03 يوليو 2019
ضغائن شخصية
مثل من يحاول إهانة صقر طائر في السماء بالبصاق إلى أعلى، يتصرّف نفر من الكتاب، أو قل الكتبة، عندما يتحرّشون بقامات وطنية أو فكرية أو إعلامية عالية، فيكتبون ما يسيء إلى أحدها، تحت كليشيهات حق الاختلاف السياسي والمهني المشروع، ليعكسوا، من غير قصد، مشاعر غيرة، أو حسد شخصي، تثير الشفقة، لا بل يمكن تفهمها، وتبريرها إن شئتم، لاسيما حين تصدر عمّن يكون لديه شذرات موهبةٍ ما، فيظنها كافيةً لجدارته بمواقع تبوأها آخرون، لا لشيء سوى أنهم، في ظنه، أكثر حظاً منه.
صار هؤلاء كثيرين في الواقع، وتجدهم على صفحات وسائل الإعلام الإلكترونية، كما على صفحات الصحف والمجلات، يكتبون أحياناً نوعاً من الخواطر البسيطة، أو شيئاً يشبه التحليل السياسي، ليعلنوا انتماءهم إلى عالم الكتابة أو الإبداع، أو حتى الفكر في بعض الأحيان، ثم لا يلبث أحدهم، أمام انعدام الصدى وغياب الأثر لما كتب، أن يفرغ هرمونات الفشل والخيبة المتدفقة تحت جلده، بكتابة نصّ كيدي متوتر، يهاجم كاتباً أو مبدعاً أو مفكراً من ذوي التأثير البالغ في مواقف الناس، وفي الحراك الاجتماعي والسياسي الذي تشهده المنطقة العربية.
انتبهوا إليَ أيها الناس؛ ها أنا أهاجم فلاناً الذي تثير نتاجاته إعجابكم، وتفتنكم مواقفه، وتستلهمون أفكاره. ها أنا أضع رأسي برأسه، دليلاً على أني لست أقلّ منه شأناً، يقول صاحبنا، بين سطور ما يدبج من نصوصٍ قد تبدو في ظاهرها نقاشاً سياسياً، ولولا كلماتٌ لا إرادية تفلت منه هنا وهناك، موحية بضغينةٍ شخصية، لظن القارئ أنه أمام وجهة نظر تستحق الاختلاف معها أو الاتفاق.
سأتجنب الآن هنا بالطبع ذكر أي اسمٍ من أسماء هؤلاء، حتى لا أمنح أياً منهم فرصة رفع عدد قرائه إلى أكثر من بضع عشرات، أو بضع مئات في أحسن الأحوال، لكني لا أجد مناصاً من الإشارة، مثلاً، إلى أن بعضهم يستميت في انتزاع لقب مفكر أو مفكر عربي، من وسائل الإعلام، ويظن أن أقصر الطرق إلى هذا الهدف هي الهجوم على الدكتور عزمي بشارة، والإساءة إليه، والتشهير به، لا الموهبة أو البحث العلمي، أو إبداع الأفكار، ومثلهم من لا يجد طريقاً لنيل الاعتراف به كاتباً سياسياً، أو ناقداً فنياً، أو خبيراً إعلامياً، سوى التحرّش بكُتَاب وأدباء وإعلاميين من الذين استطاعوا أن يحفروا مكانتهم لدى الرأي العام في العالم العربي، بإبداعهم وجهدهم وإخلاصهم لقضاياهم القومية والوطنية والإنسانية.
ما يثير الحزن أكثر في هذه الظاهرة أنها تُعبر عن نفسها، في بعض الأحيان، على شكل طعنةٍ تأتيك من الخلف، لا من الأمام. أنت يمكنك أن تتفهم لماذا يشتمك الواقفون مع طاغية سورية بشار الأسد، ولا يتركون فرصةً تمر من دون محاولة تخوينك، لكنك ستقف مشدوهاً حين يهاجمك أحد الواقفين مع ضحيةٍ وقفت معها مثله، متحجّجاً بذرائع مهنية، لا علاقة لها بالمهنة، وتنطوي على جهلٍ إعلامي فاضح، بل هي أوهى من أن تخفي حنقاً شخصياً يتأتّى، على الأرجح، من الفرق بين خانة العشرات وخانة الملايين في عدد المتلقين لما يكتب، بالمقارنة مع تكتب.
ثمّة أيضاً نقطة أخرى، أو أخيرة، في السياق نفسه، تحتاج ربما، مع سابقتها، إلى دراساتٍ سيكولوجيةٍ وسيسولوجيةٍ لتفسيرها، وهي انتماء معظم من يحاولون اغتيالك بالكلمات إلى بني جلدتك. انظر حولك، إن كنت أديباً أو فنانا أو كاتباً، لترى كثرة من يقدّرون إنتاجك في أوساط زملائك العرب، مقابل كثرة المشكّكين به بين أبناء وطنك. ومن تجربةٍ شخصية، دعوني أصرّح بأن أول ما أسأل عنه حين يخبرني أحد ما بأن فلاناً كتب مقالةً يهاجمني فيها، هو من يكون وما جنسيته، لأكتشف، في أغلب الحالات، صدق حدسي بأنه، للأسف، من طينة بلادي.
