في زمن قياسي، أقر مجلس النواب الأردني موازنة 2018، التي يصفها كثيرون بأنها "موازنة جباية"، وتصفها الحكومة بأنها موازنة على طريق الاعتماد على الذات، حيث ألحقتها بحزمة من الإجراءات المتعلقة برفع ضرائب المبيعات على مجموعة كبيرة من المواد والسلع التي تؤثر بشكل مباشر على الطبقتين الفقيرة والمتوسطة.
وخلال اللقاء الأخير للملك عبدالله الثاني مع نواب البرلمان، أشار إلى التحديات الاقتصادية التي تواجه المملكة، من فقر وبطالة، وتشديده على ضرورة حماية الطبقتين المتوسطة والفقيرة.
كما أشار إلى أن النواب سيقع على عاتقهم، في الفترة المُقبلة، النظر في قانون ضريبة الدخل، والذي يجب أن يراعي التطلعات الشعبية، ويعكس الشعارات الحكومية بالاعتماد على الذات، ودعم الطبقات الأقل حظاً.
هنالك استياء كبير بين أبناء الطبقات الشعبية من الأردنيين، بعد رفع الدعم عن الخبز، ورفع ضريبة المبيعات على السلع والمواد المختلفة، التي ستتسبب في موجة غلاء وارتفاع معدلات التضخم.
وذات الطبقات المُستاءة يتعاظم لديها الشعور بالغبن نتيجة للإحساس بغياب العدالة الاجتماعية، وعدم عدالة توزيع الثروة. أيضاً هناك مشاكل ارتفاع معدلات البطالة بين أبناء هذه الطبقات، وعدم تكافؤ الفرص في الحصول على التعليم والرعاية الصحية، وارتفاع مخاطر الوقوع في الفقر المُدقع، نتيجة لتركّز هذه الطبقات فوق خط الفقر مباشرة.
الخطير في مسألة غياب العدالة الاجتماعية أنها كانت الدافع الأول والرئيسي لإشعال شرارة ثورات الربيع العربي، والاحتجاجات في الأردن قبل 7 أعوام. وإذا لم تُعالج هذه المسألة، فإن القادم قد يكون خطيراً، لا سيما بعد عودة الاحتجاجات الشعبية، في الآونة الأخيرة، في تونس، ونشوب تظاهرات أُخرى في السودان والمغرب وإيران، نتيجة الأوضاع الاقتصادية التي لا تقل صعوبةً عمّا هي عليه في الأردن.
فواتير الفشل الحكومي
في الآونة الأخيرة، أصبحت الضرائب تعني للكثير من الأردنيين التغوّل على جيوبهم، وأن عليهم سداد فواتير الفشل الحكومي المتراكم في إدارة الاقتصاد والمالية العامة، بلا أي مُقابل يحصلون عليه من الدولة. لكن ما لا ينظر له عموم الناس أن الضرائب من شأنها أن تكون أداة لإعادة توزيع الثروة والدخل في المجتمع، ودعم الطبقات الأقل حظاً، من خلال صرف المتأتي من هذه الضرائب على البنية التحتية والتعليم والصحة.
تعتبر الضرائب في أدبيات الاقتصاد السياسي نقطة التقاء حيوية بين المواطن والدولة، كما أنها تساهم في تحديد العلاقة بين المواطن والدولة من حيث المعاملة وتقاسم الأعباء والفرص الاقتصادية. لذلك يجدر بمؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية سن قانون ضريبة دخل، من شأنه أن يعيد رسم هذه العلاقة، بما ينعكس إيجاباً على طرفي المعادلة، بحيث يحقق العدالة الاجتماعية للمواطنين، ويحقق ايرادات لخزينة الدولة، بما يؤدي إلى تجاوز أي أزمات أو مخاطر سياسية ناجمة عن الأزمة الاقتصادية، ويعيد ثقة المواطنين في الحكومة.
تأتي أهمية ضريبة الدخل في الأردن اليوم من أنها الأداة الرئيسية وأفضل الطرق لمعالجة عدم المساواة في الدخل، وإعادة توزيع الثروة، لأنها تأخذ في الاعتبار القدرة المعيشية للأسر على الدفع. وأيضاً تُعتبر ضريبة الدخل حلاً اقتصادياً أكثر عدالة من ضريبة المبيعات، نظراً لتناسبها مع الدخل، على العكس من ضريبة المبيعات.
انطلاقاً من هذه الحقائق، فإن الأردن بحاجة إلى قانون ضريبة دخل أكثر تصاعدية، والذي يُخضع نسباً أعلى من الضريبة لذوي الدخل المُرتفع، فيما يخفض نسب الضريبة على ذوي الدخل المنخفض.
مقترحات البنك الدولي
كطريقة لإعادة توزيع الثروة وتحصيل إيرادات ضريبية أعلى، يطرح البنك الدولي، في ورقة بحثية صادرة عنه في عام 2015، حول النُظم الضريبية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فكرة استحداث ضريبة على الممتلكات والمدخرات، والتي غالباً ما تشكل جزءاً كبيراً من الثروة في المجتمع، وذلك بالتوازي مع حماية أصحاب الممتلكات من ذوي الدخل المُنخفض. حيث إن فرض ضريبة على الممتلكات من شأنه إعادة توزيع الثروة في المجتمع، من خلال تحصيل الضرائب المفروضة على الممتلكات التي تُشكل ثروات مرتفعة وإعادة توجيهها للخدمات (نقل، تعليم، صحة) التي تُحسن مستوى معيشة الطبقات المتوسطة والفقيرة.
