13 يونيو 2021
صناعة الدكتاتورية في أفريقيا
استبشر الأفارقة خيراً، منذ تسعينيات القرن الماضي، بتحول بلادهم إلى الديمقراطية، على غرار بلدان أوروبا الشرقية السابقة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، مما يعني تخلص أبنائها من حكم الحزب الواحد الذي ظل جاثماً على الصدور منذ استقلال معظم هذه الدول في الستينيات. وبالفعل، شهدت دولٌ أفريقيةٌ عملية تداول سلطةٍ حقيقية، مثل جنوب أفريقيا وغانا وزيمبابوي. لكن، لم تزد نسبتها عن 23% فقط عام 2004، في حين تراوحت النسبة الباقية بين تحولات شكلية (44%) أو عدم حدوث تحولات بالمرة (33%).
وكانت الدول الغربية والولايات المتحدة من أهم أدوات الضغط على هذه الأنظمة الاستبدادية، لإجبارها على القيام بعملية التحوّل الديمقراطي، واستغلال صندوق النقد والبنك الدوليين في هذا الشأن للثواب والعقاب، إلا أن هذه الأقنعة الدولية تكشفت وتحطمت على صخرة المصالح الاقتصادية، التي ربما تتعارض مع مبادئ الديمقراطية. ففي حينها، تغض الدول الكبرى الطرف عن مفاهيم الديمقراطية وتداول السلطة، فوجدنا الخارجية الفرنسية لا تنحاز للثورة التونسية عام 2011، كما أن واشنطن ظلت متمسكةً، حتى اللحظة الأخيرة، بحليف إسرائيل الاستراتيجي، حسني مبارك، فضلا عن تأييدها الانقلاب عن أول تجربة ديمقراطية حقيقية تشهدها مصر بعد الثورة، في حين رهنت إيطاليا تأييدها الثورة ضد القذافي بحفاظ المجلس الثوري الليبي على مصالحها الاقتصادية السابقة، وغير ذلك كثير.
وإذا كانت هذه هي النظرة الأوروبية والأميركية في التعامل مع القارة السمراء، فإنها لم تختلف كثيراً عن نظرة القيادة الأفريقية والمؤسسات الأفريقية المنبثقة عنها، مثل منظمة الوحدة الأفريقية أو الاتحاد الأفريقي، فوفقا لقاعدة فاقد الشيء لا يعطيه، فإن الأنظمة المستبدّة لا يمكن أن تساهم في إيجاد مؤسساتٍ تستهدف الإطاحة بها، ففكرة الاتحاد الأفريقي، الذي كان معمر القذافي أحد داعميها، لا يُتوقع أن تنصّ على مبدأ التدول السلمي للسلطة، لا سيما وأن ليبيا لا تعرف حتى فكرة الديمقراطية الشكلية، التي ربما لجأت إليها أنظمة أخرى، للهروب من الضغوط الخارجية. وحتى بالنسبة لمبدأ عدم جواز الوصول إلى السلطة بطريقةٍ غير دستورية، والذي تم إقراره في ميثاق الاتحاد الأفريقي، نراه يتم تطبيقه بصورة ربما تُفرغه من محتواه الحقيقي، فإذا كان المبدأ ينص على رفض فكرة الانقلابات العسكرية، إلا أنه يُكتفى فقط بتعليق عضوية الدولة التي شهدت الانقلاب، من دون فرض عقوباتٍ عليها، أو حتى حرمان الانقلابيين من المشاركة في العملية الديمقراطية التالية للانتخاب، بل يتم رفع العقوبات فور وصول هؤلاء الانقلابيين إلى السلطة في زيٍّ مدنيٍّ من خلال انتخاباتٍ مشكوكٍ في صحتها بصورةٍ كبيرة، وقد حدث هذا في حالات موريتانيا وموريشيوس ومصر.
وليت الأمر يقتصر على ذلك، بل وجدنا أن القادة الأفارقة يعارضون بشدة فكرة محاكمة
الرؤساء في أثناء توليهم الحكم، مهما كان حجم الجرائم التي ارتكبوها بحق شعوبهم. لذا، كانت هناك معارضة أفريقية لمثول الرئيس السوداني، عمر البشير، أمام المحكمة الجنائية الدولية عام 2008، بعد اتهامه بارتكاب جرائم حرب في دارفور، بل إن قادةً أفارقةً، في قمة أديس أبابا في يناير/ كانون الثاني الماضي، اقترحوا فكرة الانسحاب التدريجي من معاهدة روما المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية، بدعوى أن هذه المحكمة منحازة ضد الأفارقة فقط!، بل من مفارقات القمة التي رفعت شعار 2016 عام حقوق الإنسان في أفريقيا، بمناسبة مرور 30 عاماً على تدشين الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، أنها اختارت رئيساً لها متهماً ليس فقط بالاستبداد والدكتاتورية، ولكن، بانتهاك حقوق الإنسان، فقد انتخبت الرئيس التشادي، إدريس ديبي، رئيسا لدورتها الحالية، وهو الذي وصل إلى الحكم بعد انقلاب عسكري ضد حليفه السابق، حسين حبري، الذي يمثل أمام المحكمة الآن، كما أنه (يحكم البلاد منذ 25 عاماً) قام بتعديل الدستور عام 2005 ليسمح لنفسه بالترشح أكثر من ولايتين. ومن عجيب المفارقات كذلك أن ديبي خلف ديكتاتور زيمبابوي العجوز، روبرت موغابي، الذي يحكم بلاده بالحديد والنار منذ 35 عاماً.
