يواجه مشروع استصلاح 1.5 مليون فدان الذي أطلق في مصر مؤخراً، عدداً من العراقيل، أبرزها عدم توافر التمويل اللازم في ظل أزمة مالية تعاني منها البلاد، بالإضافة إلى تفاقم ظاهرة التعديات على الأراضي المستهدف إصلاحها، وتفاقم الفقر المائي.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قد دشّن المشروع، نهاية الشهر الماضي، انطلاقاً من واحة الفرافرة (غرب)، وأكد خبراء لـ"العربي الجديد" أن عدم وجود دراسة جدوى فنية ومالية، أدى إلى ظهور مصاعب مع بداية تنفيذ المشروع.
وفي هذا السياق، يقول أستاذ الاقتصاد الزراعي، يحي متولي، إن أبرز العقبات التي تواجه تنفيذ المشروع حسب البرنامج المعلن، هي عدم وجود تمويل كافٍ له في ظل الوضع الاقتصادي المتأزم الذي تمر به البلاد.
وأضاف متولي، أن تكلفة استصلاح الفدان الواحد قد تصل إلى 50 ألف جنيه (6.4 آلاف دولار)، ما يعني أن إجمالي مصاريف الاستصلاح فقط قد تصل إلى 8 مليارات جنيه (1.3 مليار دولار)، بخلاف تكلفة البنية الأساسية من عمل الطرق والصرف الصحي والمساكن، والتي قد تصل إلى إجمالي حوالي 90 مليار جنيه (11.5 مليار دولار).
وأشار إلى أن الدولة ستتحمل تكلفة استصلاح أراضي الشباب مجاناً، حيث خصص لهم نسبة 20% من المشروع، بينما سيتحمل المستثمرون تكلفة استصلاح الفدان والبنية الأساسية كاملة مقابل تخفيض ثمن الفدان، أو في حالة تحمل الدولة للبنية الأساسية فإنها ستزيد من سعر الفدان على المستثمر، حيث سيصل في هذه الحالة إلى 150 ألف جنيه (19.1 ألف دولار) للفدان.
وأوضح متولي أن مشروعات استصلاح الأراضي تتطلب نفقات هائلة لمدة خمس سنوات ثم يبدأ العائد بطيئاً بعد ذلك، وهي مشروعات قليلة الربحية، في حين أن الاقتصاد المصري في أدنى حالاته ويتطلب إنعاشاً سريعاً، لذلك كان الاتجاه إلى المشروعات الصناعية الأعلى ربحية أفضل في هذا التوقيت.
وتعاني مصر من أزمة مالية خانقة، دفعتها إلى اللجوء إلى الاقتراض المحلي والدولي، رغم حصول الحكومة على أكثر من 40 مليار دولار مساعدات ومنحاً وودائع خلال الفترة التي أعقبت الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز عام 2013، والذي أطاح بمحمد مرسي أول رئيس منتخب بعد ثورة يناير 2011.
وارتفع عجز الموازنة إلى نحو 96.7 مليار جنيه (12.5 مليار دولار) خلال الفترة ما بين يوليو/تموز إلى أكتوبر/تشرين الأول الماضيين من العام المالي الجاري، 2015 /2016، بزيادة بلغت 3.3% مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، حسب إحصاءات رسمية.
وأكد متولي على عدم جاهزية مساحات أراضٍ كافية لاستصلاح المساحة التي يستهدفها المشروع، بخلاف أن أغلب المساحات التي أعلنت عنها وزارة الزراعة للمشروع متعدٍ عليها ومن الصعب التفاوض مع المتعدين.
وكان الرئيس المخلوع حسني مبارك قد أطلق مشروع استصلاح مليون فدان إلا أنه تعثر، قبل أن يطوره السيسي ويضيف إليه نصف مليون فدان، حيث تم ضم مساحات جديدة على المشروع القديم في 12 منطقة، منها 60 ألف فدان بمنطقة الفرافرة القديمة، و90 ألف فدان بمنطقة الفرافرة الجديدة، و50 ألف فدان بمنطقة امتداد الداخلة، و50 ألف فدان بمنطقة شرق العوينات.