كذلك الضريبة على المدخرات لا تؤدي إلى إعادة توزيع الثروة فحسب، وإنما تدفع الأردنيين إلى استثمار أموالهم المُجمدة، لا سيما أن مدخرات الأردنيين، أفراداً وشركات، في البنوك الأردنية تبلُغ حوالى 32 مليار دينار أردني.
أيضاً، يطرح منتدى الاستراتيجيات الأردني، في إحدى ملاحظاته على قانون ضريبة الدخل لعام 2014، مسألة الضريبة على التركات (الميراث)، حيث إن هذه الضريبة مطبقة في عدة دول وتُعرف بضريبة الميراث (Death Tax). والتبرير الاقتصادي لإخضاع الميراث لضريبة الدخل يأتي من باب تقليص اللامساواة، حيث إن الميراث الذي يشكل قيما عالية من الثروة التي يحصل عليها بعض الأفراد في المجتمع تُبقي على مُستوى اللامساواة في المجتمع. وإخضاع الميراث لهذه الضريبة من شأنه أن يساعد على إعادة توزيع الثروة، ولكن مع إعفاء ذوي الدخل المحدود، ووضع حد أدنى للإعفاء من ضريبة الميراث.
من أحد الحُلول، والتي تعتبر من متطلبات صندوق النقد الدولي من الأردن، زيادة شريحة المكلفين ضريبياً، وفي هذا يجب أن تتجه الممارسة في تحصيل ضريبة الدخل في الأردن نحو الممارسات العالمية في قوانين ضريبة الدخل، حيث يشير منتدى الاستراتيجيات الأردني إلى أن الإعفاء الممنوح للفرد 12 ألف دينار، يعتبر من الأعلى في المنطقة، ويقترح المنتدى تخفيضه ليصل إلى 7500 دينار، بحيث يكون الحد الأعلى للإعفاء ضعفي خط الفقر، ويمكن للدولة إعادة النظر في هذا الإعفاء بناء على تقييمها لخط الفقر، وهذا من شأنه زيادة إيرادات الحكومة.
التهرب الضريبي
في ذات السياق، ازدادت، في الآونة الأخيرة، المطالبة بالتشديد على ضرورة محاربة التهرب الضريبي في الأردن، وزيادة الامتثال الضريبي. ولا أقلل من ضرورة التشريع وسيادة القانون في محاربة التهرب الضريبي.
لكن الحل الأمثل والأقل كُلفة على الدولة؛ يتمثل في زيادة العدالة الاجتماعية، من خلال إعادة توزيع الدخل عن طريق المالية العامة للدولة وقانون ضريبة الدخل، حيث تؤكد الأبحاث والدراسات في مجال الضرائب والمالية العامة على مفهوم الأخلاقية الضريبية (Tax Morality)، والتي تعني زيادة الامتثال الضريبي والابتعاد عن التهرب الضريبي، إذا أحس المواطنون بأثر الضرائب على الخدمات المُقدمة لهم من الدولة، وشعروا بقيامها بدورها في إعادة توزيع الدخل، كما تلعب الشفافية والرقابة على صرف أجهزة الدولة ومحاربة الفساد دوراً مهماً لحفز المواطنين على القيام بواجبهم في دفع الضرائب.
في الأردن نحتاج إلى قانون ضريبة دخل يحقق العدالة الاجتماعية، ويؤدي إلى حفظ حق المواطنين في الحصول على خدمات النقل والصحة والتعليم، وفي ذات الوقت يحقق النمو، ويساعد في معالجة أزمة المالية العامة للدولة.
قانون ضريبة الدخل القادم، إذا كان تصاعدياً وإصلاحياً سيتعرض لمحاولات عرقلة وحملات مُقاومة للإصلاح، سواء من أصحاب المصالح الخاصة المُتضاربة مع مصالح عامة الأردنيين أو جماعات الضغط الرأسمالية المُتنفذة في أجهزة الدولة، أو حتى من الموظفين الحكوميين المُنتفعين من الوضع القائم. لذلك، يتعيّن على الحكومة أولاً التواصل مع الفقراء ممن يفتقرون للسلطة السياسية، والتشاور معهم بشأن هذا القانون، لكسب ثقتهم في الحكومة، وتأييدهم لمثل هذا المشروع الإصلاحي.
كذلك، إذا قامت الحكومة بتعديل قانون ضريبة الدخل، بما يتوافق مع مصلحة المواطنين ويحقق العدالة الاجتماعية. ولتحقيق ذلك، عليها الالتزام بتوجيه هذه الإيرادات المُحصلة بما يصب في تحسين المستوى المعيشي للمواطنين، وذلك للمحافظة على استمرارية ما سيتم إصلاحه من قانون ضريبة الدخل، والمُضي قدماً في عملية الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي.