ضحايا السلاح الإيطالي...مدنيون يمنيون يفقدون أرواحهم جراء قنابل مصدّرة للسعودية

15 ابريل 2019
خلافات برلمانية إيطالية بسبب تصدير السلاح للسعودية(العربي الجديد وGetty)
+ الخط -
وثقت الناشطة اليمنية رضية المتوكل رئيسة منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، واقعة مقتل حسني علي جابر وزوجته الحامل وأطفاله الأربعة، بعد عثورها على حلقة تعليق، كانت تربط قنبلة تم إلقاؤها من إحدى طائرات تحالف السعودية والإمارات على قرية "دير الهجاري" بمحافظة الحديدة غربي اليمن، في 8 من أكتوبر/ تشرين الأول 2016، إذ تم إرسال صور بقايا القنبلة التي حملت إحداها رموز مسلسلة RIM1 4F00 3001 وMS 3314 إلى خبراء سلاح إيطاليين تتبعوا تلك الرموز، وأخرى ظهرت على البقايا ليتأكدوا أنها لقنبلة جوية موجهة من نوع MK80 المصنعة من قبل شركة RWM Italia S.p.A الإيطالية، التابعة لشركة Rheinmetall AG الألمانية، التي تصدّر عدة أنواع من تلك القنابل إلى السعودية من بينها MK81, MK82, MK83, MK84 وفق تأكيد جورجيو باريتا، المحلل المختص في تجارة الأسلحة بمؤسسة Opal (مرصد الأسلحة وسياسات الأمن والدفاع)، الذي أكد لـ"العربي الجديد" أنه "جرى شحن أكثر من 7 آلاف قنبلة جوية، من جزيرة سردينيا الإيطالية حيث موقع مصنع الشركة، إلى الرياض منذ بداية التدخل العسكري في اليمن في 26 مارس/ آذار من عام 2015".

بقايا القنبلة التي قتلت عائلة جابر (منظمة مواطنة لحقوق الإنسان)


تراخيص تصدير السلاح الإيطالي للسعودية

عام 2016 الذي قتلت فيه عائلة جابر، بلغت قيمة صادرات السلاح الإيطالية للسعودية 427.5 مليون يورو، تراجعت حتى 51.9 مليون يورو عام 2017، وهو الرقم الذي تطابق مع قيمة 12 ترخيصاً لتصنيع أسلحة إيطالية مصدّرة للسعودية في نفس العام بحسب موقع مجلس الشيوخ الإيطالي، بينما كانت قيمة الصادرات 45 مليون يورو، خلال الفترة من يناير/ كانون الثاني وحتى سبتمبر/ كانون الأول من عام 2018 وفق المصدر ذاته.

وتنقسم أنواع القنابل الجوية المصدّرة إلى السعودية من فئة MK خلال عام 2016، إلى 8875 قنبلة من نوع MK82 و 5800 قنبلة من نوع MK83، و5 آلاف قنبلة من نوع MK84 بقيمة 411 مليون يورو، منحت وزارة الخارجية الإيطالية مصنع RWM italia رخصة تصنيعها لصالح الجيش السعودي، باجمالي 80 رخصة تصدير سلاح، وهو رقم يعدّ الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية ولم تتخذه أي حكومة إيطالية من قبل وفق تأكيد باريتا، الذي لفت إلى أن التشريع الإيطالي بشأن صادرات الأسلحة يوصف بأنه من أكثر التشريعات صرامة في أوروبا، لأنه يحظر بيع الأسلحة للدول التي تشهد صراعات وانتهاكات حقوق الإنسان.

وتعدّ القنابل المنتج الرئيسي الذي تستورده السعودية من إيطاليا، لكنه ليس السلاح الإيطالي الوحيد المصدّر إلى السعودية، إذ تشارك إيطاليا في صنع مقاتلات EU fighters الأوروبية التي تستوردها السعودية، بحسب تأكيد المنسق العام لشبكة نزع السلاح الإيطالية فرانشيكو فيغناركا لـ"العربي الجديد".

وتدخل قنابل (Mark/MK ) ضمن قائمة الأسلحة الانفجارية التي تُطلق من الجو والتي رصدت منظمة العفو الدولية استخدامها ضد المدنيين في اليمن وفق تقريرها الصادر عام 2015 بعنوان "تنهمر القنابل علينا من السماء ليل نهار: المدنيون تحت القصف في شمال اليمن" وبحسب التقرير فإن هذه القنابل من طراز (80 ) تم استخدامها بفئاتها المختلفة، وعثر باحثا منظمة العفو الدولية على بقاياها في المواقع التي طالتها ضربات التحالف الجوية بقيادة السعودية، وتتضمن تحديداً: القنابل من طراز 82 وتزن 500 رطل وتحمل نحو 192 رطلاً ( 87 كغ تقريباً) من مادة الترايتونال شديدة الانفجار والقنابل من طراز 83 وتزن 1000 رطلٍ وتحمل نحو 445 رطلاً ( 201 كغ تقريباً) من مادة الترايتونال شديدة الانفجار، والقنابل من طراز 84 وتزن 2000 رطلٍ وتحمل نحو 945 رطلاً ( 428 كغ تقريباً) من مادة الترايتونال شديدة الانفجار، وتُعد الأكبر بين فئات طراز MK.


وثائق تكشف عن بيانات السلاح الإيطالي المصدر للسعودية (العربي الجديد)


مشاركة إيطالية

تشارك إيطاليا في الكارثة الإنسانية اليمنية بسبب تصدير سلاحها إلى السعودية، بحسب ما قاله لـ"العربي الجديد" ريكاردو نوري المتحدث باسم منظمة العفو الدولية في إيطاليا، الذي أكمل: "يجب على إيطاليا التوقف عن المشاركة في تلك الحرب التي راح ضحيتها العديد من المدنيين".

ووثقت منظمة مواطنة 132 هجمة، شنّها تحالف السعودية والإمارات بين مارس/ آذار 2015 وحتى مارس 2017 في 13محافظة يمنية، هي "صعدة وحجة والحديدة ومأرب والجوف وصنعاء وعمران وإب وتعز، لحج، عدن، شبوة، والبيضاء"، قتل خلال هذه الهجمات 1630 مدنياً بينهم 418 طفلاً و192 امرأة، وجرح 1872 مدنياً بينهم 308 أطفال و168 امرأة، وفق تقرير منشور على الموقع الرسمي للمنظمة في 24 مارس 2017.


وبسبب سقوط الضحايا المدنيين في حرب اليمن، دعا البرلمان الأوروبي مرتين لفرض قيود على تصدير السلاح للسعودية في 25 فبراير/ شباط 2016، بعدما "أدت الغارات الجوية التي يشنها التحالف بقيادة السعودية، والحصار البحري الذي تفرضه على اليمن إلى وفاة الآلاف، وتسبب في زيادة معدلات عدم الاستقرار في اليمن" وفق نص القرار، بينما في 13 سبتمبر/ أيلول 2017 جاء في نصّ قرارالبرلمان، أن "تصدير الأسلحة للسعودية وغيرها من الدول المشاركة في الحروب والنزاعات يعدّ انتهاكاً جسيماً لمبادئ حقوق الإنسان، التي ينص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، وعاد البرلمان وصوّت في نوفمبر الماضي على قرار يدعو لفرض قيود على صادرات الاتحاد الأوروبي من الأسلحة إلى السعودية، وفرض عقوبات على البلدان التي تستخف بقواعد الاتحاد في هذا الشأن، وهو ما لم يتم وفق تأكيد مصادر التحقيق.


تحقيقات دون نتائج

تقدمت شبكة نزع السلاح الإيطالية، بالتعاون مع منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، والمركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان ومؤسسة OPAL، بشكوى جنائية لمكتب المدعي العام في روما بتاريخ 17 إبريل/ نيسان 2018، ضد الهيئة الوطنية لتصدير الأسلحة UAMA ومديري مصنع الأسلحة RWM Italia S.p.A، استناداً إلى الغارة الجوية التي وقعت على منزل عائلة جابر في قرية دير الهجاري بمحافظة الحديدة بحسب فرانشيسكو فيغناركا، الذي لفت إلى أن الشكوى لا تزال إلى اليوم تحت التحقيق من طرف مكتب المدّعي العام، وهو ما تؤكده رضية المتوكل، قائلة: "تم إبلاغ المنظمة في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2018 بفتح تحقيق، لكن لم تصل أي نتائج حتى الآن".

وتؤكد مذكرة الشكوى أنه ليس هناك ما يشير إلى أن المدنيين الذين قتلوا كانوا "أضراراً جانبية"، إذ تم استخدام قنبلة موجهة، كما كان هناك نقطة تفتيش عسكرية، تبعد أكثر من 300 متر عن منزل الضحايا لم تكن مستهدفة، ولم يتم استهدافها منذ ذلك الحين وفق إفادات شهود عيان. وتحدث مثل هذه الهجمات بشكل متكرر في النزاع القائم في اليمن. وتوجيه هجمات متعمدة ضد السكان المدنيين أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال العدائية، يرقى إلى مرتبة جرائم حرب وفقها.

بقايا منزل عائلة جابر (العربي الجديد)


البرلمان يغمض عينيه

لم تكتف شبكة نزع السلاح الإيطالية ومنظمة العفو الدولية بالدعوى القانونية، بل أرسلت نداءً إلى البرلمان الإيطالي، تطالبه بتعليق إرسال الأسلحة التي تغذي الصراع والقتل الدائر في اليمن، وجاء فيه "لم يعد بوسعنا أن نغمض أعيننا عن الكارثة الإنسانية التي ترتكب في اليمن بأسلحة إيطالية"، بحسب بيان نشرته الشبكة في 27 مارس/ آذار 2018، لكن ريكاردو نوري يقول إنهم لم يتلقوا رداً من الحكومة الإيطالية، أو من البرلمان الذي تقدموا له بمشروع قرار لوقف بيع الأسلحة الإيطالية للسعودية، مشيراً إلى وجود صراع داخل البرلمان الإيطالي بين الحزبين المتحالفين، وهما 5 نجوم الذي قبل أعضاؤه بالمشروع، غير أن نواباً من حزب Lega nord (يميني متطرف) بقيادة وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني ضد هذا المشروع.

رحلات تصدير قنابل MK المصنوعة في إيطاليا (شبكة نزع السلاح الإيطالية)


استمرار تصدير الأسلحة

يرى فرانشيكو فيغناركا أن "استمرار تصدير السلاح للسعودية وكل بلد مشارك في حرب اليمن، خرق للقانون الإيطالي 185/1990، الذي يحظر تصدير الأسلحة إلى البلدان المنخرطة في نزاع مسلح، كما أن المملكة تنتهك الحقوق المدنية. وعلاوة على ذلك، فإن ذلك يخالف الأحكام الملزمة للموقف الموحد للاتحاد الأوروبي، بشأن مراقبة صادرات الأسلحة"، وعلى الرغم من إرسال وزيرة الدفاع الإيطالية إليزابيتا ترينتا رسالة إلى وزارة الشؤون الخارجية (تتبعها وحدة إعطاء التصاريح لتصنيع وتصدير الأسلحة UAMA) في 14 سبتمبر/ أيلول 2018، لتوضيح وتأكيد ما إذا كان التصدير للسعودية يشكل انتهاكاً للقانون 185، وفق ما قالت على صفحتها على "فيسبوك" في 17 سبتمبر 2018، إلا أنها لم تتلق أي رد من طرف وزير الشؤون الخارجية انزو ماوفيرو، بحسب جورجيو باريتا، الذي قال لـ"العربي الجديد": "لا يوجد أي جواب رسمي من طرف الحكومة الإيطالية، التي لم تتوقف عن منح التراخيص ولا أوقفت تصدير ما تم ترخيصه سابقاً. وليست عازمة على التوقف".


وتنصّ المادّة الأولى من قانون قواعد مراقبة الصادرات واستيرادها وعبور السلع العسكرية، رقم 185 الصادر يوم 9 يوليو/ تموز 1990، على أنه "يجب أن تتوافق سياسة الاستيراد والتصدير، ونقل موادّ التسليح، وكذا التراخيص التي تسمح بإنتاج الأسلحة مع سياسة الدولة الإيطالية الخارجية والدفاعية. وفقاً لما ينصّ عليه الدستور الإيطالي، الذي ينبذ الحرب كوسيلة لحل النزاعات الدولية".

وسعياً وراء حق الرد، تواصلت معدّة التحقيق مع وزيرة الدفاع الإيطالية اليزابيتا ترانتا، عبر صفحتها على "فيسبوك" في 11 مارس الماضي، وسألتها عن دوافع استمرار إيطاليا في تصدير الأسلحة إلى السعودية، رغم سقوط ضحايا مدنيين في حرب اليمن، إلا أنها قالت بأنها لا تعطي تصريحات مباشرة للصحافيين، ويجب التحدث إلى الناطق باسم وزارتها، وبالفعل تواصلت مع الناطق باسم وزارة الدفاع الايطالية أوغوستوا روباي عبر الهاتف والبريد الإلكتروني عدة مرات، آخرها يوم 21 مارس 2019، ولكنها لم تتلق رداً حتى تاريخ نشر التحقيق، وهو ما تكرر مع وزارة الدفاع السعودية التي لا يعمل رابط التواصل عبر موقعها الإلكتروني، ولا السفارة السعودية في إيطاليا التي تم إرسال رسالة عبر بريدها الإلكتروني في 12 مارس/ آذار 2019، لمعرفة رد الملحق العسكري السعودي في روما، حول أسباب سقوط ضحايا مدنيين يمنيين عبر قنابل جوية إيطالية يفترض أنها موجهة ودقيقة، وإن كانت هناك إجراءات متخذة من طرف وزارة الدفاع السعودية لمنع تكرار الأمر، وهل تم تحقيق العدالة لأقارب الضحايا المدنيين، غير أن صمت الجميع تجاه آلام الجرحى وآهات ذوي القتلى يبقى سيد الموقف.