ضربات التحالف الدولي على حلب: النظام السوري "المستفيد الأكبر"

10 أكتوبر 2014
تواجه المعارضة وضعاً حرجاً في حلب (زين الرفاعي/فرانس برس)
+ الخط -
تدل المؤشرات الميدانية في محافظة حلب على أن النظام السوري هو "الرابح الأكبر" من الغارات الجوية للتحالف الدولي على سورية، التي بدأت في الثالث والعشرين من الشهر الماضي بهدف القضاء على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) و"جبهة النصرة".

وعمد النظام السوري إلى تخفيف الضربات الجوية والبرية على مناطق المعارضة بهدف التقدم في ريف حلب الشمالي، عبر رسم إستراتيجية تتلخص في السيطرة على المناطق القريبة من المدينة الصناعية والسجن المركزي في المحافظة، وفك الحصار عن قريتي نبل والزهراء المحاصرتين من قبل المعارضة المسلحة، فضلاً عن قطع الطريق بين مدينة حلب وريفها، وفصل الريف الشمالي (معقل المعارضة) عن مدينة حلب. وهذه الأهداف التي يمضي لها النظام ستُغيّر من دون شك الموازين العسكرية لصالحه في حال كان له ما أراد.

وتنعكس إستراتيجيات التحالف الدولي في القضاء على "النصرة" و"داعش" في حلب بشكل إيجابي على قوات النظام، إذ تلقت الأولى منذ اليوم الأول غارات عدة على مواقعها، أدت إلى مقتل عشرين عنصراً من أفرادها في قصف استهدف منطقة المهندسين في ريف حلب الغربي، بينهم أبو يوسف التركي، أحد أشهر قناصة "النصرة".

وبحسب شهادة أحد مقاتليها لـ "العربي الجديد"، فإن أبا يوسف الشخصية الوحيدة التي لا يمكن تعويضها، حتى أن "داعش" قد عرض عليه منصباً كبيراً لينضم إليه، وعند رفضه حاول اغتياله في خمس مناسبات، لكنه أصر على انحيازه لزعيم "النصرة، أبو محمد الجولاني، علماً أنه كان قبل يومين من مقتله على خطوط المواجهة مع تنظيم "الدولة" شرق مارع في ريف حلب الشمالي.

ويلفت مراسل "شبكة شام"، أبو يزن الحلبي، لـ "العربي الجديد"، إلى أنه "لم يكن أحد يريد استهداف جبهة النصرة لكونها تفتح جبهات عدة مع النظام في حلب، فضلاً عن أن معظم مقاتليها من الأنصار (السوريين). ويشير إلى أن ضربات التحالف ضدها كانت ضارة، إذ إن الجبهة اضطرت إلى تبديل مواقعها بعد مقتل عدد مهم من عناصرها.

"داعش" نحو الأكراد بدل النظام

يسيطر تنظيم "داعش" على أجزاء واسعة من مناطق ريف حلب الشمالي والشرقي الممتدة باتجاه الرقة، والتي تعتبر معقل التنظيم في سورية. وفي ظل وجود مقرات ومواقع ثابتة تابعة له هناك، فإن التحالف شنّ عشرات الغارات، أسفرت عن قتل وجرح عشرات من عناصره.

وركّز التحالف الدولي على قصف أهداف تنظيم "الدولة الإسلامية" في أهم معاقله في الريف الشمالي، واستهدافه المنشآت النفطية لتجفيف مصادر تمويله والمناطق الغذائية بهدف تجويعه، على الرغم من أن الهدف الاقتصادي الأول لن يؤثر على التنظيم، إذ إن معظم ملكية المنشآت النفطية تعود للمدنيين.

وأدت هذه الضربات إلى ارتفاع أسعار المنشآت النفطية بين عشرين إلى ستين في المائة بالمناطق السورية، وإيقاف إمدادات النفط إلى المناطق "المحررة". وأما بالنسبة للهدف الثاني، المتمثل باستهداف صوامع الحبوب الواقعة قرب مدينة منبج في ريف حلب الشرقي، فقد أدى القصف إلى اشتعال حرائق كبيرة في خزانات الحبوب التي تحوي مخزون القمح الذي تعتمد عليه أفران ريف حلب الشرقي في تأمين الخبز للسكان.

على الرغم من ذلك كله، فإن "داعش" اضطر بفعل هذه الضربات إلى تغيير خططه من السيطرة على مطار "كويرس" العسكري الواقع في ريف حلب الشرقي، والذي يُعد الأكاديمية العسكرية الأكبر في الشرق الأوسط والقلعة الأكبر للنظام السوري في شمال البلاد، إلى وضع إستراتيجية مستعجلة لضمان السيطرة على المناطق التي تقع على الحدود السورية التركية.

