ضربات أميركا تنعش داعش
مضى نحو أسبوع منذ انطلقت طائرات الحلف الدولي لضرب "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، ولا يبدو أن تحالفاً لم يعر أي اهتمام لأوجاع شعوب المنطقة سيكون قادراً على إنهاء أسطورة داعش، بل على العكس، يكاد المرء يصرخ عالياً عن نوايا هذا الحلف المريب، فداعش المستهدفة مازالت متماسكة، ناهيك عن أن الضربات استهدفت حتى خصوم "الدولة الإسلامية" في سورية، ممن ناصبوا هذا التنظيم العداء منذ سكّينه الأولى التي حزت رؤوس قادة في تلك التنظيمات.
بعد مضي أسبوع على الطلعات الجوية التي يفترض أنها استهدفت مواقع داعش وأوكارها في سورية والعراق، نجد أنفسنا إزاء مشهد معقد للغاية، بل، أحياناً، لا يجد المرء أمامه إلا اللجوء إلى خزعبلات نظريات المؤامرة، بكل ما فيها من قدرة على إيجاد التفسيرات والمبررات لكل ما هو مريب وغير منطقي.
أسبوع مضى، الطلعات الجوية في سورية كانت أكثر كثافة من العراق، حيث لوحظ أن طائرات الحلف الدولي شنت نحو 150 غارة جوية على سورية، واستهدفت مئات من صواريخ توماهوك ما يقال إنها مواقع لداعش في حمص والرقة وإدلب ودير الزور.
وفي البحث بين ثنايا تلك الغارات التي يفترض أنها استهدفت داعش في سورية، نجد أنها، في أغلبها استهدفت فصائل سورية معارضة، وقفت ضد داعش، قبل أن تفيق على خطره أميركا وحلفها، ناهيك عن أن تلك الضربات وجدت في أجساد المدنيين السوريين فرصتها، لتؤكد على ذكائها في التقاط أهدافها، حتى لكأن السوري بات يعيش بين قصف وقصف، وهو لا يعرف من أين سيأتي صاروخه الذي يكتب له قصة النهاية، من التحالف الدولي أم من نظام الأسد.
الضربات الجوية في العراق مازالت غير مجدية وغير فاعلة، وقليلة على التنظيم الذي يفترض أنه يسيطر على مناطق شاسعة من العراق، أكبر بكثير من التي يسيطر عليها في سورية، وفي الوقت نفسه، فإن تلك الضربات التي استهدفت داعش في العراق لم تكن أفضل حالاً من مثيلاتها في سورية، فأجساد الأبرياء كانت هدفاً مفضلاً لصواريخ أميركا الذكية، لتعيد إلى الأذهان مجازرها التي انتصرت فيها على الجسد العراقي في عاميّ 1991 و2003.
ما تحقق لداعش في ضربات التحالف الدولي أكبر بكثير مما حققه التحالف، حيث تفيد تقديرات استخبارية عراقية بأن هناك نحو 10 آلاف مقاتل، انضموا إلى الدولة الإسلامية منذ انطلاق تلك الضربات، في حين كانت المظاهرات التي انطلقت في مدن سورية عديدة في الجمعة الماضية، خير مثال على ما حققته داعش، وأخفق فيه التحالف الدولي.
نجحت داعش في سورية في كسب ود المعارضة المسلحة من فصائل إسلامية كانت تناصبها العداء، فاليوم هناك اندماج شبه كامل بينها وبين جبهة النصرة، ناهيك عن فصائل أخرى أعلنت توحدها في وجه التحالف الدولي. فهل جاءت أميركا لتحارب داعش، أم لتزيد من شعبيتها؟
لا يمكن بأي حال تخيل ما تقوم به أميركا على أنه حرب حقيقية ضد إرهاب داعش، بل على العكس، تثبت هذه الحرب التي أطلقتها واشنطن، بحجة محاربة التطرف، كل يوم، أنها الأكثر قدرة على إدامة أسباب بقاء هذا التنظيم المتطرف. فهل معقول أن تحارب الولايات المتحدة تطرف داعش، وتقصف مواقعه بالطائرات، وفي الوقت نفسه، تتغاضى عن إرهاب بشار الأسد الذي نكّل أبشع تنكيل بشعبه؟ هل معقول أن تدّعي أميركا وحلفها بأنها جاءت للقضاء على الفكر المتطرف الذي تمثله "الدولة الإسلامية"، وفي الوقت عينه تقدم الدعم لميلشيات شيعية عراقية، لا تقل بشاعة وإجراماً عن داعش؟ وتفوق هذه الميلشيات داعشَ إجراماً، كونها مدعومة إيرانياً، ومن جهات نافذة في حكومة بغداد، بل أعلن الرئيس العراقي، فؤاد معصوم، في الأمم المتحدة عن حاجة دولته وحكومته وجيشه هذه الميلشيات في حربها ضد داعش، والكل يعلم ويعرف ما فعلته تلك الميلشيات بأهل العراق طوال 11 عاماً.
وبينما كانت ضربات التحالف الدولي تدك ما يقال إنه تنظيم متطرف في العراق وسورية، كانت جماعة الحوثي في اليمن تسيطر على صنعاء بمنتهى الأريحية، من دون أن يهتز للعالم المتحضر طرف، والكل يعرف أنها جماعة ذات تمويل ودعم وولاء إيراني.
كيف، إذن، سيقتنع العالم العربي، وخصوصاً شعوب هذه المنطقة الجغرافية التي ابتليت بداعش وأميركا وحلفها، بأن هذه الحرب لاقتلاع الإرهاب؟ كيف يقتنع ابن الفلوجة بأن التحالف الدولي جاء ليخلصه من إرهاب داعش، وهو يراه يقدم كل الدعم لميلشيات شيعية مجرمة قتلته، وبشّعت به وبأهله سنوات؟ كيف سيُقنع التحالف الدولي، الذي شوى بقصفه أرجل أطفال إدلب، أبناء تلك المناطق بأن هذا القصف سيخلصهم من إرهاب داعش، وهم يرون طائراته تمر فوق قصر الشعب، حيث يرقد رأس الأفعى، من دون أن تلقي، ولو عن طريق الخطأ، صاروخاً للتمويه وإبراء الذمة؟