19 يوليو 2019
صندوق النقد بين الأخطاء والفشل
أحمد البهائي (مصر)
وافق المجلس التنفيذى لصندوق النقد الدولي على المراجعة الأولى لأداء الاقتصاد المصري التي أجراها في مايو/ أيار الماضي، بشأن تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي. وأعلن، في تقرير الموافقة، أنّ السلطات المصرية قد أثبتت عزماً قوياً على احتواء المخاطر التي يتضمنها تنفيذ برنامجها للإصلاح، وأنه تمّ الانتقال إلى سعر صرفٍ مرن بسلاسة، وقضى على السوق الموازية تقريباً، كما أسهم البرنامج في زيادة احتياطيات البنك المركزي بشكل ملحوظ، مضيفاً "أنّ وجود نظام مرن لسعر الصرف، وسياسة نقدية قوية، والتزام مستمر من الحكومة بمواصلة إصلاح النظام المالي سيساعد في صقل السياسات العامة للدولة".
بعد مرور عام تقريباً، نجد أن صندوق النقد الدولي، على الرغم مما يمتلكه من خبرات، وقع في مجموعة من الأخطاء التي قد تؤهله إلى الفشل في إنجاح السياسات المالية والنقدية بشأن الإصلاحات في مصر.
ومن أول أخطائه: تشخيص التضخم في مصر على أنه تضخم "نقدي"، ناجم عن إفراط السلطات النقدية في عرض النقود، كذلك على أنّ التضخم ناتج عن التشوّهات في هيكل الأسعار المحلية، نتيجة تدخل الدولـة في النشاط الاقتصادي والتحديد الإداري لأسعار السلع والخدمات، والحل من وجهة نظر الصندوق من خلال سياسة إدارة الطلـب، من دون النظر إلى طبيعة التضخم وأركان الفجوة التضخمية، متجاهلاً أنّ التضخم في مصر لا يرجع إلى الاختلالات القائمة في جوانب السياسة النقدية فحسب، بل تساندها اختلالاتٌ هيكلية، كالاختلال في بنيان هيكل قطاع التجارة الخارجية، والذي يتجلى من خلال اعتماد الاقتصاد الوطني على تصدير سلع محدودة، خصوصا الصادرات الزراعية وبعض المواد الأولية، وارتفاع حجم الواردات، سواء كانت سلعاً جـاهزة ومواد أولية أو الواردات من الآلات والتجهيزات ومعدات الإنتاج الصناعي والزراعي وغيرهـا، وانخفاض نسبة تمويل الصادرات للواردات، مـا تسبّب في تفاقم العجز في ميزان المدفوعات. كذلك اختلال علاقة النمو بين قطاعات الاقتصاد الوطني، حيث شهدت قطاعات الإنتاج السلعي انخفاضاً فـي نـسبة مساهمتها في إجمالي الناتج المحلي بالأسعار الجارية، بينمـا شـهدت قطاعات التجارة والخدمات ارتفاعاً في نسبة مساهمتها في إجمالي الناتج المحلي، وقد أدت تلك الاختلالات إلى تفاقم مشكلة الغذاء.
كذلك أيضاً عدم وجود سوق منظمة لتداول الأوراق المالية، تساهم في تحقيق الاستقرار في مستويات الأسعار المحلية، من خلال الدور الذي تلعبه في تعبئة المدخرات المحلية. إذن، ضبط معدلات التضخم وتحقيق الاستقرار في مستويات الأسعار المحلية في الاقتصاد لا يمكن تحقيقه فقط من خلال سياسة إدارة الطلـب وحدها، حسب وجهة نظر الصندوق، بل من خلال سياسة إدارة العرض معاً.
كذلك من أخطاء الصندوق، الطلب من السلطة الحكومية تخفيض القيمة الخارجية للعملة الوطنية، من دون وضع تقييم حقيقي لقيمتها، وترك العملة الوطنية تسبح من دون أن يحدّد لها سعر صرف مرن، حيث طبّق عليها قوانين سباحة العملات (التعويم) التي تمتاز بالإنتاجية والتشغيل الصناعي الكامل، وهذا ما يفتقر إليه الاقتصاد الوطني، على الرغم من تصريح الصندوق، أخيرا، إنّ هناك تخبّطاً وتناقضاً، عن الانتقال إلى سعر صرف مرن بسلاسة! وهذا لم يحدث، حتى الآن، حيث كان من المفروض، بعد ثلاثة أشهر من قرار تحرير سعر الصرف، أن تهبط قيمة الدولار الواحد من 18 جنيهاً إلى 16 جنيهاً، وفي نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، يجب أن لا يتعدى الدولار حاجز 14 جنيهاً مصرياً، مع العلم أنّه لم يعلن، حتى الآن، عن تحديد أي سعر صرف مرن للعملة الوطنية من السلطة النقدية المصرية، بل ما أعلن عنه هو تعويم حر للجنيه.
