدارة الحياتية اليومية، بإشراف مباشر من إدارة الحكم العسكري الصهيوني، لم ينقطع يوماً واحداً، والأجهزة الأمنية، الشرطية منها والاستخبارية، تعدّ بعشرات الآلاف، وتقدّم معلومات استخباراتية حيوية للأمن الإسرائيلي، وتكفيه مؤونة الحفاظ على الأمن الداخلي، أو قمع التظاهرات والحراكات الجماهيرية. وثمّة مصلحة إسرائيلية واضحة في الإبقاء على السلطة الفلسطينية ودورها الوظيفي، سواء في المجال الأمني، أو في مجال إدارة المسائل اليومية، وسيطاً محلياً يشكّل هيئة عليا لإدارة البانتوستنات والمعازل الفلسطينية في مدن الضفة
الغربية وضواحيها، لتكون بديلاً من روابط القرى التي حاول إقامتها في السبعينيات. وتدريجاً، سيسعى أكثر إلى عزل بعضها عن بعض، وإلى قضم المزيد منها، وستتكثف محاولاته لتهجير سكانها إلى خارج فلسطين.
لن تُحلّ السلطة الوطنية الفلسطينية، لأنّ العدو سيبقى بحاجة إلى واجهة كاذبة بعد أن يضم 60% من أراضي الضفة، تُضاف إلى القدس التي سبق له أن ضمها، وبعد أن تفقد هذه السلطة ما بقي لها من مظاهر ضعيفة للسيادة والاستقلال النسبي. ولن تُحلّ السلطة الوطنية، لأنه لا يوجد من هو قادر على اتخاذ هذا القرار، وإن وُجد فثمّة من هو بديل له، جرت تهيئته في ثنايا التنسيق الأمني، والمفاوضات العبثية، والمصالح المتبادلة.
أولى خطوات إنقاذ المشروع الوطني الفلسطيني، فكّ ارتهان منظمة التحرير الفلسطينية من أسر السلطة الفلسطينية، وفصلها تماماً عنها، بحيث يُعاد بناؤها لتكون ممثلةً لتجمعات الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وتتولى مهمة إعادة تنظيمه في أماكن وجوده كلها، وقيادته على طريق تحقيق حقوقه كاملة. وهي مهمة جميع القوى وقواعد الفصائل ومنظمات المجتمع المدني، وفي طليعة ذلك كله، مهمة الشباب الفلسطيني القادر على إعادة تشكيل المشروع الوطني الفلسطيني، والنهوض به، والنضال ضدّ نظام الأبارتايد والتمييز العنصري الصهيوني، وضدّ محاولات التطبيع الفلسطيني والعربي معه.
ويبقى السؤال الأخير برهن إجابة أخيرة ونهائية لدى الرئيس محمود عباس، وبعض قيادات حركة فتح والفصائل والسلطة: هل آن الأوان لمراجعة نقدية لهذا المسار وما آل إليه؟ أو على الأقل عدم تقديم غطاء لرموز المرحلة المقبلة، إجابة قد تشكّل موقفًا طيباً، حتى لو جاء متأخراً.
