ضغوط إسرائيلية على أوقاف القدس: ما علاقة السعودية؟

23 يونيو 2020
يسعى الاحتلال لفرض واقع جديد في الأقصى (مصطفى الخروف/الأناضول)
+ الخط -
يثير التصعيد الإسرائيلي الأخير غير المسبوق في المسجد الأقصى وانتزاع الاحتلال مزيداً من صلاحيات الأوقاف الإسلامية في إدارة شؤون المسجد، مخاوف وتوقعات بأن الاحتلال يسعى للضغط على الأردن للقبول بإحداث تغييرات جذرية في مجلس الأوقاف الإسلامية، بإضافة عناصر مؤيدة للسعودية فيه، علماً بأن المجلس الحالي وخصوصاً دائرة الأوقاف العامة، كانت حتى اللحظة تُدار بالكامل من وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الأردنية، وكل ما يتعلق بالتعيينات والتعديلات في هذا المجلس يصدر عن الأردن، الذي كان قد حصل على ضوء أخضر من الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالولاية والوصاية الكاملة على المسجد الأقصى وإدارة كافة شؤون المقدسات في القدس المحتلة.

وأكدت مصادر من دائرة الأوقاف الإسلامية لـ"العربي الجديد"، أن الاحتلال يحاول أن ينوب عن السعودية في محاولاته فرض وقائع جديدة في المسجد الأقصى تلتقي مع مصالح الطرفين في تقليص صلاحيات الأردن على الأوقاف الإسلامية في القدس وعلى المسجد الأقصى الذي يتعرض لهجمة كبيرة من التصعيد والاستهداف الإسرائيلي، سواء من قبل جماعات التطرف اليهودية التي تريد أن تضع موطئ قدم لها هناك، أو من قبل المستويين السياسي والتنفيذي في دولة الاحتلال اللذين يوفران الغطاء السياسي والقانوني وحتى الحماية لمجموعات التطرف اليهودية التي كثفت من اقتحاماتها كمّاً ونوعاً. يأتي ذلك مع تصعيد استهداف رموز دينية، كما حدث مع خطيب المسجد الأقصى ورئيس الهيئة الإسلامية العليا في مدينة القدس الشيخ عكرمة صبري، وما يحدث يومياً مع الحراس وموظفي الأوقاف والمرابطين من إبعادات بالجملة، طاولت منذ مطلع العام الحالي أكثر من 150 شخصاً.

وشملت محاولات تقليص دور دائرة الأوقاف الإسلامية أيضاً سحب صلاحيتها المتعلقة ببرنامج السياحة الأجنبية للأقصى، إذ باتت حصرياً بيد الاحتلال الذي يحدد مواعيد السياحة وأعداد المشاركين فيها من أجانب من دون أي تنسيق مع الأوقاف، كما جرّدها من صلاحياتها المتعلقة بأعمال الترميم داخل المسجد وفي منشآته المختلفة، وفرض رقابة مشددة عليها، بل تجاوز هذه الرقابة إلى اعتقال مسؤولي لجان الإعمار وفنييها. كما جعل مرافقة كبار الضيوف الأجانب والعرب وإعداد برامج زياراتهم من مهام شرطة الاحتلال، وحدد أعمار المسموح لهم بالصلاة ومواقيت دخولهم للصلاة. كما انتزع الاحتلال برنامج الحماية والحراسة للمسجد من وحدات الحراسة التابعة للدائرة ليضعها بمتناول قيادة شرطته التي اتخذت مقرات لها في منشآت داخل ساحات الأقصى، وأنشأ لهذا الغرض شبكة مراقبة متطورة على كل أسطح البنايات المطلة على المسجد.

وأشارت المصادر ذاتها، إلى أن البُعد الآخر لمحاولات استهداف النفوذ الأردني على المسجد الأقصى يتمثل في الضغط الاقتصادي الممارس على المملكة الأردنية والتي تعاني من أوضاع اقتصادية متردية، وهنا تأتي العروض السعودية بمساعدة الأردن اقتصادياً، لكن هذه المرة من بوابة فرض حضور سعودي على إدارة الأقصى من خلال تعيين أعضاء في مجلس الأوقاف محسوبين على السعودية أو موالين لها. لكن المصادر أكدت أن هذه المحاولات والضغوط يرفضها الأردن، مشيرة إلى محاولات سعودية سابقة بالتدخل في شؤون المسجد الأقصى من بوابة المساهمة المالية في ترميم مسجد الصخرة المشرفة وقبته كانت قد رُفضت، وكان موقف عمّان حينها أن أي مساعدات أو مساهمات مالية من أي دولة عربية أو إسلامية يجب أن تتم من خلال القناة الرسمية الأردنية، ولا اعتراض على أي مبادرات من هذا القبيل.

