صندوق مصر السيادي في خدمة الإمارات

01 يناير 2020
أطلق السيسي وبن زايد "منصّة استثمارية استراتيجية مشتركة" (الأناضول)
+ الخط -
لا تقتصر التعديلات التي اعتمدها مجلس الوزراء المصري بغية إدخالها على قانون الصندوق السيادي نهاية الأسبوع الماضي، على حماية التصرفات الباطلة وشبهات الفساد من الملاحقة القضائية، بل يمتد الأمر إلى تنفيذ وعود قطعها رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي لحكام دولة الإمارات في زيارته الأخيرة إليها، لزيادة ضمانات الأمان الخاصة باستثماراتهم المرتقب تدفقها على الصندوق السيادي. وكذلك توسيع طبيعة الكيانات التي يمكن للدولة المصرية استثمارها في الصندوق، لتشمل بصورة واضحة "كل الكيانات المملوكة للدولة أو الجهات التابعة لها، أو الشركات المملوكة لها، أو التي تساهم فيها أو يُعهد إلى الصندوق بإدارتها".

القانون الذي صدر العام الماضي كان يقتصر في تعامله على إعطاء الحق لرئيس الجمهورية بناءً على عرض رئيس الوزراء والوزير المختص، نقل ملكية أي من الأصول غير المستغلّة أو المستغلّة المملوكة للدولة ملكية خاصة أو للجهات التابعة لها شرط الاتفاق مع وزير المالية والوزير المختص، إلى الصندوق، مما يفتح الباب تلقائياً لخصخصة آلاف الكيانات الحكومية.

لكنّ هذا على ما يبدو لم يكن كافياً للحكام والمستثمرين الإماراتيين، فتمت إضافة عبارة "التي تساهم فيها الدولة"، مما يعني إضافة طيف واسع من الكيانات الاقتصادية التي تساهم فيها الدولة المصرية من خلال جهاتها التنفيذية أو شركاتها القابضة والتابعة ومؤسساتها، وحتى الجيش والمخابرات والأجهزة السيادية والأمنية الأخرى التي دخلت سوق الاستثمار بكثافة في عهد السيسي.

وكشف مصدر مطلع في مجلس الوزراء لـ"العربي الجديد"، أنّ "التعديلات تمّ وضعها على عجالة بتوجيهات مباشرة من السيسي بعد عودته من زيارته لأبو ظبي في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بهدف تلافي بعض المشاكل التي شغلت المستثمرين الإماراتيين وحكومتهم في الفترة الماضية بشأن استثماراتهم في مصر ومساعداتهم للنظام الحاكم".

وبحسب المصدر نفسه، فإنّ "المسؤولين الإماراتيين أبلغوا السيسي وعدداً من الوزراء المصريين خلال الزيارة، وقبلها خلال زيارة عدد من المستثمرين لمصر في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بأنهم غاضبون من الطريقة التي تدار بها المساعدات الإماراتية لمصر، سواء التي يتم تخصيصها للحكومة أو تلك التي يفوّض السيسي الجيش في التعامل معها، وأنّ مناخ الاستثمار في مصر، لا سيما في الصندوق السيادي، لا يتسم بالأمان الكافي".

وذكر المصدر أنّ "المسؤولين الإماراتيين تحدثوا عن سابقة اكتشافهم قصوراً ومخالفات وتجاوزات في مواعيد صرف بعض دفعات المساعدات، والمدى الزمني لتحقيق الاستفادة منها، وعدم توظيف بعضها في الأغراض المخصصة لها، وطلبوا من رئيس الوزراء مصطفى مدبولي اعتماد آلية للمراجعة المشتركة لبعض البنود المالية التي أسيء التصرف فيها، وفقاً لرؤيتهم".

