ضحايا صراعاتنا

06 يناير 2017
هم وقود الصراع وضحاياه (آريس ميسينيس/ فرانس برس)
+ الخط -
بائس جداً حالنا. نجلس يوماً بعد يوم لنشاهد وقائع موت المزيد من الأطفال، جوعاً أو فقراً أو غرقاً أو قتلاً.

بؤسنا سببه أننا لا نملك دفع الموت عنهم، حتى أن دموع كثير منا لم تعد تنهمر حزناً عليهم كما كنا نفعل سابقاً بعد أن بات الموت طقساً يومياً.

يوماً بعد يوم أشعر أننا استسلمنا أو بتنا على وشك الاستسلام، وأن آلة الموت التي قررت بإصرار أن تمنع هؤلاء الأطفال من التمتع بمستقبلهم، وتحرمنا من مشاركة بعضهم في بناء عالم أفضل، لا تقصد قتلهم فقط، وإنما تقصد قتل أحاسيسنا تجاههم.

أن لا نشعر بالحزن على مقتل الأطفال، هو بداية مقتلنا أيضاً، وأن تتجمد دموعنا عند مشاهدة طفل مات جوعاً أو غرقاً، هو مؤشر على غرقنا نحن الكبار في المقتلة.

انتفض العالم، أو هكذا ظننا، عند مقتل الطفل السوري إيلان كردي، غرقاً على السواحل التركية في رحلة هروب بصحبة أسرته من الحرب الدائرة في بلاده. سمعنا الكثير من الوعود وقطعت الكثير من العهود في سبيل عدم تكرار الواقعة، وضرورة إنقاذ الكثير من أقران إيلان المعرضين للمصير نفسه، لكن أياً منها لم ينفذ.

لا زال الأطفال يموتون. في سورية والعراق واليمن وليبيا والصومال وفلسطين، وفي أفغانستان وبورما، وفي أفريقيا وأميركا اللاتينية، أو يموتون خلال الهرب من تلك البلاد المنكوبة.
أخيراً أعادت صور متداولة لطفل جديد غرق خلال رحلة هروب من بلاده، تأكيد الواقع المؤلم، وذكّرت العالم بتخاذله المتواصل، أو بالأحرى تورطّه الفاضح في جرائم قتل الأطفال، سواء بالفعل، قصفاً أو دعماً، أو بالصمت والتخاذل.

مات الطفل الروهينغي محمد شهيات غرقاً خلال هربه بصحبة أسرته إلى بنغلادش من بلده بورما التي يشن جيشها حرب إبادة ممنهجة ضد الأقلية المسلمة.

لم ينتفض العالم لغرق شهيات كما انتفض لغرق كردي، ولن ينتفض على الأغلب. أسباب التجاهل كثيرة، وربما هي بحد ذاتها مأساوية. من بينها أن الواقعة جرت في منطقة منسية من العالم. هناك بين بورما وبنغلادش، حيث لا يعلم كثيرون عن سكانها إلا القليل، وليس في تركيا على حدود أوروبا. وبينها أن الطفل شهيات ينتمي إلى أقلية لا تحظى باهتمام حقيقي رغم التصفية العنصرية التي تتعرض لها، بخلاف التركيز الإعلامي الدولي على الأزمة السورية، وربما، وهذا الأكثر مأساوية، لأن الواقعة باتت متكررة ما يجعل التعاطي معها يبدو سلبياً.

لا ذنب لإيلان وشهيات، ولا لآلاف من أقرانهم الذين يموتون يومياً، في الواقع المزري الذي يعيشه العالم الآن، بالأساس لا يدرك أيهم أسباب الصراع أو دوافع المتصارعين، لكنهم رغم ذلك وقود الصراع وضحاياه.


المساهمون