مشروعية التعديلات الدستورية

03 مايو 2019
+ الخط -
یرى أفلاطون في كتابه، القوانین، وجوب توزیع وظائف الدولة على هیئات مختلفة، بناء على التوازن، حتى لا تنفرد هیئة واحدة بالحكم، وكذا لعدم المساس بسلطة الشعب، ومنع أیة هیئة من الانحراف والاستبداد، وهو ما قد یؤدي إلى التمرد والاضطرابات، بل حتى الانقلابات والثورات.
عندما تتمعن في الدستور المصري، تجده بعيدا كل البعد عن الدساتير المرنة (يتم تعديله بالإجراءات نفسها التي تعدل بها القوانين العادية)، إذ يصنّف في خانة الدساتير الجامدة، أي أن إجراءات تعديله مغايرة للتي يتم عن طريقها تعديل الدساتير المرنة. فحسب وصف تلك الدساتير، يكون بعيدا عن التغييرات المستمرة لضمان قدر من الثبات والاستقرار له، وبالتالي تمتعه بنوع من الحصانة إزاء السلطتين، التنفيذية والتشريعية، فلا يكون من حقها الإعتداء عليه بسهولة، سواء بالتعديل أو الإلغاء. وما زاد التعجب أنّ هذا الجمود والصعوبة والتشدّد بالإجراءات سرعان ما تبخرت أمام إرادة الحاكم أو الفئة المهيمنة على الحياة السياسية في مصر، عندما اقتضت مصلحتها التعديل الدستوري. وما يؤكد هذا الجمود الشكلي للدستور أنّ اللجان الفنية الواضعة له تم اختيارها وتكليفها من الفئة المهيمنة، وبالتالي لا شك أنّ صناعة الدستور ونشأته هي صناعة إرادة السلطة التنفيذية الحاكمة، فإذا كان وضع الدستور يرجع إلى إرادة السلطة التنفيذية، فإن عملية بناء الدستور ومراجعته تعمل على تجميع السلطة بالمفهوم الفعلي في يد السلطة التنفيذية واحتكارها لصالح التعديل، وهذا هو ما تحقق بالفعل.
ومن هنا، لجأت الفئة المهيمنة على الحياة السياسية الى تعديل الدستور، بدلا من خرق القاعدة الدستورية في تمرير ما تريده، فعلى الرغم من طبيعة الدستور وصرامة الإجراءات المتبعة في التعديل، إلا أنه تم خرقها بإتباع قواعد موضوعية وإجرائية في التعديل لا تتسم بالديمقراطية، وسرعان ما تم الالتفاف حولها، فقد لجأت السلطة التنفيذية إلى تعديل في القواعد الدستورية خدمة لتكريس بقاء السلطة القائمة، واحتكار السلطات لتكون المهيمنة والمسيطرة عليها، كتعديل القاعدة الدستورية التي تنص على الحد من الفترات الرئاسية المسموح بها، كذلك التعديلات التي تسمح بتوغل واستحواذ واضح من السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، على الرغم من القاعدة الدستورية التي تنص على استقلالية القضاء. وهذا تجده من خلال التعديلات التي تنص على تدخل رئيس الجمهورية في تعيين القضاة بموجب مرسوم رئاسي، وكذلك رئاسة رئيس الجمهورية للمجلس الأعلى للقضاء وهيمنته عليه، وأيضا هو من يقوم بتعيين النائب العام ويختار رئيس المحكمة الدستورية ويعين نائب رئيس المحكمة الدستورية، ويعين رئيس هيئة المفوضين وأعضاءها، ما یؤكد من خلال تلك التعديلات أنّ أعضاء السلطة القضائیة مسؤولون أمام السلطة التنفیذیة الممثلة في رئيس الجمهورية بل وموظفون يخضعون لسلطتها، وهذا ما یجعلهم في علاقة تبعیة للسلطة التنفيذية، ما يؤثر على استقلالية قرارات تلك الجهات، لنعرف أنّ عملية التعديل الدستوري لا تحقق أهميتها المنشودة أو أهدافها المرجوة، إذا لم تحترم سلطة التعديل اختصاصها، وتتقيّد بإجراءات التعديل المنصوص عليها في الدستور، وهذا ما لم يحصل.
وفي سياق دراسة العلاقة بين السلطات في الدستور، نجد أن التعديلات الدستورية لا تعطي مبدأ الفصل بين السلطات أي اهتمام، حيث بنيت العلاقة بين السلطتين، التشريعية والتنفيذية، لتكون في مصلحة الأخيرة، مع تركيز خاص على دور رئيس الدولة في إدارة العملية السياسية برمتها، وما يسري على العلاقة بين السلطتين، التشريعية والتنفيذية، يسري، وبالقدر نفسه، بل أكثر، على العلاقة بين السلطتين، التنفيذية والقضائية، التي تتميز بهيمنة الأولى على الثانية هيمنة مطلقة، لتبقى فكرة الفصل بين السلطات نظرية في الدستور المصري، فهي حقيقة واقعة في النظم الديمقراطية الليبرالية خصوصا، لكنها إطار هيكلي وبنيوي وشكلي فقط في دستورنا.
كيف يمكن أن نقول بعد ذلك "الشعب مصدر كل سلطة"؟ مع هذا الوضع، تصبح تلك المقولة خاطئة، لأنه لا يمكن أن يطبق ذلك إلا في دولة مجتمعها أقوى من سلطاتها، فهو يختارها ويراقبها ويحصّن قواعد الدستور السليمة، أما المجتمعات التي ما زالت السلطات فيها ترى نفسها سيدة وحاكمة، ويجب أن تخدمها شعوبها، فإنها في حاجة إلى النظر في بنائها كليا، ذلك أن الشعوب يخدمها حكامها وليس العكس، لنتساءل: لماذا لم يؤخذ رأي المحكمة الدستورية العليا في نص التعديلات الدستورية؟
السلطة التي تحترم شعبها، دائما وأبدا، تجعل رقابة مشروعية التعديل الدستوري من اختصاص المحكمة الدستورية بالتفسير، مقيدة بالالتزام بنطاق النص الدستوري المراد تعديله أو الإضافة عليه، ليشمل الرقابة كذلك على التعديلات الدستورية من الناحية الموضوعية والإجرائية، بحيث تتم الرقابة الإجرائية في ضوء مدى احترام التعديلات الدستورية القواعد التي يحددها الدستور لتعديله، لأن تعديل النص الدستوري يكون وفق الإجراءات المحددة في الدستور، بينما تتم الرقابة الموضوعية عند قيامها بتفسير النصوص الدستورية، وأن توضح النص الغامض، بعدم الخلط بين التفسير والتعديل، وهذا هو ما لم تردْه السلطة المهيمنة في مصر.
04962194-B326-404B-8E6A-BE9981B50615
04962194-B326-404B-8E6A-BE9981B50615
أحمد البهائي (مصر)
أحمد البهائي (مصر)