تواجه حكومة "الوفاق" الليبية المعترف بها دولياً ضغوطاً متزايدة بشأن وقف عملياتها العسكرية لاسترداد المدن والمناطق من سيطرة مليشيات اللواء خليفة حفتر، وتحديداً مدينة سرت التي تقع في منتصف المسافة بين شرق البلاد وغربها وتشرف على منطقة الهلال النفطي، أغنى مناطق البلاد بالنفط، في الوقت الذي أعلنت فيه البعثة الأممية في ليبيا انخراط وفدي الحكومة وحفتر في محادثات 5+5 العسكرية.
لكن عملية "بركان الغضب" أعلنت عن سيطرة قواتها على أربع مناطق تمتد على مسافة 350 كيلومتراً جنوب وجنوب غربي ليبيا.
وأوضحت العملية، في منشور على صفحتها الرسمية منتصف ليل الأربعاء، أن هذه المناطق هي نسمة ومرسيط والقريات والشويرف، كانت مليشيات حفتر تستخدمها لعام كامل "كخط إمداد رئيسي لدعم العدوان على طرابلس بالمرتزقة والأسلحة والذخائر والعتاد والوقود".
وتزامن هذا الإعلان مع اجتماع عقده رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، مع وزراء بحكومة الوفاق وآمري المناطق العسكرية الغربية وطرابلس والوسطى وآمر غرفة عمليات سرت والجفرة لـ"بحث سير العمليات العسكرية"، بالإضافة لاستعراض الأوضاع بالمناطق والمدن المحررة والترتيبات الأمنية المعتمدة فيها.
وكانت البعثة الأممية في البلاد قد أعلنت عن انخراط وفدي حكومة الوفاق وحفتر في محادثات اللجنة العسكرية المشتركة 5+ 5.
وقالت البعثة، في بيان لها مساء أمس الأربعاء، إنها عقدت اجتماعين من خلال الاتصال المرئي، أحدهما في 3 يونيو مع ممثلي حفتر والآخر مع وفد حكومة الوفاق في 9 يونيو، ووصفت اللقاءين بـ"المثمرين".
وأوضحت أن اللقاءين أتاحا الفرصة للبعثة أن تناقش مع الوفدين آخر التطورات على الأرض وأن تتلقى ملاحظاتهما على مسودة اتفاق وقف إطلاق النار الذي قدمته البعثة إلى الطرفين في 23 فبراير 2020، داعية طرفي الصراع إلى إنهاء التصعيد لتجنب وقوع المزيد من الضحايا المدنيين وتفادي حدوث موجات نزوح جديدة.
ومن دون أن تشير البعثة إلى أوضاع مناطق أخرى شهدت عمليات قتالية بين الطرفين، قالت إنها تلقت تقارير تفيد بالتصعيد والتحشيد في مدينة سرت وما حولها تسببت في "مقتل 19 مدنيا على الأقل وإصابة 12 آخرين".
وتعليقاً على خروج البعثة الأممية المفاجئ للإعلان عن العودة للمحادثات العسكرية، يؤكد المحلل السياسي الليبي مروان ذويب أن البعثة أعلنت عن لقاءات منفصلة مع وفدي الطرفين لمعرفة وجهات النظر بشأن العودة لمحادثات 5+5 ولكنها لم تعلن عن نتائج جهودها.
وأضاف أن حديث البعثة في بيانها، حول تلقيها ملاحظات الطرفين على مسودة اتفاق وقف إطلاق النار الذي قدمته البعثة للطرفين في 23 فبراير/شباط، "كلام ضبابي وغير واقعي".
وأوضح في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "مسودة المحادثات السابقة بين الطرفين كانت تتحدث عن أوضاع عسكرية في جنوب طرابلس حيث كانت تدور الحرب، أما الآن فالطرفان في تماس وسط البلاد وتحديداً في سرت"، متسائلاً عن "أي ملاحظات تلقتها البعثة".
وأكدت مصادر مقربة من حكومة "الوفاق" لـ"العربي الجديد" أن الحكومة تتعرض لضغوط كبيرة من قبل دول كبرى لوقف عملياتها العسكرية، وتحديداً في سرت وأوباري لعلاقة الأولى بمنطقة الهلال النفطي والثانية بحقلي الشرارة والفيل اللذين أقدمت مجموعات مسلحة على قفلهما مجدداً الإثنين الماضي بعد يومين من إعادة المؤسسة الوطنية للنفط تشغيلهما.
وأكدت المصادر أن ضغوطاً أميركية وأوروبية تقف وراءها عواصم عربية منها القاهرة تتجه لوقف العمليات العسكرية ولم تتحدث عن عودة للتفاوض السياسي، ولكنها تبحث عن تجميد الأوضاع العسكرية والحيلولة دون سيطرة "الوفاق" على سرت.
سقوط حفتر لا يعني سقوط مشروعه
ورغم وصول قوات "الوفاق" إلى تخوم سرت، إلا أنها توقفت فجأة عن التقدم وسط تراجع كبير لظهور قادتها في تصريحات للحديث عن مستجدات المعركة، ما يؤكد الأنباء بشأن وجود محاولات دولية لمنع قوات الحكومة من التقدم باتجاه المدينة والسيطرة عليها.
ويرى الناشط السياسي الليبي عقيلة الأطرش، أن "سقوط حفتر لا يعني سقوط مشروعه لارتباطه بدول إقليمية وأخرى دولية وكلها لن تسمح بانهيار أحلامها وطموحاتها التي أنفقت فيها لعدة سنين"، مشيرا إلى أن القاهرة هي أكثر الدول المعنية بترتيب الأوضاع في شرق ليبيا ويتطلب هذا وقف تقدم قوات "الوفاق" التي تقف وراءها تركيا الخصم اللدود لنظام السيسي.
ويلفت الأطرش في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن الخطر المحدق بالشرق الليبي في الوقت الحالي يتمثل في عدم توافق داعمي حفتر على بديل له، وربما عدم موافقة بعض الأطراف على استبعاده أصلا كدولة الإمارات، مؤكدا أن هذا ما تدركه عواصم كبرى دفعت بالأمم المتحدة إلى التدخل وإعادة المحادثات العسكرية للواجهة مجددا للحصول على وقت كافٍ لترتيب أوضاع الشرق الليبي لما بعد حفتر.
ويتساءل "لماذا لم يعترض أي طرف إقليمي أو دولي على تقدم قوات الحكومة في أربع مناطق باتجاه الجنوب وصولا إلى الشويرف أمس؟ مقابل حساسية شديدة من رغبة الحكومة في إعادة سيطرتها على سرت، ليعود الآن أكثر من أي وقت مضى الحديث عن عودة المفاوضات العسكرية".
وأكد أن الأمر مرتبط بإعادة البحث عن بديل لحفتر، وربما منع أي سيناريو انتقامي من حلفائه قد يلجأ إليه حفتر في شرق البلاد.