21 فبراير 2018
صوت الدم دائماً أقوى
دماءٌ تغطيها دماء، وأشلاء في ركابها أشلاء، وحزن متّشح بالسواد، والذهول سيد العلامات على وجوهٍ منكوبةٍ، تبحث عن تفسير ومعنى لقتل 45 مسلما في مطار إسطنبول، وقتل 20 إيطاليا ويابانيا في مطعم في بنغلاديش، وتفجير شاحنة مملوءة بالمتفجرات في شارع الكرادة في بغداد، الغاصّ بالمحلات التجارية قبيل العيد، وقتل 220 مواطنا بريئا. وأي رسالة وراء استهداف مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، وقتل سبعة من الصائمين في باحته الآمنة؟ ما هي الرسالة التي يريد الإرهاب الداعشي توقيعها بنهر الدم هذا الذي يتدفق في كل مكانٍ، تستطيع داعش الوصول إليه، وتجنيد انتحاريين فيه؟
الرسالة واضحة، وصلت قصة تنظيم الدولة الإسلامية إلى نهايتها، فكراً وسلاحاً وتنظيماً وشعبيةً وسيطرةً على الأرض، هذه العمليات المجنونة ليست عمليات من يدّعي أنه (باق ويتمدّد). الخسارات التي مُني بها تنظيم الدولة على كل الجبهات، في الأسابيع الأخيرة، جعلته ينتقل من الهجوم إلى الدفاع، ومن الدفاع إلى التراجع، ومن التراجع إلى خسارة مناطق شاسعة في العراق وسورية وليبيا. ومع خسارة الأرض، يخسر تنظيم البغدادي المتوحش مصادر التمويل ومنافذ العبور والقدرة على تجنيد مقاتلين جدد. لهذا يدفع بانتحارييه إلى أهدافٍ مدنيةٍ سهلةٍ، بغية الضغط على التحالف العربي والدولي، للانسحاب من المعركة ضده، محاولاً إظهار قوةٍ غير موجودة عنده، وتعويض خسائره الكبيرة ميدانياً بفرقعاتٍ إعلاميةٍ وذعرٍ يبثّه في قلوب الضعفاء من المواطنين. حال "داعش" اليوم مثل الحيوان المذبوح الذي يخرج آخر ما عنده من قوة، وهو يصارع الموت.
هذا أقصى ما يستطيع تنظيم داعش ارتكابه من مجازر، وهذه أقصى درجات جنونٍ يمكن أن يصل إليها تنظيمٌ مسلح، ورّط نفسه في إدارة رقعةٍ جغرافيةٍ محاصرةٍ، محاولاً بناء دولةٍ بمليشياتٍ مسلحةٍ، تعادي الشرق والغرب، ويصل الجنون بها إلى استهداف مسجد نبي الإسلام الذي يقصده للصلاة مسلمون من كل بقاع العالم، ومن كل المذاهب الفقهية على اختلافها.
في كل الحروب، هناك خطأ استراتيجي، يرتكبه طرف من أطراف الحرب، لا يعود بعده قادراً على وقف مسلسل هزائمه، أو استعادة زمام المبادرة، وخطأ داعش القاتل أنها تجرأت على الحرمات المقدسة للمسلمين في شهر الغفران. هذا خطأ لم يرتكبه تنظيم القاعدة من قبل، على الرغم من تطرّفه العقدي، ونزعته الإرهابية، لأنه يعرف أن قتل الأبرياء في الأماكن المقدسة خط أحمر، لكن داعش علمنا أنه يفعل أي شيء يخطر على باله، ولا يخطر على بال أحد، وهو منساق وراء التوحش وبث الرعب في قلوب الجميع. إن استهداف قبلة المسلمين سيجعل من تنظيم البغدادي عدواً للمؤمنين قبل غيرهم، وسينزع عنه ما بقي من رداءٍ كاذبٍ، يدّعي به الدفاع عن الإسلام أو أهل السنة عند عوام الناس اليائسين من استرجاع حقوقهم بالعقل، لا بالجنون.
يعتبر خبراء التنظيمات الإرهابية أن هذه تموت بعدة أسباب، منها موت الزعماء الملهمين وموت القضايا التي خرج التنظيم من أجلها والوصول إلى تسوياتٍ سياسيةٍ لنزاعاتٍ مسلحةٍ، لكن أكثر الأسباب تأثيراً على هذا النوع من التنظيمات المسلحة هو فقدان السند الشعبي، أو الحاضنة الاجتماعية. وهذا ما فقدته "داعش"، أول من أمس، وهي تقترب من مسجد النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال عنه الحق، سبحانه وتعالى، في كتابه "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" (سورة الأنبياء الآية 107): قال ابن عباس في تفسير هذه الرحمة التي تشمل العالمين، مؤمنين وغير مؤمنين: من آمن بالله واليوم الآخر، كتب له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن بالله ورسوله، عوفي مما أصاب الأمم من الخسف والقذف والغرق. (الطبري 18/552). وقال القاضي عياض في "الشفا" (1/91): "للمؤمن رحمة بالهداية، وللمنافق رحمة بالأمان من القتل، ورحمة للكافرين بتأخير العذاب".