اقرأ أيضاً: مصر: مشروع المليون ونصف فدان مستحيل
وقال خبير الزراعة والمياه، نادر نور الدين، لـ"العربي الجديد"، إن هذا المشروع لن يكتمل، نظرا لدخول مصر مرحلة الفقر المائي بعد إنشاء سد النهضة الإثيوبي، واعتماد مصر على المياه الجوفية بنسبة 100%، ما يعتبر أمرا شبه مستحيل، حيث إن الخزان الجوفي المصري لا يحتمل الاعتماد عليه بتلك النسبة، لافتا إلى أن الحكومة أعلنت أنه سيتم حفر نحو 200 بئر في توشكى لري 150 ألف فدان بأعماق من ألف إلى 1200 متر، لافتاً إلى أنها أعماق كبيرة وتكلفتها مرتفعة جدا.
وأضاف: "إننا لا نمتلك الآن إلا 55.5 مليار متر مكعب بالإضافة إلى 5 مليارات مياه جوفية فقط"، وبذلك "أي توسع زراعي يحتاج إلى تدبير موارد مائية أولا، أو شراء وحدات معالجة متقدمة لمياه الصرف الزراعي والصرف الصحي والصناعي"، لافتا إلى أن الاعتماد على المياه الجوفية فقط يعتبر كارثة، نظرا لأن معظم هذه المياه غير متجددة، وبالتالي تهدد استمرارية الزراعة.
وتعثرت المفاوضات الحكومة المصرية مع إثيوبيا حول تفاصيل بناء سد النهضة، وكانت القاهرة قد أكدت عدم نجاحها في إقناع أديس أبابا بزيادة عدد الثغرات المائية من 2 إلى 4، والتي تقوم بتمرير المياه للجانبين المصري والسوداني من سدّ النهضة الإثيوبي، في محاولة لتقليل الأضرار الناجمة عن السد.
وكانت مفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان جرت في الأسبوع قبل الماضي على مستوى عدد من الفنيين المصريين في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا. واستكملت إثيوبيا أكثر من 60% من جسم سد النهضة، ولم تستجب إلى المطالب المصرية بضرورة العمل على ضمان حقوق مصر المائية في نهر النيل.
وأكد نور الدين أن وزيري الري والزراعة، ورطا الرئيس المصري في مشروع الاستصلاح "غير محدد المعالم" على حد وصفه، خاصة أنه لا أحد يعرف شروط التعاقدات مع المستثمرين في تلك الأراضي، وهوية من سيحصل على الأرض، وهل له حق التوريث أو التنازل عنه.
وقال إن السؤال الأصعب من أين ستأتي الحكومة بالتمويل، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها مصر الآن؟
وأشار إلى أن أغلب أراضي المشروعات هي أراضٍ قديمة، سبق الإعلان عنها، بالإضافة إلى أن المسؤولين يريدون ضم 3500 فدان تابعة إلى مشروع قرية الأمل بالإسماعيلية، فضلا عن أن المشروع يضم أراضي مستصلحة فعليا تم نزع ملكيتها من أصحابها.
وفي المقابل، قال رئيس مجلس الإدارة لجهاز تحسين الأراضي، محمد عبد التواب، لـ"العربي الجديد"، إنه تم تحديد سعر للفدان بالأراضي الزراعية يبلغ 33 ألف جنيه (4.2 آلاف دولار) بشكل مبدئي، مضيفاً أنه سيتم إضافة ثمن البيت الريفي أو المسكن على سعر الفدان بفائدة 6% فقط، وقد يصل سعره للمستثمرين إلى 150 ألف جنيه في حالة تحمل الدولة البنية الأساسية، ولكنه لم يتم حتى الآن تحديد سقف سعري للمنازل التي تم بناؤها بمنطقة الفرافرة.
وأضاف رئيس تحسين الأراضي، أن كراسة الشروط لمشروع المليون ونصف المليون فدان تضمنت توزيع نسبة 20% للشباب المصريين، بحق التملك للأراضي، وتوزيع نسبة 80% للمستثمرين العرب والأجانب بنظام حق الانتفاع لمدة 30 عاما بدلا من 49 عاما، ويجوز التجديد لهم في حالة إثبات الجدية في الزراعة، لافتاً إلى أن الشروط تضمنت أيضا جواز سحب الأراضي من المنتفعين في حالة الإهمال وعدم ثبوت جدية الزراعة والالتزام بالخطط المحصولية.
اقرأ أيضاً:
"معديات الموت" في نيل مصر عرض مستمر
"مليون ونصف فدان" فريضة دينية جديدة في مصر