وأكّد المصدر أنّه "لا يمكن الفصل بين تعديلات قانون الصندوق السيادي وبين التعديل الحكومي الأخير الذي طاول حقيبة الاستثمار والإطاحة بالوزيرة سحر نصر التي اعتبر السيسي ومدير المخابرات عباس كامل، وهو المسؤول الأول عن ملف الاستثمارات الإماراتية، أنها فشلت في السيطرة على مخاوف الإماراتيين، فضلاً عن دخولها في صراعات سرية مع محافظ البنك المركزي طارق عامر، ووزيرة التخطيط هالة السعيد، حول التصورات المستقبلية لعمل وأداء الصندوق السيادي تحديداً. ودفع ذلك السيسي إلى نقل الحقيبة إلى رئيس الوزراء مصطفى مدبولي نفسه، والذي يستعين حالياً باثنين من المستشارين للتواصل على مدار الأسبوع مع المستثمرين الخليجيين المستهدفين، ولاسيما الإماراتيين. ومن أجل الهدف ذاته، أعاد مدبولي إصدار القرارات الخاصة بتشكيل لجان فضّ المنازعات لضمان سرعة حلّ المشاكل العالقة، والتي لا ترتبط فقط بالمستثمرين الخليجيين، بل بجميع المستثمرين، إذ يتذرّع بعض المسؤولين الإماراتيين بأنّ عدم حلّ تلك المشاكل ينعكس بالسلب على سلامة الاستثمار في مصر".

وإلى جانب توسيع وتمدّد الصندوق السيادي ليشمل الشركات التي تساهم الدولة فيها، تلبّي التعديلات أيضاً طلباً مباشراً آخر من الإمارات بعدم الاعتماد على هيئة الخدمات الحكومية المصرية التابعة لوزارة المالية بشأن إجراء عملية تقييم الأصول "نظراً للمبالغة أحياناً في تقديرها"، بحسب المصدر نفسه، فتمت إضافة نصّ يمكّن الصندوق من إسناد عملية "تقييم الأصول في دفاتر الصندوق إلى أحد بيوت الخبرة العالمية، في الأحوال التي تقتضي ذلك"، مما يرجّح أنّ هذا الإجراء سيكون بناءً على طلب الطرف الثاني المتعاقد في الصندوق أو المستثمر فيه.

وفي إطار محاولات اجتذاب أكبر قدر من الاستثمارات بتسهيلات غير مسبوقة، قال المصدر إنّ الإمارات طلبت بوضوح إعفاءً ضريبياً كاملاً لعمليات الاستحواذ والشراء والبيع من خلال الصندوق، لكن الحكومة المصرية، وبعد مفاوضات لأسبوعين، أقرّت تسهيلاً استثنائياً بشأن القوانين الضريبية، بالنصّ في المشروع على ردّ الضريبة على القيمة المضافة التي تسدّد من الصناديق الفرعية، أو الشركات التي يساهم فيها الصندوق بنسبة تزيد على 50 في المائة من رأسمالها. علماً أنّ القانون عند صدوره كان يعفي من الضريبة العمليات بين الصندوق والصناديق الفرعية فقط، ولم يكن يعفي الصناديق الفرعية والشركات التي يساهم فيها الصندوق من كل الضرائب والرسوم، باستثناء توزيعات الأرباح، فضلاً عن استحداث الإعفاء من رسوم الشهر العقاري لعمليات نقل الكيانات للصندوق.

ولا يمكن رصد أسباب وآثار النصّ الجديد الذي سيتم وضعه في القانون، بقصر الطعن في قرارات رئيس الجمهورية بنقل ملكية الأصول إلى الصندوق، أو الإجراءات التي اتخذت بناء على ذلك، ويقتصر هذا الأمر على الجهة المالكة أو الصندوق المنقولة له ملكية ذلك الأصل دون غيرهما. فضلاً عن منع رفع دعاوى بطلان العقود إلا من أطراف التعاقد دون غيرهم، علماً بأنّ فكرة تحصين العقود الإدارية، كما نصّ عليها للمرة الأولى القانون 32 لسنة 2014، كانت فكرة إماراتية بحتة، إذ كان قد أعلن عنها المستثمرون الإماراتيون قبل مناقشتها في مجلس الوزراء المصري آنذاك وإصدارها بواسطة الرئيس المؤقت عدلي منصور حينها.

وكانت حجة المستثمرين الإماراتيين وقتها تخوفهم من استمرار إصدار أحكام بطلان العقود من القضاء الإداري. لكن هذه المرة، يكرر نظام السيسي هذا التنظيم الشاذ الذي يحمي الفساد من منطلق "تشجيع الاستثمار الأجنبي"، بحسب المصدر المطلع الذي قال إنّ "فكرة تحصين العقود باتت من أولويات أي مستثمر أجنبي في مصر، بسبب التنازل السابق عن حق القضاء في الرقابة عليها".