وتعليقاً على ذلك، استبعد القيادي في حركة "فتح"، عضو مجلس الأوقاف، حاتم عبد القادر، في حديث لـ"العربي الجديد"، رضوخ الأردن لأي محاولات تنتقص من وصايته على المسجد الأقصى وكافة المقدسات في القدس، وهي وصاية اعترف بها الفلسطينيون ممثلة بقياداتهم السياسية. وقال عبد القادر إن "محاولات جرت في السابق للانتقاص من هذه السيادة الحصرية للأردن على الأقصى من خلال محاولات أفراد تشكيل وفد مقدسي إسلامي مسيحي للتوجه إلى السعودية قبل عامين لمبايعة الأمير محمد بن سلمان في سياق التوجه السعودي لإشراف ولو كان جزئيا على شؤون الأقصى، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل وتم إحباطها في حينه". وأضاف: "يبدو أن الإسرائيليين باتوا يقومون بأدوار نيابة عن بعض العرب، لكن هذه المحاولات لن تنجح أبداً، مهما مورس من ضغوط على الأوقاف في القدس واستهداف رموزها من قبل الاحتلال، أو من خلال ممارسة الابتزاز الاقتصادي للمملكة الأردنية القادرة على مواجهة هذه التطورات والتصدي لها".

من جهته، حذر الشيخ عكرمة صبري، في حديث لـ"العربي الجديد"، من المحاولات الإسرائيلية المستمرة للسيطرة على المسجد الأقصى وفرض وقائع جديدة في المكان، بما يهدد ما تبقّى من صلاحيات للأوقاف الإسلامية على المكان، ويمنح موطئ قدم للمستوطنين هناك. وأكد صبري أن الاستهداف الممنهج للمصلين والمرابطين في محيط المصلى المرواني، ومسلسل الاعتداءات والاعتقالات التي شهدناها أخيراً ضد المرابطات، يؤشران إلى ما تضمره سلطات الاحتلال من نوايا وما تخطط له من مؤامرات للسيطرة على كامل المنطقة الشرقية من المسجد الأقصى حيث مصلى باب الرحمة، وهي ممارسات باتت تُفقد الأوقاف عملياً سيطرتها على تلك المنطقة. وأعرب عن خشيته من "أن ينجحوا في مخططهم الخبيث هذا، وإن نجحوا فإن الخطر داهم على المسجد الأقصى برمته، فالموقف جدّ خطير، وقد تجاوز الأقصى مرحلة الخطر السابقة إلى مرحلة أشد خطورة، وما نراه اليوم هو أن الاحتلال بات فعلياً هو المسيطر بقوته البوليسية على الأقصى".

وكان صبري قد قال في بيان له إن الاحتلال كان يخطط لتحويل باب الرحمة إلى كنيس يهودي، لكن إعادة فتحه قطعت الطريق على ذلك، وهو ما دفع الاحتلال لإبعاده شخصياً عن الأقصى، مع عشرات المرابطين الذين أصروا على إبقاء مصلى باب الرحمة مفتوحا للمسلمين.

وفي السياق، لفت المحلل السياسي والإعلامي المقدسي راسم عبيدات، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن محاولات السعودية لإيجاد موطئ قدم لها في القدس، وفي مجلس الأوقاف، لم تتوقف، وهي تأتي في سياق التطبيع العلني مع دولة الاحتلال، وتتواكب مع ضغوط على الأردن. وتابع: "نحن ندرك أن صفقة القرن الأميركية، لا تطاول القضية الفلسطينية فقط، بل تتعدى ذلك إلى كامل المنطقة العربية، والتطبيع العلني والشرعي بين دولة الاحتلال والنظام الرسمي العربي، والسعودية هي جزء من النظام الرسمي العربي الموافق على صفقة القرن، ولذلك لا بد من مكافأة السعودية على دورها، وشهدنا منذ مارس/آذار 2018 محاولات سعودية لترتيب سفر وفد مقدسي ديني إسلامي- مسيحي للقاء ولي العهد السعودي، لجس نبضهم في إمكانية المشاركة السعودية في الوصاية على الأقصى، ولكن الأردن أجهض هذه المحاولة بالتنسيق مع الطرف الفلسطيني".