جاء ردّ فعل السلطة الفلسطينية على هذه الخطوات باهتاً، ولا يتناسب مع حجم الحدث، وتكراراً للمكرّر سابقاً عشرات المرات، من دون أي إجراءات عملية، أو سعي إلى تهيئة الشعب الفلسطيني لمواجهة هذه الخطوة. سمعنا حديثاً معاداً عن أنّ "الولايات المتحدة الأميركية لا يمكن أن تكون وسيطاً نزيهاً في أي عملية سلام" مع الإسرائيليين، وكأن هنالك سلاماً باقياً
الكلام ذاته قاله الرئيس عباس في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة عقب مهرجان نتنياهو وترامب الاحتفالي بإعلان صفقة القرن، وقاله قبل ذلك في اجتماع القمة الإسلامية في إسطنبول، بعد اعتراف ترامب بالقدس عاصمةً لإسرائيل، وقبلها وبعدها في اجتماعات المجلسين، الوطني والمركزي، وأُضيفت إليه في حينه عشرات القرارات التي بقيت حبراً على ورق، بسحب الاعتراف بإسرائيل، ووقف التنسيق الأمني معها، ووقف تسلّم أموال المقاصّة التي حسمت منها إسرائيل مخصّصات الأسرى والشهداء. كذلك شُكِّلَت لجان متعدّدة للبحث في آليات تنفيذ هذه القرارات التي أصبحت لازمة للبيان الختامي لكل اجتماع يجري في أروقة السلطة الفلسطينية. أما على الصعيد العملي، فلم نعلم شيئاً عن قرارات ستجعلنا مطلقي الأيدي، أو إجراءات عملية اتُّخذت لمواجهة صفقة القرن، وضمّ أجزاء واسعة من الضفة الغربية، والتطبيع المتزايد لأطراف عربية مع الكيان الصهيوني. ويتماثل هنا بؤس الموقف العربي
حسناً، فلنقلب صفحة التصريحات التي لا تُغني ولا تُسند من فعل، ولننتقل إلى ما بعد لحظة الضم؛ الاتفاقات والتفاهمات ألغتها إسرائيل مسبقاً، وسقف اتفاق أوسلو، كما هو معلوم، هو حكم ذاتي محدود، حتى لو أطلق عليه من الأسماء الجميلة ما شاء المفاوضون، من سلطة، إلى دولة، إلى رئاسة وحكومة.
لن تُحَلّ السلطة الفلسطينية، فقد نشأ واقع من الصعب تجاهله؛ مئات الآلاف من الموظفين يقومون بشؤون الإدارة الحياتية اليومية، بإشراف مباشر من إدارة الحكم العسكري الصهيوني، لم ينقطع يوماً واحداً، والأجهزة الأمنية، الشرطية منها والاستخبارية، تعدّ بعشرات الآلاف، وتقدّم معلومات استخباراتية حيوية للأمن الإسرائيلي، وتكفيه مؤونة الحفاظ على الأمن الداخلي، أو قمع التظاهرات والحراكات الجماهيرية. وثمّة مصلحة إسرائيلية واضحة في الإبقاء على السلطة الفلسطينية ودورها الوظيفي، سواء في المجال الأمني، أو في مجال إدارة المسائل اليومية، وسيطاً محلياً يشكّل هيئة عليا لإدارة البانتوستنات والمعازل الفلسطينية في مدن الضفة
لن تُحلّ السلطة الوطنية الفلسطينية، لأنّ العدو سيبقى بحاجة إلى واجهة كاذبة بعد أن يضم 60% من أراضي الضفة، تُضاف إلى القدس التي سبق له أن ضمها، وبعد أن تفقد هذه السلطة ما بقي لها من مظاهر ضعيفة للسيادة والاستقلال النسبي. ولن تُحلّ السلطة الوطنية، لأنه لا يوجد من هو قادر على اتخاذ هذا القرار، وإن وُجد فثمّة من هو بديل له، جرت تهيئته في ثنايا التنسيق الأمني، والمفاوضات العبثية، والمصالح المتبادلة.
أولى خطوات إنقاذ المشروع الوطني الفلسطيني، فكّ ارتهان منظمة التحرير الفلسطينية من أسر السلطة الفلسطينية، وفصلها تماماً عنها، بحيث يُعاد بناؤها لتكون ممثلةً لتجمعات الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وتتولى مهمة إعادة تنظيمه في أماكن وجوده كلها، وقيادته على طريق تحقيق حقوقه كاملة. وهي مهمة جميع القوى وقواعد الفصائل ومنظمات المجتمع المدني، وفي طليعة ذلك كله، مهمة الشباب الفلسطيني القادر على إعادة تشكيل المشروع الوطني الفلسطيني، والنهوض به، والنضال ضدّ نظام الأبارتايد والتمييز العنصري الصهيوني، وضدّ محاولات التطبيع الفلسطيني والعربي معه.
ويبقى السؤال الأخير برهن إجابة أخيرة ونهائية لدى الرئيس محمود عباس، وبعض قيادات حركة فتح والفصائل والسلطة: هل آن الأوان لمراجعة نقدية لهذا المسار وما آل إليه؟ أو على الأقل عدم تقديم غطاء لرموز المرحلة المقبلة، إجابة قد تشكّل موقفًا طيباً، حتى لو جاء متأخراً.