28 ديسمبر 2021
صفقة القرن ومهالك التسوية التصفوية
كيف تمهد إسرائيل لما صارت تسمّى "صفقة القرن"، وترسي وقائع مستمرة وجديدة على الأرض؟ ولماذا تسحب الصلاحيات المدنية من السلطة الفلسطينية؟ ولماذا تعارض حكومة الائتلاف اليميني المتطرّف فيها عودة الفلسطينيين عن انقسامهم السياسي والجغرافي، والعودة إلى التصالح واستعادة نظامهم السياسي وحدته الوطنية؟ على مثل هذه الأسئلة وأخرى غيرها، والإجابة عليها، يتوقف تقدم الحركة السياسية في المنطقة أو جمودها، فيما يخص محاولات التقدم على جبهة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، بالوصول إلى تسويةٍ ممكنةٍ ترضي الجانبين، من دون إجحافٍ في حق الطرف الفلسطيني وحقوقه الوطنية، وهو الخاسر في كل الأحوال، نظرا إلى ميزان قوى يزداد اختلالا لمصلحة العدو، وتحالفاته المتجدّدة التي باتت أكثر انحيازا واصطفافا إلى جانبه، وبأشكال معلنةٍ من الوقاحة والصفاقة الترامبية؟
ليس في مقدور نيات التسوية الممكنة، أو غير الممكنة، في الواقع، وفق ما يطلق اليوم على حراك "صفقة القرن" ذات الصفات الترامبية، أن تشتغل لمصلحة الطرف الفلسطيني، في ظل وضع عربي وإقليمي أكثر من متردٍّ، ولا يجلب إلى بلدان هذه المنطقة سوى الخراب. في ظل أنماط من التطبيع والتقارب والتعاون مع الطرف الإسرائيلي استجابةً لمطالب أميركية، باتت في وقاحتها أكثر تطلبا واستهدافا لإخضاع الأنظمة الرسمية العربية، دونما حياء أو خجل، وكأن إسرائيل هي التي بدأت تستجيب للمطالب الفلسطينية أو العربية، مع أن واقع الحال يؤشر إلى أن العكس هو الذي يحصل الآن، أكثر من أي وقت سابق.
وبالتوازي مع الإجراءات الأميركية بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، بطلب إسرائيلي، بات أكثر إلحاحا في الآونة الأخيرة، نظرا لتساوق قوى اليمين الأميركي - الإسرائيلي وانسجامهما السياسي، في تمهيد واضح للبدء بتنفيذ تسوية "صفقة القرن"، بالتوازي مع ذلك، بدأت إسرائيل تنفيذ ما يخصها من سياسة تطبيق ما تريد، لتعرية السلطة الفلسطينية عبر سحب مزيدٍ من الصلاحيات الحيوية منها، وتقليص دورها إلى ما هو أقل من الحكم الذاتي، وهو الصفة السياسية والقانونية للسلطة، بموجب اتفاقات أوسلو.
وفي هذا السياق، باشرت سلطات الاحتلال أخيرا إغلاق ثمانية مكاتب خدمات إعلامية في قلب المدن الفلسطينية الخاضعة للسلطة الفلسطينية، ما يؤشر إلى عودة الشكل القديم من الاحتلال الإسرائيلي الذي كان سائداً قبل إقامة السلطة، وكان يفرض سيطرته الكاملة على حياة الفلسطينيين وشؤونهم. كما أوقفت السلطات الإسرائيلية، في الشهرين الأخيرين، تصاريح ممنوحة لضباط الأمن الفلسطينيين، للتحرك بين المدن والقرى في المنطقة ج، التي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية، وهي المنطقة التي تخضع للولاية الأمنية الإسرائيلية، بموجب اتفاقية أوسلو.
ويأتي هذا كله على خلفية التحلل من اتفاقات أوسلو، والمضي بعيدا في اتجاهات العودة إلى الحكم العسكري، علما أن إسرائيل تقيم ما يشبه "حكومة ظل" في الضفة الغربية، في مقر الجيش الإسرائيلي في مستوطنة "بيت إيل" التي لا تبعد أكثر من كيلومتر من مقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله، في حين أن هذه "الحكومة" تحتفظ بصلاحياتٍ عديدة تخص شؤون الفلسطينيين الأمنية والمدنية، وقد باتت أخيرا تسلب عديدا من هذه الصلاحيات بصورة تدريجية، على حساب دور السلطة الفلسطينية ومكانتها.
وللانتقاص من صلاحيات السلطة، عادت سلطة الاحتلال، عبر "حكومة الظل" التي يقودها جنرالٌ في الجيش الإسرائيلي يحمل صفة "منسق شؤون المناطق"، إلى صلاحيات واسعة تتعلق بالحياة اليومية، والحركة الداخلية والخارجية للمواطنين، ومنها إغلاق مؤسسات في قلب مناطق السلطة، من مطابع ومحال تجارية ومكاتب إعلامية، ومحطات إذاعة وتلفزيون وغيرها، وتعتقل صحافيين ومعلقين على وسائل التواصل الاجتماعي.