ومن أخطاء صندوق النقد الدولي، اعتماده على نتائج أبحاث ودراسات لم تكن جادة في تحديد مدى نجاح سياسة تخفيض القيمـة الخارجيـة للعملـة الوطنية في تحقيق تحسن في ميزان المدفوعات، فقد أخفقت الدراسات في تحديد درجة مرونة الطلب الخارجي على الصادرات المحلية، وكذلك مدى قبول المواطن على الإنتاج المحلي، حيث إنّ ارتفاع درجة مرونـة الطلـب الخـارجي علـى المنتجات الوطنية نتيجة انخفاض أسعارها، مقارنة بالسلع المنافسة في السوق الدولية يساعد على زيادة الـصادرات، وبالتالي زيادة الحصيلة من النقد الأجنبي. ما حدث أن مرونة الطلب الخارجي على المنتجات الوطنية لم يحدث فيها تغيير بالقدر الذي يعكس فعالية سياسة تخفيض قيمة العملـة الوطنية، وذلك لانخفاض قدرتها التنافسية في السوق الدولية لأسباب تجاهلها الصندوق.
وأخطأ الصندوق، حين دمج المرحلتين، الأولى والثانية، وتنفيذهما معاً مباشرة وفي وقت واحد من برامج الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي أقرها، وذلك بالموافقة على برنامج الإنعـاش الاقتـصادي للمرحلة الثانية المتمثل في: إطـار تـسهيل الاسـتعداد الائتمـاني، والاتفاق مع البنك الدولي في إطار البرنامج، واتفاق مع بعض الحكومات الأجنبية المانحة في إطار تـسهيل الديون، وذلك في وقت كان من الواجب عليه الانتهاء أولاً من تنفيذ بنود المرحلة الأولى قبل البدء بالمرحلة الثانية، تلك البنود المتعلقة بوقف التدهور ومنـع انهيـار البنـاء الاقتـصادي والاجتماعي والمؤسساتي للمجتمع المصري.
بعد مرور عام تقريباً، نجد أن صندوق النقد الدولي، على الرغم مما يمتلكه من خبرات، وقع في مجموعة من الأخطاء التي قد تؤهله إلى الفشل في إنجاح السياسات المالية والنقدية بشأن الإصلاحات في مصر.
ومن أول أخطائه: تشخيص التضخم في مصر على أنه تضخم "نقدي"، ناجم عن إفراط السلطات النقدية في عرض النقود، كذلك على أنّ التضخم ناتج عن التشوّهات في هيكل الأسعار المحلية، نتيجة تدخل الدولـة في النشاط الاقتصادي والتحديد الإداري لأسعار السلع والخدمات، والحل من وجهة نظر الصندوق من خلال سياسة إدارة الطلـب، من دون النظر إلى طبيعة التضخم وأركان الفجوة التضخمية، متجاهلاً أنّ التضخم في مصر لا يرجع إلى الاختلالات القائمة في جوانب السياسة النقدية فحسب، بل تساندها اختلالاتٌ هيكلية، كالاختلال في بنيان هيكل قطاع التجارة الخارجية، والذي يتجلى من خلال اعتماد الاقتصاد الوطني على تصدير سلع محدودة، خصوصا الصادرات الزراعية وبعض المواد الأولية، وارتفاع حجم الواردات، سواء كانت سلعاً جـاهزة ومواد أولية أو الواردات من الآلات والتجهيزات ومعدات الإنتاج الصناعي والزراعي وغيرهـا، وانخفاض نسبة تمويل الصادرات للواردات، مـا تسبّب في تفاقم العجز في ميزان المدفوعات. كذلك اختلال علاقة النمو بين قطاعات الاقتصاد الوطني، حيث شهدت قطاعات الإنتاج السلعي انخفاضاً فـي نـسبة مساهمتها في إجمالي الناتج المحلي بالأسعار الجارية، بينمـا شـهدت قطاعات التجارة والخدمات ارتفاعاً في نسبة مساهمتها في إجمالي الناتج المحلي، وقد أدت تلك الاختلالات إلى تفاقم مشكلة الغذاء.