إذن، كيف يُتوقع، في هذه الظروف، أن تنتج أفريقيا نظماً ديمقراطيةً تنحاز إلى الشعوب، باعتبارها مصدر السلطات. وكيف لرئيس قمتها الحالي، ديبي، إنصاف الشعب التشادي منه، وهو الشعب الذي ضاق ذرعاً من حكمه، ونظّم، أخيراً، إضرابات عامة، احتجاجا على خوضه انتخابات أبريل/ نيسان المقبل؟ هل سينصف الرجل المعارضة التي قاطعت الانتخابات مرتين من قبل، ولا يتكرر الأمر نفسه للمرة الثالثة؟
الإجابة هي النفي، لأنه القاضي والجلاد في الوقت نفسه، كما أن شعبه، كغيره من شعوب القارة، لن يجد من ينصفه في ظل وجود نظم ومؤسساتٍ تصنع الدكتاتوريات، بدلا من تحطيمها، وتجعل من ذريعة الإرهاب الهدف الأسمى الذي يجب التكاتف معه لمواجهته، متناسيةً عن عمد أن الاستبداد أحد أسباب الإرهاب، الذي ربما قد تخف وطأته مع رحيلها.
وكانت الدول الغربية والولايات المتحدة من أهم أدوات الضغط على هذه الأنظمة الاستبدادية، لإجبارها على القيام بعملية التحوّل الديمقراطي، واستغلال صندوق النقد والبنك الدوليين في هذا الشأن للثواب والعقاب، إلا أن هذه الأقنعة الدولية تكشفت وتحطمت على صخرة المصالح الاقتصادية، التي ربما تتعارض مع مبادئ الديمقراطية. ففي حينها، تغض الدول الكبرى الطرف عن مفاهيم الديمقراطية وتداول السلطة، فوجدنا الخارجية الفرنسية لا تنحاز للثورة التونسية عام 2011، كما أن واشنطن ظلت متمسكةً، حتى اللحظة الأخيرة، بحليف إسرائيل الاستراتيجي، حسني مبارك، فضلا عن تأييدها الانقلاب عن أول تجربة ديمقراطية حقيقية تشهدها مصر بعد الثورة، في حين رهنت إيطاليا تأييدها الثورة ضد القذافي بحفاظ المجلس الثوري الليبي على مصالحها الاقتصادية السابقة، وغير ذلك كثير.
وإذا كانت هذه هي النظرة الأوروبية والأميركية في التعامل مع القارة السمراء، فإنها لم تختلف كثيراً عن نظرة القيادة الأفريقية والمؤسسات الأفريقية المنبثقة عنها، مثل منظمة الوحدة الأفريقية أو الاتحاد الأفريقي، فوفقا لقاعدة فاقد الشيء لا يعطيه، فإن الأنظمة المستبدّة لا يمكن أن تساهم في إيجاد مؤسساتٍ تستهدف الإطاحة بها، ففكرة الاتحاد الأفريقي، الذي كان معمر القذافي أحد داعميها، لا يُتوقع أن تنصّ على مبدأ التدول السلمي للسلطة، لا سيما وأن ليبيا لا تعرف حتى فكرة الديمقراطية الشكلية، التي ربما لجأت إليها أنظمة أخرى، للهروب من الضغوط الخارجية. وحتى بالنسبة لمبدأ عدم جواز الوصول إلى السلطة بطريقةٍ غير دستورية، والذي تم إقراره في ميثاق الاتحاد الأفريقي، نراه يتم تطبيقه بصورة ربما تُفرغه من محتواه الحقيقي، فإذا كان المبدأ ينص على رفض فكرة الانقلابات العسكرية، إلا أنه يُكتفى فقط بتعليق عضوية الدولة التي شهدت الانقلاب، من دون فرض عقوباتٍ عليها، أو حتى حرمان الانقلابيين من المشاركة في العملية الديمقراطية التالية للانتخاب، بل يتم رفع العقوبات فور وصول هؤلاء الانقلابيين إلى السلطة في زيٍّ مدنيٍّ من خلال انتخاباتٍ مشكوكٍ في صحتها بصورةٍ كبيرة، وقد حدث هذا في حالات موريتانيا وموريشيوس ومصر.
وليت الأمر يقتصر على ذلك، بل وجدنا أن القادة الأفارقة يعارضون بشدة فكرة محاكمة
إذن، كيف يُتوقع، في هذه الظروف، أن تنتج أفريقيا نظماً ديمقراطيةً تنحاز إلى الشعوب، باعتبارها مصدر السلطات. وكيف لرئيس قمتها الحالي، ديبي، إنصاف الشعب التشادي منه، وهو الشعب الذي ضاق ذرعاً من حكمه، ونظّم، أخيراً، إضرابات عامة، احتجاجا على خوضه انتخابات أبريل/ نيسان المقبل؟ هل سينصف الرجل المعارضة التي قاطعت الانتخابات مرتين من قبل، ولا يتكرر الأمر نفسه للمرة الثالثة؟
الإجابة هي النفي، لأنه القاضي والجلاد في الوقت نفسه، كما أن شعبه، كغيره من شعوب القارة، لن يجد من ينصفه في ظل وجود نظم ومؤسساتٍ تصنع الدكتاتوريات، بدلا من تحطيمها، وتجعل من ذريعة الإرهاب الهدف الأسمى الذي يجب التكاتف معه لمواجهته، متناسيةً عن عمد أن الاستبداد أحد أسباب الإرهاب، الذي ربما قد تخف وطأته مع رحيلها.