ضحايا "هداك المرض" في سورية يموتون بصمت

04 فبراير 2018
العلاج لا يتوفر للجميع (فيسبوك)
+ الخط -


يعيش نحو 600 سوري مصاب بالسرطان تحت الحصار في غوطة دمشق الشرقية من دون أدوية وعلاج. فيما يجد السوريون المقيمون في العاصمة السورية دمشق أنفسهم أمام معركة أمنية ومالية في رحلة البحث عن علاج لمرض السرطان.

لا يهم إن كنت تعيش في مناطق النزاع أو كنت تعيش في جنوب سورية أو شمالها، فالخلاصة أن المصاب بمرض السرطان في سورية يئنُّ بصمت، ويعيش معركة يومية في البحث عن علاج لـ"هداك المرض"، التسمية التي يُطلقها السوريون على السرطان.

ضحايا السرطان في غوطة دمشق

لا يزال أبو غسّان يحاول البحث عن دواء لزوجته المريضة بالسرطان في الغوطة الشرقية، إذ حوصرت المنطقة بالكامل منذ فبراير/ شباط 2017، بعد الحصار الجزئي الذي كسرته عبر الأنفاق التي ما لبثت أن تهدّمت كلها.

ويوجد داخل الغوطة الشرقية مركز واحد لعلاج السرطان وهو "مركز رحمة". وبحسب تقديرات المركز فإن المنطقة المحاصرة فيها نحو 600 مريض بالسرطان بحاجة إلى إجلاء خارج الغوطة لتلقّي العلاج الفوري.

يقول أبو غسّان لـ"العربي الجديد" إن إصابة زوجته تفاقمت منذ عام 2016، وكانت تحصل على العلاج داخل الغوطة الذي يصلها عبر المعابر غير النظامية.


وأضاف أن وضعها الصحّي تدهور أخيراً، وأن مركز العلاج لم يعد باستطاعته تأمين ما يكفي من مستلزمات علاج المرضى، بسبب الحصار وشحّ الجرعات وعدم وجود كمية كافية من الأدوية، إضافة إلى عدم توفّر العلاج الإشعاعي المُقتصر على مشافي العاصمة دمشق.

وحذّرت منظمات ومستشفيات عدة داخل الغوطة من وقوع كارثة إنسانية مع اقتراب الدواء من النفاد في المنطقة، ما يهدد حياة المرضى، خصوصاً من ذوي الحالات الخاصة التي لا يحتمل علاجها التأجيل.


وحتّى الآن، تتفاقم حالة زوجة أبو غسّان البالغة من العمر 56 عاماً، ويراها أبو غسّان كيف تذبل أمامه بعد أن فشل في إخراجها من الغوطة لتلقّي العلاج.

وفي الأشهر الأولى من حصار الغوطة توفي 20 مصاباً بالسرطان بين المدنيين في مركز رحمة، لعدم إمكانية تأمين الجرعات الكافية لهم.

تقول مصادر طبية من المركز إن الجرعات ليست هي المشكلة الوحيدة، إذ إن الغوطة ليس فيها جهاز للعلاج بالأشعّة الذي تتطلبه بعض الحالات، لافتاً إلى أن العلاج بالأشعة يتطلّب حتماً نقل المصاب إلى دمشق، وهو ما يتعذّر حتّى كتابة هذه السطور.

 

رحلة البحث عن العلاج

 
في العاصمة السورية دمشق، يتكدّس عدد كبير من المرضى أمام مستشفى البيروني لتلقّي العلاج، بعضهم من سكّان العاصمة، وبعض آخر من محافظاتٍ سورية أخرى قدموا لتلقّي العلاج لعدم وجود أجهزة علاج في المحافظات عقب خروج مراكزها عن الخدمة.

يعاني المرضى من ازدحام كبير من جراء ازدياد الحالات المرضية في المركز الوحيد للحصول على العلاج، وينتظر بعضهم أشهراً قبل حصولهم على فرصة للعلاج.

من بين هؤلاء المنتظرين أحمد الشيخ، وهو ستيني ينحدر من مدينة حمص وسط سورية، ومصاب بالسرطان. يقول إنه في كل مرّة يأتي فيها يؤجّلون علاجه، أو يغيرون موعده فيضطر للانتظار إلى أوقات متأخرة.

ويشير إلى أن مرض السرطان يحتاج إلى علاجٍ مستمر، ومتابعة طبية. يوضّح أن أعباء العلاج المادية باتت خارج قدراته، يضاف إليها كلفة التنقّل بين حمص ودمشق ومصاريف الإقامة والحاجيات الشخصية التي تفوق قدرته على تأمينها كلها. ويوضّح الشيخ أن معظم المرضى يعانون مثله تماماً.


معضلة الدواء

كانت أدوية السرطان المستوردة والأميركية المنشأ تُقدّم في مستشفى البيروني للمرضى مجاناً، لكن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على سورية أدت إلى وقف استيراد تلك الأدوية، ما أجبر وزارة الصحة السورية على استيراد أدوية أقل فعالية من دول أخرى منها الهند وإيران. وأصبح المرضى أمام خيارين، إما القبول بالأدوية قليلة الفعالية، أو في حال أرادوا الحصول على الدواء الأميركي فعليهم تأمينه على نفقتهم الشخصية من العاصمة اللبنانية بيروت.

الجرعات باهظة الثمن، يزيد سعرها عن 250 دولاراً للجرعة الواحدة، بحسب ما يشير موفق، وهو مريض بالسرطان يعيش في العاصمة دمشق.

وقال إن لديه عملاً منزلياً في مطبعة على الحاسب المحمول، ويتقاضى منه 70 دولاراً، في حين أن ثمن الجرعة 250 دولاراً، ما يجعله غير قادر على شرائها دائماً. ويُشير إلى أنّه تلقّى مساعدات من أقربائه، إضافةً إلى بيعه بعض المقتنيات الشخصية لتأمين العلاج.

وبحسب الصيدلاني محمد رواس، فإن معظم الصيدليات في سورية باتت تستورد كميات من جرعات السرطان، لكي تؤمّن بيعه للمواطنين، إذ باتت الأدوية الأصلية منتشرة في جميع أنحاء العاصمة، لكن سعرها باهظ مقارنةً بالعملة السورية المتدهورة والدخل المنخفض.

وما يزيد الأمر تعقيداً أن وزارة الصحة السورية أعلنت في عام 2014 عن إجراء تحقيقات في مستشفى البيروني لأمراض السرطان، تتعلّق بموظفين داخل المستشفى أقدموا على بيع أدوية السرطان لتحقيق كسبٍ مادي. ويأتي ذلك وسط تدهور الوضع الطبي في سورية مع خروج عدد كبير من المستشفيات عن الخدمة وهجرة أكثر من نصف أطباء سورية خارج البلاد.