كذلك أيضاً عدم وجود سوق منظمة لتداول الأوراق المالية، تساهم في تحقيق الاستقرار في مستويات الأسعار المحلية، من خلال الدور الذي تلعبه في تعبئة المدخرات المحلية. إذن، ضبط معدلات التضخم وتحقيق الاستقرار في مستويات الأسعار المحلية في الاقتصاد لا يمكن تحقيقه فقط من خلال سياسة إدارة الطلـب وحدها، حسب وجهة نظر الصندوق، بل من خلال سياسة إدارة العرض معاً.
كذلك من أخطاء الصندوق، الطلب من السلطة الحكومية تخفيض القيمة الخارجية للعملة الوطنية، من دون وضع تقييم حقيقي لقيمتها، وترك العملة الوطنية تسبح من دون أن يحدّد لها سعر صرف مرن، حيث طبّق عليها قوانين سباحة العملات (التعويم) التي تمتاز بالإنتاجية والتشغيل الصناعي الكامل، وهذا ما يفتقر إليه الاقتصاد الوطني، على الرغم من تصريح الصندوق، أخيرا، إنّ هناك تخبّطاً وتناقضاً، عن الانتقال إلى سعر صرف مرن بسلاسة! وهذا لم يحدث، حتى الآن، حيث كان من المفروض، بعد ثلاثة أشهر من قرار تحرير سعر الصرف، أن تهبط قيمة الدولار الواحد من 18 جنيهاً إلى 16 جنيهاً، وفي نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، يجب أن لا يتعدى الدولار حاجز 14 جنيهاً مصرياً، مع العلم أنّه لم يعلن، حتى الآن، عن تحديد أي سعر صرف مرن للعملة الوطنية من السلطة النقدية المصرية، بل ما أعلن عنه هو تعويم حر للجنيه.
ومن أخطاء صندوق النقد الدولي، اعتماده على نتائج أبحاث ودراسات لم تكن جادة في تحديد مدى نجاح سياسة تخفيض القيمـة الخارجيـة للعملـة الوطنية في تحقيق تحسن في ميزان المدفوعات، فقد أخفقت الدراسات في تحديد درجة مرونة الطلب الخارجي على الصادرات المحلية، وكذلك مدى قبول المواطن على الإنتاج المحلي، حيث إنّ ارتفاع درجة مرونـة الطلـب الخـارجي علـى المنتجات الوطنية نتيجة انخفاض أسعارها، مقارنة بالسلع المنافسة في السوق الدولية يساعد على زيادة الـصادرات، وبالتالي زيادة الحصيلة من النقد الأجنبي. ما حدث أن مرونة الطلب الخارجي على المنتجات الوطنية لم يحدث فيها تغيير بالقدر الذي يعكس فعالية سياسة تخفيض قيمة العملـة الوطنية، وذلك لانخفاض قدرتها التنافسية في السوق الدولية لأسباب تجاهلها الصندوق.
وأخطأ الصندوق، حين دمج المرحلتين، الأولى والثانية، وتنفيذهما معاً مباشرة وفي وقت واحد من برامج الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي أقرها، وذلك بالموافقة على برنامج الإنعـاش الاقتـصادي للمرحلة الثانية المتمثل في: إطـار تـسهيل الاسـتعداد الائتمـاني، والاتفاق مع البنك الدولي في إطار البرنامج، واتفاق مع بعض الحكومات الأجنبية المانحة في إطار تـسهيل الديون، وذلك في وقت كان من الواجب عليه الانتهاء أولاً من تنفيذ بنود المرحلة الأولى قبل البدء بالمرحلة الثانية، تلك البنود المتعلقة بوقف التدهور ومنـع انهيـار البنـاء الاقتـصادي والاجتماعي والمؤسساتي للمجتمع المصري.
مقالات أخرى
03 مايو 2019
21 ابريل 2019
07 مارس 2019