صفقة تركية أميركية

22 نوفمبر 2015

كيري: سنبدأ مع تركيا عملية لتأمين حدود سورية (18نوفمبر/Getty)

+ الخط -
أن يصرح وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، أن بلاده ستبدأ عمليةً مع تركيا لاستكمال تأمين حدود شمال سورية، فهذا غير عادي، ذلك أن وصول التفاهم الأميركي ـ التركي إلى هذا الحد، يعني أن ثمة صفقة بين الجانبين، تتجاوز مجرد محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية"، لتشمل عموم الشمال السوري.
والمنطقة المقصودة في تصريحات كيري هي منطقة جرابلس الحدودية بين مدينتي عين العرب ـ كوباني وحتى مارع وربما أعزاز، وتشكل هذه المنطقة (نحو 100كلم) الشريان الرئيسي لتنظيم الدولة للاتصال بالعالم الخارجي، ومن شأن السيطرة عليها أن تحرم التنظيم من طرق التهريب التي طالما أمنت له عمليات الإمداد والدعم.
ولا يمكن للتفاهم التركي ـ الأميركي أن يصل إلى هذه المرحلة، بعد سنوات من الأخذ والرد، من دون أن تكون هنالك صفقة بين البلدين، بدت ملامحها أولاً بإلغاء تركيا صفقة صواريخ مع الصين، تحت ضغط من الناتو، وبدت ثانياً مع تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو قبل أيام، حول الاقتراب من عملية عسكرية برية في سورية، وثالثا مع سماح تركيا للتحالف الدولي باستخدام كل القواعد العسكرية في أراضيها. والواضح أن صفقة عقدت بين أنقرة وواشنطن، تقبل تركيا بموجبها باستراتيجية الولايات المتحدة في سورية، أي أن تتنازل تركيا عن شرطها المسبق الذي يربط محاربة "داعش" بإسقاط النظام السوري، في مقابل موافقة الولايات المتحدة على الطلب التركي، في منع الأكراد من السيطرة على شمالي سورية، وتحويلها إلى نواة حكم ذاتي.
هذه الصفقة نتاج طبيعي بعيد العملية العسكرية الروسية في سورية، وخصوصا في ريف حلب الذي بدأ الجيش السوري وداعموه بإحراز إنجازات مهمة فيه، بفعل الغطاء الجوي الروسي، لتتحول حلب، والشمال السوري بشكل عام، إلى ساحة صراع كبرى، يحاول كل طرف فيها السيطرة على أكبر قدر ممكن من الأراضي.
تلاقت المصالح الأميركية ـ التركية، إذن، فواشنطن لا تريد أن يسيطر النظام السوري المدعوم من روسيا على المناطق التي ستحرر من "داعش"، ولا أن تسيطر "جبهة النصرة" عليها. وأنقرة لا تريد، في المقابل، أن يسيطر الأكراد عليها، وكانت تركيا قد حذّرت على لسان رئيسها، نهاية الشهر الماضي، بأنها ستفعل ما هو ضروري لمنع الأكراد من إعلان حكم ذاتي، ولم يمض يومان على هذا التصريح، حتى قصفت طائرات تركية أهدافا تابعة لـ "وحدات حماية الشعب الكردي"، لمحاولتها عبور غرب الفرات.
ولذلك، جاء تشكيل "قوات سوريا الديمقراطية" و "جيش سوريا الجديد" حلاً وسطاً يرضي
الأكراد والأتراك والأميركان معا، لكن غلبة العنصر الكردي على هذين التحالفين دفع واشنطن إلى تعزيزه بالعنصر العربي، تطمينا لأنقرة. ولذلك، انضمت، أخيراً، ستة فصائل عربية جديدة، ضمن تحالف "قوات سوريا الديمقراطية" (الفرقة 30، لواء شهداء إدلب، اللواء 99 مشاة، لواء 455 مهام خاصة، لواء السلاجقة).
وتأتي العملية المرتقبة وسط سورية وغربها على الحدود التركية، استكمالا للعملية التي بدأت بتحرير بلدة الهول شرق الحسكة، وسنجار غرب الموصل، وغايتهما ربط الحدود السورية ــ العراقية والسورية ـ التركية، تحت إشراف القوات الكردية ـ العربية، بدعم من التحالف الدولي وتركيا.
يقوم المخطط الأميركي على تقاسم عبء المنطقة الشمالية، الممتدة من عين ديوار في أقصى الشرق السوري إلى عفرين في أقصى الغرب، بحيث تكون المنطقة الشرقية من عين ديوار إلى عين العرب ـ كوباني تحت سيطرة الأكراد، مع دعم عربي يمثله "جيش سوريا الجديد"، في حين تخضع المنطقة الغربية من عين العرب ـ كوباني وحتى عفرين بأيدي قوات عربية ـ كردية مشتركة، تشكل "قوات سوريا الديمقراطية" نواتها، مع منع "وحدات حماية الشعب الكردي" من التمدد غرب نهر الفرات، لمنعهم من الاستيلاء على جرابلس، ومن ثم منطقة عفرين، بحيث يبقى وجودهم الرئيسي إلى الشمال الشرقي من سورية.
عند هذه النقطة، حدث التلاقي التركي ـ الأميركي. ولكن، للعاصمتين أهداف متباينة في شمالي سورية، فتركيا التي تخشى من الثقل العسكري الكبير للأكراد في الشمال السوري، لن تطمئن نهائياً للترتيبات الأميركية، خصوصا أن الفصيلين الجديدين (قوات سوريا الديمقراطية، جيش سوريا الجديد) لا يستطيعان وحدهما حماية المناطق المحررة من "داعش".
ولذلك، تسعى أنقرة إلى إيجاد ترتيبات جديدة في مرحلة ما بعد "داعش"، إما بتمكين "جيش الفتح" وبعض القوى الموالية لها من دخول هذه المنطقة، وهو ما ترفضه الإدارة الأميركية في الوقت الراهن، أو أن تتجه نحو عملية برية لإقامة المنطقة الآمنة التي طالما طالبت بها، وهي خطوة مرفوضة أميركيا، وعبر عنها باراك أوباما بشكل صريح في أثناء قمة العشرين، حين قال إن "بلاده تعتبر إنشاء منطقة أمنة، أو منطقة حظر طيران في سورية، أمراً خطراً بالنسبة لأهداف أميركا، ذلك أن إنشاء منطقةٍ كهذه يتطلب وجود قوات برية أيضاً. ولا تريد أميركا تكرار الأحداث السابقة، ومن الخطأ إرسال قوات برية إلى الشرق الأوسط لمحاربة الإرهاب".
ويبدو من تطورات الأمور أن مرحلة ما بعد "داعش" في الشمال السوري ستكون مرحلة التعارض التركي ـ الأميركي، لاسيما مع اقتراب المجتمع الدولي من تحديد قائمة الفصائل المقاتلة في سورية التي يجب أن تدرج ضمن قائمة الإرهاب.