ويأتي هذا التغيير بهدف صد هجوم كردي تركي محتمل، بعد الدعم الذي تلقاه الأكراد من الولايات المتحدة، ودخول تركيا إلى الحلف الدولي، وهو ما اتضح بعد تفويض البرلمان التركي لضرب "داعش" في سورية، ولا سيما أن التنظيم سيطر على معظم ريف عين العرب،
ويتجه إلى دخول المدينة خلال الأيام المقبلة، ما لم يتمكن التحالف الدولي من صده، الأمر الذي أبعد شبح "داعش" عن النظام، كما حصل سابقاً عند بدء الغارات على دير الزور، في الوقت الذي كان فيه التنظيم يستعد للسيطرة على المطار وطرد قوات النظام من المدينة.

إستراتيجية النظام

شعر النظام السوري بالارتياح في ظل ضربات التحالف الدولي على مواقع تنظيم "الدولة الإسلامية" و"النصرة"، وانشغال هذا التحالف في بحث إستراتيجية لتدريب المعارضة المعتدلة؛ لملء الفراغ الذي تولده الضربات وتمكين المعارضة من السيطرة على أماكن التنظيم، بعد إضعافه تمهيداً لوضع استشاريين في مرحلة متقدمة.

وركّز النظام على مفتاح الحصار الفعلي لمدينة حلب، والمتمثل في مخيم حندرات، مستفيداً كذلك من الانتصارات التي حققها قبل بدء التحالف الدولي، عبر السيطرة على المدينة الصناعية وكسر الحصار عن سجن حلب المركزي.

كما نجحت قوات النظام في السيطرة على طرق مواصلات هامة محيطة بالمخيم، من شأنها قطع طرق الإمداد لقوات المعارضة، فضلاً عن تمكنها من السيطرة على كتيبة حندرات العسكرية، بعد استعانتها بعناصر من "حزب الله" اللبناني وقوات إيرانية.

وتتجه قوات النظام إلى مخيم حندرات المطل على طريق الكاستيلو، آخر الطرق الواصلة بين مدينة حلب وريفها، مع فرض سيطرتها على الجبهة الواقعة إلى الشمال الشرقي من سجن حلب المركزي، عبر السيطرة على بلدة سيفات وأجزاء من الطريق الذي يصلها ببلدة باشكوي، ما أدى إلى إغلاق طريق حلب حندرات سيفات.

ويبدو أن جبهة النصرة كانت تتوقع هذه الإستراتيجية، إذ كشفت بالتزامن مع تقدم النظام عن مخطط، يسعى من خلاله الأخير إلى استعادة السيطرة على أحياء مدينة حلب الشمالية والشرقية والجنوبية، عبر التنسيق مع خلايا مسلّحة جرى زرعها بين صفوف كتائب المعارضة.

وبحسب مراقبين، فإن قوات النظام تهدف من خلال السيطرة على مخيم حندرات إلى هدفين إستراتيجيين، أولهما الوصول إلى بلدتي نبل والزهراء، وهما من الغالبية الشيعية، وثانيهما الدخول فعلياً في مرحلة فرض الحصار الخانق على الأحياء الشرقية من مدينة حلب، الواقعة تحت سيطرة قوات المعارضة.

ويشير القيادي العسكري في صفوف "لواء السّلطان"، المراد معيوف المعيوف، لـ "العربي الجديد" إلى أن قوات النظام سوف تتقدم باتجاه مدينتي نبل والزهراء، في حال تمكنت من السيطرة على المخيم، لكّنه يستبعد أن تتجه قوات المعارضة صوب مدينة حلب. ويلفت إلى أن الدعم الإيراني للنظام يظهر جلياً في عدد العناصر المتواجدة مع قوات النظام.

ويؤكد المعيوف أن هدف قوات النظام يتمحور حول البلدتين المحاصرتين فقط؛ وذلك لتدارك الغليان الشعبي الذي بدأ يظهر في صفوف الأوساط الشعبية الموالية للرئيس بشار الأسد، ولا سيما بعد التفجيرات الأخيرة في الأحياء المؤيدة للنظام في مدينة حمص.

ويحذر المعيوف المعارضة من خطورة الأوضاع الميدانية على الأرض، مبيناً أن قوات المعارضة المتواجدة على جبهة المخيم في وضع "محرج"، ويطالب "جميع الفصائل المتواجدة على أرض مدينة حلب بالتوجه إلى المخيم وإرسال الدعم والأرتال بشكل حقيقي، لا الإعلامي فقط".

ويبدي مراقبون تخوفهم في ظل الغارات الدولية، من نجاح قوات النظام في فرض سيطرتها على المخيم، استغلالاً منها لحالة الارتباك والتشتت الحاصلة في صفوف قوات المعارضة، التي فرضتها الحرب مع تنظيم الدولة "داعش" في الريف الشمالي لمدينة حلب، وانشغالها في بقية الجبهات مع قوات النظام، وتخوف الكثير من الفصائل من استهداف ضربات التحالف الدولي لصفوفها، ولا سيما بعد إضافة "جيش المهاجرين والأنصار"، أحد أبرز التشكيلات المسلحة المقاتلة في حلب ضد النظام، وحركة "شام الإسلام" إلى قائمة المنظمات الإرهابية.

المساهمون