صناعة السيارات الخشبية في غزة

21 اغسطس 2016
سليم المدهون (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -
يكسر الفنان الفلسطيني الشاب، سليم المدهون، (23 عاماً) من شمال قطاع غزة، القاعدة التي تقول "إن الجماد لا يتكلم، أو لا يتحرك"، إذ أنطق الأخشاب بعد تمكنه من تشكيلها على هيئة عربات وشاحنات وسيارات سباق. ولم يقف أمام طموح الفنان الفلسطيني الهاوي الواقع الاقتصادي والحياتي الصعب في القطاع، والحصار المطبق من الاحتلال الإسرائيلي، والانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي، وغلاء المواد الخام، وانعدام وجود بعض الآلات، بل صَمّم على تنفيذ أفكاره، رغم قلة الإمكانات. أي أنه حاول أن يصقل موهبته بالاعتماد على ما هو متوفّر في القطاع.

تلك الأفكار التي ما انفكت تراود عقله منذ بدء عمله عام 2007 مع شقيقه داخل منجرة الموبيليا الخاصة بهم، حتى بدأ بتنفيذ أولى الخطوات، عبر صناعة مجسم فني لمقلمة أطفال، تحوى زوايا عديدة للقرطاسية، تلاها صناعة مجموعة مجسمات لسيارات وعربات.
ويقول سليم المدهون لـ"العربي الجديد"، إنّ حكايته مع الأخشاب بدأت مع صناعة الخزن وأطقم النوم والطاولات والأبواب والكراسي والشبابيك، أي في صناعة الأشكال الوظيفية التي تمتلك دوراً واقعياً عملياً فقط، لكنه لم يكن مقتنعاً بعمله، حتى بدأ باحتراف صناعة القطع الفنية. ويلفت المدهون بأنه يصنع ويصلّح آلات موسيقية، ويستطيع صناعة أي مجسم أو قطعة أو مخطط من الأخشاب، أياً كان حجمها.

الهواية التي احتلت عقل الفنان الهاوي دفعته إلى تصفح المواقع الأجنبية، التي تقدم دروساً في صناعة الآلات الموسيقية، والقطع الخشبية الفنية، والتي تحتوي كذلك على مخططات لتلك القطع، وخطوات عملية لتطبيقها، موضحاً أنه كان يأخذ الأفكار العامة من المواقع، لكنه كان يقوم بتنفيذها عبر طرقه الخاصة.
العقبات لعبت دوراً أساسياً في مشوار المدهون، وبدأت بعقبة عدم وجود مكان خاص بصناعة السيارات الخشبية الصغيرة، والصعوبات المادية التي تمنعه من الحصول على مكان واسع يزاول فيها هوايته، لكنه تغلب عليها عبر استخدام ماكينة "الجاكسون"، والتي أعطته جودة تقدر بنسبة 70% من الجودة المطلوبة. وبعد ذلك، قام المدهون بتصنيع ماكينة "الآركت"، ومهمتها تخريط القطع، وصناعة الأشكال الزخرفية والهندسية والفنية.

العقبة الثانية التي واجهته، كانت غلاء أسعار الأخشاب، إلى جانب عدم توفر كل أصناف الأخشاب المطلوبة، مثل خشب النيبل الأبيض، والورود الهندية، لافتاً الى أنه يستخدم بدلاً عنها خشب "الماهوجني" والزان الطبيعي و"السويد" وخشب البلوط، إضافة إلى إشكالية البضائع الصينية التجارية، والتي تباع بأسعار أرخص، لأنها مصنوعة آلياً وبجودة أقل. حيث أن تكلف الصناعة المحلية أكثر بكثير من البضاعة المصنوعة في الصين.

صناعة السيارة الخشبية الفنية تمر عبر عدة مراحل وعدة ماكينات، يقول المدهون "أقوم بصناعة القاعدة عبر منشار الكرايزك، وعجلات السيارة عبر المقدح الثابت. وأصنع الجناح والصدام عبر منشار الآركت، والكابينة وواجهة السيارة عن طريق أوراق السنفرة وماكينة الجاكسون. وأقوم بالنهاية، بوضع بعض اللمسات الفنية، عبر الإزميل والمبرد، وبعد ذلك يتم دهن المجسم بدهان السيارات".

ويشير إلى أنه صنع مجموعة من السيارات الخشبية، كان من بينها، قطار طويل وسيارات شخصية وسيارات كلاسيكية صغيرة وسيارات نقل بضائع وسيارات "مرسيدس" و"فولفو"، إضافة إلى سيارات عسكرية. وصنع عدداً من القطع الخشبية الفنية، كالأقلام والمجسمات والزخارف.
ويحلم الفنان الهاوي بصناعة سيارة "مرسيدس" كبيرة تعمل على الطاقة الشمسية، لكن هنالك عدة إشكاليات تقف أمام حلمه، أولها عدم وجود جهات حاضنة للأفكار الريادية، كذلك منع الاحتلال الإسرائيلي لدخول خشب "النيبل" المقاوم للمياه، لكنه يقول "سأظل وراء هذا الحلم، حتى أتمكن من تحقيقه".


المساهمون