صيف سياسي عربي ملتهب

03 يوليو 2017
+ الخط -
الصيف العربي هذا العام قائظ، مناخاً وسياسة. فقد ارتفع فجأةً مؤشّر حرارة التفاعلات في المنطقة. بعد أن تخلت دولٌ عربية عن التقاليد المتوارثة في توجيه دفّة العلاقات وإدارة الخلافات عربيا وإقليمياً. إذ تخلصت بعض دول المنطقة من قيود والتزامات مثل "الأخوة العربية"، و"التاريخ المشترك" و"المصير الواحد". وباتت تفكّر وتخطّط وتتحرّك بغير سقفٍ ولا وازع، إلا ما تقتضيه المصلحة، بمعناها البسيط المباشر، وفي نطاقها الفردي المحصور في حدود الدولة الواحدة.
تجلى هذا التغيير في نمط (ووتيرة) التعاطي مع ملفات وقضايا، كان يجري التعامل معها عقوداً بالأسلوب التقليدي نفسه. والمثال الأبرز على ذلك، النقلة التاريخية المحتملة في إدارة الصراع العربي الإسرائيلي، أهم الصراعات الإقليمية في المنطقة وأقدمها وأكثرها تعقيداً. وقد حمل مفاتيحها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، منذ وصوله إلى البيت الأبيض. وعلى الرغم من أن ملامح تلك النقلة لم تتضح تفصيلاً بعد، إلا أن ما جرى تداوله عنها في أثناء جولة ترامب في المنطقة وبعدها، يشي بأن تسويةً سياسيةً تاريخيةً للقضية الفلسطينية، لُبّ الصراع، يجري الإعداد لها بين مختلف الأطراف. وهنا، يبرز أول ملامح تلك التحولات الجذرية التي ربما تشهدها المنطقة قبل مرور هذا الصيف. إنها "صفقة القرن" حسبما اصطلح عليها. حيث تفترض التوصل إلى حلول متزامنة ومترابطة لكل مفردات القضية الفلسطينية وجوانبها، بتفاهماتٍ فلسطينية –إسرائيلية، مدعومة بدور محوري مصري/ أردني، ومباركة عربية (سعودية أساسا) تحت رعاية وضمانة أميركية.
لا ينحصر جديد تلك الصفقة المتوقعة في أنها ترفع شعار إنهاء آخر حالات الاستعمار التقليدي في العالم المعاصر، لكن أيضاً في الفكر الكامن وراءها، والمنطق الذي تستند إليه، فبعد أن أخفقت كل محاولات التسوية السلمية السابقة، يبدو أن "صفقة القرن" ستعتمد حلولاً براغماتية وترتيبات غير تقليدية. تخرج بها من الأطر القديمة التي لم تفلح في إنهاء الصراع لأسبابٍ عديدة، أهمها تعنّت إسرائيل وعرقلتها أي تسويةٍ تلزمها الوفاء بالحقوق الفلسطينية أو بعضها، والانحياز الأميركي المطلق إلى جانب إسرائيل. فاصطدمت كل محاولات التسوية، المنقوصة أو الشكلية، بتمسّك الفلسطينيين بثوابت محدّدة وخطوط حمراء، خصوصا فيما سميت قضايا الحل النهائي (القدس، حق العودة، الاستيطان، المياه، الحدود).
ولأن التفاصيل لا تزال غامضة، لا يوجد ما يؤكد، أو ينفي، أن الصفقة المحتملة ستراعي تلك الثوابت، وستنطلق من الأسس التي طالما تمسّك بها الفلسطينيون، ومن ورائهم الدول العربية كافة، خصوصا أن التسريبات غير الرسمية تفيد بأن الهم الأول لمكونات الحل المقترح هو إنهاء الصراع.. غير أن هذا يستتبع، بالضرورة، توفير شروط إبرام تلك الصفقة، ومن أهمها تحييد العوامل المضادة، مثل موقف فصائل المقاومة، وفي مقدمتها حركة حماس. وضمان ألا تتدخل إيران بواسطة حزب الله لتعطيل الصفقة أو عرقلتها. وغير ذلك من مقوّماتٍ وترتيباتٍ لازمة لاستيفاء حدٍّ أدنى من استتباب الأوضاع والتحكّم فيها.
وليس بعيداً عن تلك الأجواء الساخنة، أزمة مقاطعة دول عربية قطر. وقد نشبت على نحو مفاجئ، لم تتكشف ملابساته بعد، لكنه كان بدايةً عنيفةً لهذا الصيف العربي القائظ. وكما يصعب الحديث عن صفقةٍ إقليميةٍ لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي، في معزلٍ عن مآلات أزمة مقاطعة قطر. لا يمكن أيضاً نجاح أية جهودٍ متعلقةٍ ببؤر الأزمات الإقليمية الأخرى في سورية وليبيا واليمن، من دون ترتيب موقع قطر ودورها في هذه الأزمات. لذا، يمكن بسهولة توقع مزيد من الارتفاع في حرارة الصيف السياسي العربي، مع إصرار دول المقاطعة على تطويع السياسة القطرية، وتجييرها لصالح صيغ إقليمية جديدة، في مقابل تمسّك الدوحة بذاتية قراراتها وسياساتها.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.