ورأى أنه "مع رفض الأردن خطة ضم الضفة والأغوار، تُمارس ضغوط كبيرة عليه بالتهديد بنزع الوصاية، والخنق الاقتصادي والمالي وغيرها من العقوبات، والمسألة ليست فقط في تعيين شخصيات محسوبة أو قريبة من السعودية في مجلس الأوقاف، بل شراكة في الوصاية مع عدة أطراف منها الأردن، وربما تضاف إليهم تركيا ومصر وإسرائيل ودول أخرى".
ولا يعتقد عبيدات أن قيادة السلطة الفلسطينية "لزّمت" موضوع الأقصى للأردن وسحبت يدها منه، وكأنه لم يعد شأناً فلسطينياً، لأن اتفاق أوسلو أحال القدس إلى المرحلة النهائية، والسلطة لا تمتلك أي سيادة أو سيطرة على القدس، والأردن كان مسؤولاً عن المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس قبل الاحتلال، والوصاية الأردنية حتى الآن امتداد لذلك.

ووفق عبيدات، فعلى ضوء مخططات الضم، هناك محاولات إسرائيلية وأميركية لتغيير الوضع القائم في الأقصى، إذ إن إسرائيل تتحدث عن أن لا سيادة في القدس إلا السيادة الإسرائيلية، ولكون الأردن تطاوله تداعيات الضم مباشرة، وفي ظل موقفه الرافض لعملية الضم، والتهديد باتخاذ إجراءات وبمراجعة العديد من الاتفاقيات مع إسرائيل مثل اتفاقيتي الغاز والمياه وسحب السفراء ووقف التنسيق الأمني والتعاون العسكري والاستخباري، فإن إسرائيل تقول إن هذا الموقف الأردني يعني سحب الوصاية الأردنية عن الأقصى. وتابع: "لا أعتقد أن الأردن سيتخلى عن الوصاية، وهو يدرك تماماً أن خسارته للوصاية ستعني خسارته للقدس ودوره فيها، وبالنسبة لموقفنا الفلسطيني فمن الضروري أن يتم تدعيم ومساندة الموقف الأردني، لأن نزع الوصاية الأردنية يعني تدويل قضية الإشراف على الأقصى، فتكون إسرائيل جزءاً من هذا الإشراف والوصاية، واعتبار الأقصى ليس مكاناً مقدساً حصرياً للمسلمين دون غيرهم من أتباع الديانات الأخرى".

يذكر أن اتفاق الرئيس عباس والملك عبد الله الثاني حول الوصاية الأردنية على المقدسات في القدس والمسجد الأقصى وُقّع في عمّان بتاريخ 31 مارس/آذار 2013، وجاء في مقدمته "أن رعاية المملكة الأردنية الهاشمية المستمرة للأماكن المقدسة تجعله أقدر على العمل للدفاع عن المقدسات الإسلامية وصيانة المسجد الأقصى". وتضمّن البند الأول من المادة الثانية في هذه الاتفاقية أن الوصاية الأردنية على الأماكن المقدسة في القدس تهدف إلى احترام المكانة الدينية للمقدسات في القدس والمحافظة عليها وتأكيد الهوية الإسلامية الصحيحة، واحترام أهميتها التاريخية والثقافية والمعمارية وكيانها المادي، بما يشمل متابعة مصالح الأماكن المقدسة وقضاياها في المحافل الدولية ولدى المنظمات الدولية المختصة والإشراف على مؤسسة الوقف في القدس وممتلكاتها وإداراتها وفقاً لقوانين المملكة الأردنية الهاشمية. أما البند الثالث من المادة الثانية فينص على اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية بدور ملك الأردن، والتزامهما باحترام هذا الدور.

وقال عبد القادر، لـ"العربي الجديد"، إن "موافقة القيادة الفلسطينية على منح الأردن اعترافاً بالوصاية والولاية على المسجد الأقصى كانت لقناعتها بأهمية الدور الأردني في مواجهة الاستهداف الإسرائيلي للمقدسات، وهي الدولة العربية الوحيدة التي بمقدورها القيام بهذا الدور بسبب صلة الأردنيين الوثيقة بالمسجد الأقصى وإدارتهم لشؤونه قبل العام 1967، واستمرار هذا الدور حتى اليوم من خلال دائرة الأوقاف الإسلامية ومجلس الأوقاف والهيئة الإسلامية العليا، وهي مؤسسات ذات وزن كبير وأدت على مدى العقود الماضية دوراً مهماً في الحافظ على المقدسات الإسلامية وفي مقدمتها المسجد الأقصى".
المساهمون