وهكذا تمضي إسرائيل عبر مزيد من مخططات (ومشاريع) التهويد والاستيطان وغيرها من الإجراءات، للعمل على فرض حل تصفوي، تحت مسمى تسوية "صفقة القرن"، ولو على حساب تلك المفاوضات الموعودة، بعد فشل مسلسلها الطويل خلال أكثر من عقدين، عملت نتائجها منذ "أوسلو" وحتى اللحظة على حصر دور السلطة في شيء أقرب ما يكون إلى سلطات بلدية.
وعلى المنوال نفسه، تغزل حكومة نتنياهو، وبغطاء أميركي ترامبي، للإبقاء على سقف التسوية مع الفلسطينيين منخفضا جدا، في ظل انشغالهما بالموضوع الإيراني على حساب القضية الفلسطينية؛ حتى ولو اضطر الإسرائيليون إلى اعتياد العيش من دون تسويةٍ مع الفلسطينيين، بحسب تعبير نائب وزير الخارجية الإسرائيلية، تسيبي حوتوبيلي، التي كشفت أن حكومتها وضعت شروطاً مستحيلة للتسوية السياسية مع الفلسطينيين، "لا يمكن لأي قائد فلسطيني أن
يقبلها". هذه الشروط الليكودية التي سبق وحددتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وحازت إجماع معظم قوى التجمع الاستيطاني الصهيوني وتياراته وأحزابه، تعود اليوم لتتكرّر، بصيغة جديدة وبتأييد من إدارة ترامب التي لن يكون في مقدورها رفضها، نظرا لانسجامها شبه الكامل مع حكومة الائتلاف اليميني المتطرّف، وهي تواصل مناوراتها وابتزازها، لتجسيد صفقة عقارية على حساب الحق الفلسطيني، وهي لن تكون نتيجة مفاوضاتٍ بقدر ما قد تكون جرّاء إملاءات تستجيب بالكامل لشروط الجانب الإسرائيلي التي فصّلتها حوتوبيلي تحت عنوان "ثلاثة مبادئ أساسية"، جرى إبلاغ واشنطن بها، "وقلنا لها بوضوح إنه لا يمكننا التنازل عنها، وهي رفض وجود أي سيادة على المنطقة ما بين البحر المتوسط ونهر الأردن سوى السيادة الإسرائيلية، ورفض أي إخلاء لأي مستوطنة، والإبقاء على القدس موحدة وعاصمة وحيدة لإسرائيل"، أما الشرط الرابع المسقط أساسا من حسابات إسرائيل وداعميها فهو رفض عودة اللاجئين حتى إلى المناطق الفلسطينية.
في المحصلة، يبدو أن مزيدا من إشهار الطلاق بين أنظمة التطبيع الرسمية مع القضية الفلسطينية لن يقود الفلسطينيين إلا إلى التهلكة التفاوضية، ومن ثم إلى مهالك التسوية التصفوية التي بات اسمها اليوم "صفقة القرن". أما الوضع الوطني الفلسطيني، وعلى الرغم من خطوات المصالحة، فلدى قيادات السلطة والفصائل، على اختلافها، ومنظمة التحرير، أوهام عديدة قاتلة إزاء "دور أميركي مفيد"، تقوم تسويته الموعودة على مزيد من ابتزاز الطرف الفلسطيني، ومقايضته بما لا يملك من حقوق، تخص شعبا بأكمله، ولا يحق لنخبةٍ، مهما علا شأنها، أن تنوب عنه، لتقرر مصيره ومصير قضيته الوطنية.
هكذا تؤكد سياسات الاستفراد الأميركية - الإسرائيلية بالعرب قبل الفلسطينيين أولا، ومن ثم بالفلسطينيين مع العرب، على أن سياسة الصفقات الترامبية لن تقود إلا إلى تسويةٍ مجحفة، بينها وبين الحقوق الفلسطينية سنوات ضوئية، ووجود إسرائيل على أرض فلسطين وجود غير شرعي، سيبقى كذلك، حتى تعود فلسطين، لتحتل مكانها الطبيعي بقوة التاريخ، وطبيعة الجغرافيا وعمقها الديموغرافي الذي لم يخيّب يوما وجودا وطنيا وهوية متبلورة لشعب من الشعوب.
ليس في مقدور نيات التسوية الممكنة، أو غير الممكنة، في الواقع، وفق ما يطلق اليوم على حراك "صفقة القرن" ذات الصفات الترامبية، أن تشتغل لمصلحة الطرف الفلسطيني، في ظل وضع عربي وإقليمي أكثر من متردٍّ، ولا يجلب إلى بلدان هذه المنطقة سوى الخراب. في ظل أنماط من التطبيع والتقارب والتعاون مع الطرف الإسرائيلي استجابةً لمطالب أميركية، باتت في وقاحتها أكثر تطلبا واستهدافا لإخضاع الأنظمة الرسمية العربية، دونما حياء أو خجل، وكأن إسرائيل هي التي بدأت تستجيب للمطالب الفلسطينية أو العربية، مع أن واقع الحال يؤشر إلى أن العكس هو الذي يحصل الآن، أكثر من أي وقت سابق.
