ضحايا الجهل الجنسي... قصص وعبر

26 يناير 2016
ثقافة العيب تضع المتزوجون دائما في مواقف صعبة(Getty)
+ الخط -
جلستْ كعادتها في المساء تروي لنا أحجية جميلة قبل النوم، وكانت جدتي تجيد ذلك حتى كدت لا أطيق نوما بدونها، جلست وكلي شغف بقصتها الجديدة القديمة "ست الحسن والشاطر حسن". بدأت القصة بالعديد من المواقف المحزنة ثم انتهت بأن اختطف الشاطر حسن حبيبته فوق ظهر حصانه الأبيض، لتنتهي القصة بالزواج.

وهنا سألت جدتي: ماذا يعني الزواج وكيف يكون؟ وسرعان ما تبدل الحال بها فعقدت حاجبيها وتجهمت وقالت لي في حدة: لا تسألي عن مثل هذه الأمور أبدا فهي عيب، ومنذ ذلك الحين توقفت الجدة عن الكلام المباح.

تكمل سارة قصتها قائلة: بعد أن نهرتني جدتي ومنعتني من حكاياتها الجميلة، التزمتُ الصمت وكنت أنفض عن ذهني أي سؤال قد يبدو لي "عيبا" في نظر الآخرين. كنت صغيرة وقتها، وزاد الطين بلة حينما أدركتُ المرحلة الإعدادية وفوجئتُ في أحد الأيام بمدرس العلوم يدخل الفصل متجهما وجلا ويقول لنا في حدة: درس اليوم محرج جدا، وأنتم في مدرسة مشتركة. من يُردْ أن يخرج من الفصل، فليخرج.

نظرتُ إلى الدرس، وكان بعنوان (الجهاز التناسلي للإنسان)، فشعرتُ بأن جسدي يتجمد. جلستُ مع من جلسوا ليس بإرادتي، فقد عجزتُ عن الحركة فبقيتُ وبدأ الدرس. نظرت حولي وأنا أتصبب عرقا وأشعر أن الجميع يراني فتاة سيئة جلست لتستمع إلى ما هو (عيب)، وكنت كلما نظرت إلى السبورة وجدت وجه جدتي وهي تنهرني وتصيح بي أن " انهضي واخرجي"، وبالفعل لم تمض دقائق حتى انتفضتُ من مكاني وخرجت مسرعة إلى الخارج.

ولأن أمي أيضا كانت دائمة الانشغال بعد وفاة والدي، لم يكن هناك من يساعدني في فهم ماهية الزواج وكيف هي العلاقة مع الزوج، إلى أن تزوجت بالفعل.

وتكمل سارة قصتها بأنها تعرضت نتيجة لذلك إلى العديد من المشكلات النفسية والجسدية عقب الزواج، وكثيرا ما كانت تترك منزل زوجها وتعود إلى أسرتها طالبة منهم عدم التمادي في "إيذائها" أكثر من ذلك، حيث كانت تعاني من النزف عقب عملية الجماع كما أنها كانت تعاني آلاما في الأطراف إلى جانب نوبات صرع متباعدة تفيق منها صامتة تماما.

سارة ليست حالة فريدة من نوعها، فهناك الآلاف ممن يكتمون آلامهم وأوجاعهم خوفا من الفضيحة والنقد، كما يتصورون.

فاطمة فتاة أخرى تزوجت فى سن صغيرة وهي تجهل تماما حقيقة الزواج، تقول: كثيرا ما ينتابني الشعور بالذنب وكأنني قد اقترفت خطأً ما، دائما قلقة وخائفة، ورغم أن زوجي رجل طيب وحنون إلا أنني دائما أريد الابتعاد عنه، وقد تطور الأمر إلى اضطرابات في النوم لا تنتهي.

أما سمية من المغرب فقد قررت الانفصال عن زوجها قبل أن تنجب أطفالا، فهي تعتقد أنها لن تستطيع أن تكون أما صالحة لهم، فهي ترغب في العيش إلى جانب والدها بقية حياتها، فحياة الطفولة هي الأنسب لها وهي لا تشعر أنها امرأة ناضجة بعد، فما بالها ستصبح أما لأطفال صغار.

اقرأ أيضا:التربية الجنسية في المناهج العربية... تخبط وعشوائية

وفي سؤاله عن الآثار النفسية والعضوية الناجمة عن جهل الزوجة الجنسي، يقول استشاري الأمراض النفسية الدكتور أحمد عبد الله: تختلف الآثار النفسية في الشدة وفقا للأضرار الناتجة عن سوء التصرف، أو التعامل مع المشكلات الجنسية سواء قبل الزواج أو بعده، فغالبا ما يكون القلق المرتفع والإحباط نتائج معروفة ومتوقعة عن الآثار السلبية للتعامل الخاطئ مع هذه المواضيع، مما ينعكس على الجانب العضوي، فالدخول في حالة الاكتئاب حتى وإن كان بسيطا سيؤثر على الدورة الشهرية سواء للمتزوجة أو الفتاة بالانقطاع أو النزف.

الحل الأمثل للتعامل مع المشكلات المحرجة بالنسبة للأهل أن يكون الحديث عنها من متخصص وبشكل جماعي، كما يحدث في الدورات التدريبية التي تقام للمقبلين على الزواج، وتتطرق لهذا الجانب وكيفية التعامل معه.

هذا فيما يتعلق بالأنثى، فماذا لو كان الأمر يتعلق بالذكور؟ هل يمكن أن يتعرض الشاب لاضطرابات نفسية أيضا إذا ما لم تتوفر له ثقافة جنسية سليمة قبل الزواج؟

وهنا يحكي الاستشاري النفسي إحدى القصص الحقيقية، فيقول: جاء للعيادة النفسية أحد الشباب يشكو مشكلة جنسية بعد الزواج بيوم واحد، حيث اكتشف أنه لا توجد غشاء بكارة لدى الزوجة حسب فهمه، وقد تم تقديم مشورة بضرورة استشارة طبيبة متخصصة ليتأكد بعدها أن هناك حالات نسبتها قليلة جدا يكون الغشاء فيها شبه مطاطي لا يتمزق إلا بالولادة الأولى، ومثل هذه الحالة قد ينتج عنها خلط قد يصل الى ارتكاب جريمة القتل بحق الزوجة في بعض الثقافات المتخلفة، بدافع الشرف.

ويؤكد دكتور عبدالله على أن السكوت ليس حلاًّ بأي حال من الأحوال، وأن كبت الموضوع وعدم البحث عن حل سيفاقم المشكلة ويدمر العلاقة الزوجية.

ويشدد على أهمية الرجوع للمتخصصين وليس إلى المعارف والأصدقاء، وبالطبع الأمر ينطبق على الطرفين من حيث الحاجة للتدريب قبل الزواج، وفي حال عدم توافر المتخصصين أو الحرج من ذلك يمكن البحث عن مصدر موثوق به، سواء من الكتب أو المواقع المتخصصة، وبالطبع ليس المواقع الإباحية والتي قد تدخلنا في دائرة مظلمة أخرى.

وفي النهاية فإن الأمر يتطلب الكثير من الهدوء والكثير من الوعي في موضوع هذه المشكلات، والتي ربما تواجه الكثير من الشباب العربي، حتى يكونوا هم أيضا آباء وأمهات قادرين على توصيل المعلومة الصحيحة لأبنائهم.

اقرأ أيضا:لبنان: التربية الجنسية ممنوعة بأمر الأهل

المساهمون