صوت المرزوقي الباقي

31 ديسمبر 2014

أنصار للمرزوقي أمام مقر حملته الانتخابية (ديسمبر/2014/الأناضول)

+ الخط -
من هو اليوم الشخصية، صاحب الصوت القوي والمؤثر في تونس؟ للوهلة الأولى، قد يذهب ذهن القارئ إلى الباجي قاي السبسي، الرئيس المنتخب حديثاً على رأس الدولة، فالرجل أسس حزباً من فراغ، استطاع، خلال سنتين، أن يصبح أول قوة سياسية في تونس، جاء متقدما على جميع الأحزاب في الانتخابات التشريعية، وتفوق رئيسه على 26 منافسا في الانتخابات الرئاسية التي جرت على دورتين. وهناك من يعتبر أن الدور المؤثر والحاسم لراشد الغنوشي، مؤسس حركة النهضة ورئيسها، في قراراتها، يجعله صاحب أقوى صوت داخل أكبر حركة سياسية مؤطرة داخل تونس.

لكن، مهلاً، هناك صوت ثالث لا يقل صاحبه تأثيراً عن السبسي والغنوشي، بل إنه الصوت الذي ظل صداه، وما زال، يتردد بقوة منذ عهد الديكتاتور الذي طردته الثورة، إنه صوت المنصف المرزوقي. قد يستغرب بعضهم، للوهلة الأولى، من هذا الحكم والاستنتاج السريع، وقد يستغرب آخرون لماذا الكتابة عن رئيس خرج خاسراً من سباق انتخابي شفاف ونزيه وحر، فقد جرت العادة في المنطقة العربية أن يكتب الناس عن الفائزين.

وهنا، لا بد من التوضيح، فالمرزوقي خسر الانتخابات، أما فكره فلم ينهزم، والسبسي فاز في الاستحقاقات، وليس له مشروع ينتصر له. يتعلق الأمر، هنا، باللعب على الكلمات والمفردات. فالمنهزم من يخرج منكسراً من المعركة، ويستسلم للهزيمة، وليس الأمر كذلك مع المرزوقي الذي خرج ليلة الإعلان عن نتائج الانتخابات، ليؤكد مواصلته درب النضال حتى تتحقق الفكرة، وفاء للتحدي الذي رفعه شعاراً لحملته "ننتصر أو ننتصر". أما السبسي فهو كمن فاز في لعبة رهانات، تقاطعت فيها مصالح عدة أطراف ما يفرق بينها أكثر مما يجمع بينها.

لذلك، فإن أكثر الأصوات التي تزعج، اليوم، معسكر حزب الرئيس التونسي المنتخب، هو صوت المرزوقي. وهو ما يعبر عنه الإعلام الموالي للرئيس الجديد الذي يشن حملة تشويه ضد الرئيس المؤقت السابق، وعبر عنه صراحةً رئيس البرلمان التونسي المنتمي إلى حزب الرئيس الجديد، عندما قال إن الحركة التي دعا المرزوقي إلى تأسيسها ستكون "نتيجتها مضرة"!

فلماذا الخوف من رجل مفترض أنه خرج خاسراً من سباق انتخابي، ومني حزبه بهزيمة نكراء في الانتخابات التشريعية، وتخلى عنه أغلب حلفائه في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية؟

الجواب أوضحته نتيجة الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي حصل فيها المرزوقي على أكثر من 44% من الأصوات المعبر عنها في الاقتراع. فالأكيد أن المرزوقي خاض الانتخابات الأخيرة وحيداً، من دون ظهير حزبي، وتوجه إلى الشعب مباشرة، ما مكنه من كسب ثقة هذا العدد الكبير من أصوات الناس. وإذا كان هناك من تحدث عن مساندة خفية من حركة "النهضة" للمرزوقي، في الدورة الأولى، على الرغم من أنه لا توجد أي حجة تثبت هذا الزعم، إلا أن ما كان واضحا للعيان أن المرزوقي تقدم للسباق في الدورة الثانية فارساً وحيداً. وما ستبينه الأيام المقبلة أن "النهضة" التي برعت ببراغماتيتها السياسية، لم تغامر، خلال الدورة الثانية من السباق الرئاسي، بوضع كل بيضها في سلة واحدة، ومواقفها التي كانت مستترة، أمس، أصبح يفضحها اليوم الغزل العلني المتبادل بينها وبين حركة "نداء تونس".

وعلى الرغم من خسارة المرزوقي في الانتخابات الأخيرة، فإنه نجح في إحياء جذوة الحراك الشعبي الذي كان المحرك الرئيسي للثورة، كما نجح في التذكير، مرة أخرى، بمبادئ الثورة التي رفعت شعار "الشعب يريد" ضد سلطة الاستبداد والفساد. وأخيراً، نجح في أن يجعل صوته رمزاً لضمير المجتمع، وهذا أكبر انتصار للرجل. وعكس ما قد يعتقد بعضهم، خرج المرزوقي من حملاته الانتخابية أقوى مما كان عليه، عندما كان رئيسا مؤقتا للجمهورية. ومؤكد أن وجوده، اليوم، خارج قصر قرطاج يجعله أقوى مما لو أنه أعيد انتخابه للمكوث فيه خمس سنوات أخرى. فالسنوات التي قضاها المرزوقي رئيساً مؤقتاً مدة سنة امتدت إلى ثلاث سنوات، أثرت على مصداقيته، كما أن ارتكانه إلى حركة النهضة ظهيراً سياسياً في الرئاسة، وفي الانتخابات، أضعفه، وأثر على حزبه الذي خرج مهزوماً في الانتخابات التشريعية. يضاف إلى ذلك أن صلاحيات الرئيس في النظام التونسي ضعيفة، وتضعف أكثر بوجود رئيس ضعيف من دون ظهير سياسي في البرلمان أو الشارع، كما كان أمر المرزقي، عندما كان رئيساً مؤقتاً، وكما كان سيكون لو أنه أعيد انتخابه في ظل شروط يوجد عليها حزبه اليوم، على الرغم من استقالته منه.

يجد المرزوقي، اليوم، نفسه أكثر تحرراً، بعدما انزاحت عنه مسؤولية الرئاسة. ويجد خطابه صدى أكبر في أوساط كل الفئات المعوزة والمهمشة التي ما زالت تؤمن بشعارات الثورة، ويشكل صوته أكبر إزعاج لخصومه، لما للرجل من مصداقية في الخارج. أما الشجاعة فلم تنقص المرزوقي يوماً، وهو الذي حمل روحه، ذات يوم على كفه، وترشح ضد الديكتاتور الهارب. لذلك كله، أقول إن المرزوقي لم ينته، لأنه يحمل الفكرة التي كانت وراء قيام الثورة، وما زالت لم تتحقق.

D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).