ضربة شمس

19 اغسطس 2015
+ الخط -

عندما كان يلهث، وهو يقود الدراجة النارية بأقصى سرعة، والكاميرا معلقة في رقبته، وحبيبته تمسك به من الخلف بقوة، كان وقتها فعلاً يقود مشواره الفني، حاملاً رسالته في محاربة الشر والجهل والتخلف، من خلال ما خطط له في أدواره المتتالية. ففي العام 1980 أنتج  نور الشريف فيلم "ضربة شمس"، وقام بدور البطل الذي يحارب الشر، وكانت صوره وقتها تطبع مع البطلات الجميلات اللواتي يرتدين فستان الزفاف الأبيض، على أغلفة بطاقات الدعوة للأفراح في غزة. وكنت أحتفظ بالبطاقة تحت وسادتي، وأحلم به فارساً لأحلامي، لأنه فقط البطل الباحث عن العدالة، وظل فارساً في السينما فعلاً، وهو يتنقل، حسب تقدمه في العمر، بين أدوار الحبيب والزوج والأب. وعلى الرغم من كل الانتقادات التي وجهت له، لأدائه دور الرجل المزواج في مسلسل الحاج متولي إلا أنه امتص غضب الزوجات، وأقنعهن بأنه الزوج المثالي لأربع زوجات، فكل اعترافات النساء اللواتي تابعن المسلسل تؤكد أنهن يتمنين زوجاً يهوى التعدد، بخفة دم الحاج متولي وحكمته وحنكته.

وفي مسيرة حياة الفنان الراحل الفنية، كان له موقف ليت كبار المسؤولين في كل المواقع يتبنونه تجاه الموهوبين المغمورين، ومنحهم الفرصة وعدم تهميشهم والتسلق على حسابهم وسرقة مجهوداتهم. كان موقف نور الشريف كذلك مع المخرج محمد خان الذي كان لا يزال في بداية مشواره الفني، باع كل ما يملك، وعاد من لندن إلى القاهرة، وقدم له قصة فيلم "ضربة شمس"، فوافق فوراً على إنتاج الفيلم بنفسه، والذي يعتبر علامة مميزة في مشوار الشريف، ويصنّف واحداً من أهم أفلام الحركة "الأكشن" في السينما المصرية، وهو عن مصور صحفي شاب، يبحث عن الحقيقة بنفسه، ويطارد عصابة خطيرة، ويفضحها ويكشف أمرها وأمر المتسترين عليها من أولي الأمر في الحكومة.

على الرغم من أن "ضربة شمس" كان مغامرة من الشريف، وبإمكانيات إنتاجية بسيطة، لأنه كان باكورة إنتاج منفرد له، وبمخرج مبتدئ وقتها، فإن الفيلم أحدث تغييراً في السينما المصرية التي كانت، غالباً، قبل إنتاج هذا الفيلم، تعتمد على التصوير داخل الأستوديوهات واللجوء إلى الخداع عند الحاجة لتصوير منظر طبيعي. لكن الفيلم صورت كل مشاهده في أماكنها الطبيعية، بتنسيق متقن وفريق عمل متعاون، كان ضمنه مدير تصوير الروائع، سعيد الشيمي. وحسبما صرح محمد خان، بعد وفاة نور الشريف، أنه لو استمر هذا الفريق في العمل، لأحدث تغييراً في حال السينما، والذي بات يعتمد على أفلام" الشللية"، حيث يتم تفصيل القصة حسب الأبطال، وليس العكس.

لنور الشريف، مثل نجوم الفن الجميل، ذكرياته في حياة الناس البسطاء، وقد أحببته أكثر بعد عرض مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي"، لأن أبي كان نادراً ما يشاهد التلفزيون، ولذلك، كان يحفظ أي مشهد من الدراما ولا ينساه، فلا يزال يتذكر الحاج عبد الغفور البرعي وقصة كفاحه، وبعد إصرار أمي أن يتابعه، ولأنها كانت تتذمر دوماً من أنه يخفي وجهه خلف كتاب في وقت فراغه، ولا يجالسنا أمام التلفزيون، ولا تزاحم يده أيدينا في طبق "الفشار" الذي يلازم متابعة المسلسلات عادة. وهكذا ظل هذا المسلسل عالقاً في ذهن أبي، وكلما مرت صورة نور الشريف، يهتف فرحاً بذاكرته المضيئة: أليس هذا الحاج البرعي؟ ولماذا غير لباسه الشعبي؟

 قال ذلك حين رآه في دور الحاج متولي، وضحكت أمي حتى بانت أسنانها المهشمة، لكنها رفضت أن يتابع معها المسلسل، بعد أن أصبحا وحيدين في البيت وتقدم بها العمر، وضحكتُ خفية، وأنا أعلم، كأنثى، السبب، فقد خافت أن يقلد والدي بطل مسلسله الأوحد، ويفكر بالزواج مثنى وثلاث ورباع.

 

 

 

 

 

سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.