صار هؤلاء كثيرين في الواقع، وتجدهم على صفحات وسائل الإعلام الإلكترونية، كما على صفحات الصحف والمجلات، يكتبون أحياناً نوعاً من الخواطر البسيطة، أو شيئاً يشبه التحليل السياسي، ليعلنوا انتماءهم إلى عالم الكتابة أو الإبداع، أو حتى الفكر في بعض الأحيان، ثم لا يلبث أحدهم، أمام انعدام الصدى وغياب الأثر لما كتب، أن يفرغ هرمونات الفشل والخيبة المتدفقة تحت جلده، بكتابة نصّ كيدي متوتر، يهاجم كاتباً أو مبدعاً أو مفكراً من ذوي التأثير البالغ في مواقف الناس، وفي الحراك الاجتماعي والسياسي الذي تشهده المنطقة العربية.
انتبهوا إليَ أيها الناس؛ ها أنا أهاجم فلاناً الذي تثير نتاجاته إعجابكم، وتفتنكم مواقفه، وتستلهمون أفكاره. ها أنا أضع رأسي برأسه، دليلاً على أني لست أقلّ منه شأناً، يقول صاحبنا، بين سطور ما يدبج من نصوصٍ قد تبدو في ظاهرها نقاشاً سياسياً، ولولا كلماتٌ لا إرادية تفلت منه هنا وهناك، موحية بضغينةٍ شخصية، لظن القارئ أنه أمام وجهة نظر تستحق الاختلاف معها أو الاتفاق.
سأتجنب الآن هنا بالطبع ذكر أي اسمٍ من أسماء هؤلاء، حتى لا أمنح أياً منهم فرصة رفع عدد قرائه إلى أكثر من بضع عشرات، أو بضع مئات في أحسن الأحوال، لكني لا أجد مناصاً من الإشارة، مثلاً، إلى أن بعضهم يستميت في انتزاع لقب مفكر أو مفكر عربي، من وسائل الإعلام، ويظن أن أقصر الطرق إلى هذا الهدف هي الهجوم على الدكتور عزمي بشارة، والإساءة إليه، والتشهير به، لا الموهبة أو البحث العلمي، أو إبداع الأفكار، ومثلهم من لا يجد طريقاً لنيل الاعتراف به كاتباً سياسياً، أو ناقداً فنياً، أو خبيراً إعلامياً، سوى التحرّش بكُتَاب وأدباء وإعلاميين من الذين استطاعوا أن يحفروا مكانتهم لدى الرأي العام في العالم العربي، بإبداعهم وجهدهم وإخلاصهم لقضاياهم القومية والوطنية والإنسانية.
ما يثير الحزن أكثر في هذه الظاهرة أنها تُعبر عن نفسها، في بعض الأحيان، على شكل طعنةٍ تأتيك من الخلف، لا من الأمام. أنت يمكنك أن تتفهم لماذا يشتمك الواقفون مع طاغية سورية بشار الأسد، ولا يتركون فرصةً تمر من دون محاولة تخوينك، لكنك ستقف مشدوهاً حين يهاجمك أحد الواقفين مع ضحيةٍ وقفت معها مثله، متحجّجاً بذرائع مهنية، لا علاقة لها بالمهنة، وتنطوي على جهلٍ إعلامي فاضح، بل هي أوهى من أن تخفي حنقاً شخصياً يتأتّى، على الأرجح، من الفرق بين خانة العشرات وخانة الملايين في عدد المتلقين لما يكتب، بالمقارنة مع تكتب.
ثمّة أيضاً نقطة أخرى، أو أخيرة، في السياق نفسه، تحتاج ربما، مع سابقتها، إلى دراساتٍ سيكولوجيةٍ وسيسولوجيةٍ لتفسيرها، وهي انتماء معظم من يحاولون اغتيالك بالكلمات إلى بني جلدتك. انظر حولك، إن كنت أديباً أو فنانا أو كاتباً، لترى كثرة من يقدّرون إنتاجك في أوساط زملائك العرب، مقابل كثرة المشكّكين به بين أبناء وطنك. ومن تجربةٍ شخصية، دعوني أصرّح بأن أول ما أسأل عنه حين يخبرني أحد ما بأن فلاناً كتب مقالةً يهاجمني فيها، هو من يكون وما جنسيته، لأكتشف، في أغلب الحالات، صدق حدسي بأنه، للأسف، من طينة بلادي.