ووفقاً للنصّ الذي وافق عليه مجلس الوزراء، فإنه يتوجّب على المحاكم من تلقاء نفسها عدم قبول الطعون أو الدعاوى المتعلقة بتلك المنازعات، طالما أنها أتت من أشخاص غير متعاقدين، سواء كانوا من العاملين في الكيانات التي سيتم بيعها أو استثمارها أو حتى من الكيانات المنافسة.

ويسمح قانون صندوق مصر السيادي باستغلال واستثمار وبيع الأملاك العامة التي من المفترض دستورياً أنّ الدولة تديرها بالنيابة عن الشعب، بحجة أنّ تلك الأملاك هي أصول غير مستغلة، وأنّ الدولة عاجزة عن استغلالها بالصورة المثلى. إذ سيتم نقلها بعد تطبيق القانون عليها بقرار جمهوري، من حيز الملكية العامة إلى الحيز الخاص، وستضفى عليها صفة أنها من أملاك الدولة الخاصة، ما يعني أنّ حصيلة استغلال تلك الأملاك لن تخصص للمنفعة العامة، بل سيعاد تدويرها واستغلالها في أنشطة الصندوق الأخرى التي ستمارس بمعزل تام عن الأجهزة الرقابية.

وأجرت وزارتا التخطيط والاستثمار اتصالات مع الإمارات والسعودية طوال العامين الماضيين، لإتمام شراكات استثمارية بين الصندوق المصري وبعض الصناديق الاستثمارية في تلك الدول، وذلك بهدف تأسيس صناديق مشتركة أو شركات مساهمة، تخرج بأصول الصندوق تماماً من نطاق الأملاك الحكومية. وستصبح تلك الصناديق أو الشركات مملوكة من "أشخاص القانون الخاص" (عمال وأرباب عمل ممثلين عن طريق الشركات التجارية والصناعية) في مصر، أياً كانت نسبة مشاركة الدولة فيها، وفقاً للمادتين 13 و14 من القانون، والذي يجيز لرئيس الجمهورية أن يصدر قراراً بنقل ملكية أي من الأصول غير المستغلة المملوكة ملكية خاصة للدولة أو لأي من الجهات أو الشركات التابعة لها، إلى ملكية هذا الصندوق، أو أي من الصناديق التي يؤسسها والمملوكة له بالكامل.

وبحسب تقارير سابقة لهيئات محاسبة، فإنّ من بين الأصول التي من الممكن التصرّف بها الآن، الأراضي المملوكة لشركات "الحديد والصلب المصرية" (بقيمة 500 مليون جنيه)، و"النصر لصناعة الكوك" (الفحم)، و"النصر لصناعة المطروقات"، و"الأهلية للإسمنت" في أبو زعبل، و"المصرية للجبسيات"، و"القابضة للغزل والنسيج" وشركاتها في المحافظات، و"القابضة للنقل البحري والبري"، و"القابضة للتأمين"، و"القابضة للتشييد والتعمير"، و"القابضة للأدوية"، و"القومية للإسمنت" (منها 800 فدان في حلوان).

وأعلن مجلس الوزراء المصري عن تعديلات قانون الصندوق السيادي، بعد نحو شهر من إطلاق السيسي وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، ما وُصف بـ"منصّة استثمارية استراتيجية مشتركة" في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بقيمة 20 مليار دولار، مناصفةً عبر شركة "أبوظبي التنموية القابضة"، وصندوق مصر السيادي. و"القابضة" التي يرأس مجلس إدارتها الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، ورئيسها التنفيذي هو محمد حسن السويدي القيادي السابق في شركة "مبادلة"، التابعة للصندوق السيادي لأبو ظبي، تأسست عام 2018، وهو عام تأسيس الصندوق السيادي المصري.

وبعد عملية الإطلاق مباشرة، قالت وزيرة التخطيط هالة السعيد، الشهر الماضي، إنّ نسب المساهمة في المنصة ستتوزع بواقع 50 في المائة لكل طرف، على أن تسهم مصر بأصول عينية، تعادل 10 مليارات دولار (نحو 160 مليار جنيه) مقابل توفير شركة أبو ظبي التنموية القابضة، ممثلة عن الجانب الإماراتي، سيولة مالية بالقيمة نفسها، إلا إذا تم الاتفاق على خلاف ذلك، وأن المرحلة الأولى تتضمن إنشاء ثلاثة صناديق فرعية في مجالات الصناعة الزراعية والقطاعات المالية والسياحة، كاشفةً عن أنّ مدة الاتفاق تتراوح بين 7 و10 سنوات.

المساهمون