الرسالة واضحة، وصلت قصة تنظيم الدولة الإسلامية إلى نهايتها، فكراً وسلاحاً وتنظيماً وشعبيةً وسيطرةً على الأرض، هذه العمليات المجنونة ليست عمليات من يدّعي أنه (باق ويتمدّد). الخسارات التي مُني بها تنظيم الدولة على كل الجبهات، في الأسابيع الأخيرة، جعلته ينتقل من الهجوم إلى الدفاع، ومن الدفاع إلى التراجع، ومن التراجع إلى خسارة مناطق شاسعة في العراق وسورية وليبيا. ومع خسارة الأرض، يخسر تنظيم البغدادي المتوحش مصادر التمويل ومنافذ العبور والقدرة على تجنيد مقاتلين جدد. لهذا يدفع بانتحارييه إلى أهدافٍ مدنيةٍ سهلةٍ، بغية الضغط على التحالف العربي والدولي، للانسحاب من المعركة ضده، محاولاً إظهار قوةٍ غير موجودة عنده، وتعويض خسائره الكبيرة ميدانياً بفرقعاتٍ إعلاميةٍ وذعرٍ يبثّه في قلوب الضعفاء من المواطنين. حال "داعش" اليوم مثل الحيوان المذبوح الذي يخرج آخر ما عنده من قوة، وهو يصارع الموت.
هذا أقصى ما يستطيع تنظيم داعش ارتكابه من مجازر، وهذه أقصى درجات جنونٍ يمكن أن يصل إليها تنظيمٌ مسلح، ورّط نفسه في إدارة رقعةٍ جغرافيةٍ محاصرةٍ، محاولاً بناء دولةٍ بمليشياتٍ مسلحةٍ، تعادي الشرق والغرب، ويصل الجنون بها إلى استهداف مسجد نبي الإسلام الذي يقصده للصلاة مسلمون من كل بقاع العالم، ومن كل المذاهب الفقهية على اختلافها.
في كل الحروب، هناك خطأ استراتيجي، يرتكبه طرف من أطراف الحرب، لا يعود بعده قادراً على وقف مسلسل هزائمه، أو استعادة زمام المبادرة، وخطأ داعش القاتل أنها تجرأت على الحرمات المقدسة للمسلمين في شهر الغفران. هذا خطأ لم يرتكبه تنظيم القاعدة من قبل، على الرغم من تطرّفه العقدي، ونزعته الإرهابية، لأنه يعرف أن قتل الأبرياء في الأماكن المقدسة خط أحمر، لكن داعش علمنا أنه يفعل أي شيء يخطر على باله، ولا يخطر على بال أحد، وهو منساق وراء التوحش وبث الرعب في قلوب الجميع. إن استهداف قبلة المسلمين سيجعل من تنظيم البغدادي عدواً للمؤمنين قبل غيرهم، وسينزع عنه ما بقي من رداءٍ كاذبٍ، يدّعي به الدفاع عن الإسلام أو أهل السنة عند عوام الناس اليائسين من استرجاع حقوقهم بالعقل، لا بالجنون.
يعتبر خبراء التنظيمات الإرهابية أن هذه تموت بعدة أسباب، منها موت الزعماء الملهمين وموت القضايا التي خرج التنظيم من أجلها والوصول إلى تسوياتٍ سياسيةٍ لنزاعاتٍ مسلحةٍ، لكن أكثر الأسباب تأثيراً على هذا النوع من التنظيمات المسلحة هو فقدان السند الشعبي، أو الحاضنة الاجتماعية. وهذا ما فقدته "داعش"، أول من أمس، وهي تقترب من مسجد النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال عنه الحق، سبحانه وتعالى، في كتابه "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" (سورة الأنبياء الآية 107): قال ابن عباس في تفسير هذه الرحمة التي تشمل العالمين، مؤمنين وغير مؤمنين: من آمن بالله واليوم الآخر، كتب له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن بالله ورسوله، عوفي مما أصاب الأمم من الخسف والقذف والغرق. (الطبري 18/552). وقال القاضي عياض في "الشفا" (1/91): "للمؤمن رحمة بالهداية، وللمنافق رحمة بالأمان من القتل، ورحمة للكافرين بتأخير العذاب".