وبالتوازي مع الإجراءات الأميركية بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، بطلب إسرائيلي، بات أكثر إلحاحا في الآونة الأخيرة، نظرا لتساوق قوى اليمين الأميركي - الإسرائيلي وانسجامهما السياسي، في تمهيد واضح للبدء بتنفيذ تسوية "صفقة القرن"، بالتوازي مع ذلك، بدأت إسرائيل تنفيذ ما يخصها من سياسة تطبيق ما تريد، لتعرية السلطة الفلسطينية عبر سحب مزيدٍ من الصلاحيات الحيوية منها، وتقليص دورها إلى ما هو أقل من الحكم الذاتي، وهو الصفة السياسية والقانونية للسلطة، بموجب اتفاقات أوسلو.
وفي هذا السياق، باشرت سلطات الاحتلال أخيرا إغلاق ثمانية مكاتب خدمات إعلامية في قلب المدن الفلسطينية الخاضعة للسلطة الفلسطينية، ما يؤشر إلى عودة الشكل القديم من الاحتلال الإسرائيلي الذي كان سائداً قبل إقامة السلطة، وكان يفرض سيطرته الكاملة على حياة الفلسطينيين وشؤونهم. كما أوقفت السلطات الإسرائيلية، في الشهرين الأخيرين، تصاريح ممنوحة لضباط الأمن الفلسطينيين، للتحرك بين المدن والقرى في المنطقة ج، التي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية، وهي المنطقة التي تخضع للولاية الأمنية الإسرائيلية، بموجب اتفاقية أوسلو.
ويأتي هذا كله على خلفية التحلل من اتفاقات أوسلو، والمضي بعيدا في اتجاهات العودة إلى الحكم العسكري، علما أن إسرائيل تقيم ما يشبه "حكومة ظل" في الضفة الغربية، في مقر الجيش الإسرائيلي في مستوطنة "بيت إيل" التي لا تبعد أكثر من كيلومتر من مقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله، في حين أن هذه "الحكومة" تحتفظ بصلاحياتٍ عديدة تخص شؤون الفلسطينيين الأمنية والمدنية، وقد باتت أخيرا تسلب عديدا من هذه الصلاحيات بصورة تدريجية، على حساب دور السلطة الفلسطينية ومكانتها.
وللانتقاص من صلاحيات السلطة، عادت سلطة الاحتلال، عبر "حكومة الظل" التي يقودها جنرالٌ في الجيش الإسرائيلي يحمل صفة "منسق شؤون المناطق"، إلى صلاحيات واسعة تتعلق بالحياة اليومية، والحركة الداخلية والخارجية للمواطنين، ومنها إغلاق مؤسسات في قلب مناطق السلطة، من مطابع ومحال تجارية ومكاتب إعلامية، ومحطات إذاعة وتلفزيون وغيرها، وتعتقل صحافيين ومعلقين على وسائل التواصل الاجتماعي.
وهكذا تمضي إسرائيل عبر مزيد من مخططات (ومشاريع) التهويد والاستيطان وغيرها من الإجراءات، للعمل على فرض حل تصفوي، تحت مسمى تسوية "صفقة القرن"، ولو على حساب تلك المفاوضات الموعودة، بعد فشل مسلسلها الطويل خلال أكثر من عقدين، عملت نتائجها منذ "أوسلو" وحتى اللحظة على حصر دور السلطة في شيء أقرب ما يكون إلى سلطات بلدية.
وعلى المنوال نفسه، تغزل حكومة نتنياهو، وبغطاء أميركي ترامبي، للإبقاء على سقف التسوية مع الفلسطينيين منخفضا جدا، في ظل انشغالهما بالموضوع الإيراني على حساب القضية الفلسطينية؛ حتى ولو اضطر الإسرائيليون إلى اعتياد العيش من دون تسويةٍ مع الفلسطينيين، بحسب تعبير نائب وزير الخارجية الإسرائيلية، تسيبي حوتوبيلي، التي كشفت أن حكومتها وضعت شروطاً مستحيلة للتسوية السياسية مع الفلسطينيين، "لا يمكن لأي قائد فلسطيني أن
في المحصلة، يبدو أن مزيدا من إشهار الطلاق بين أنظمة التطبيع الرسمية مع القضية الفلسطينية لن يقود الفلسطينيين إلا إلى التهلكة التفاوضية، ومن ثم إلى مهالك التسوية التصفوية التي بات اسمها اليوم "صفقة القرن". أما الوضع الوطني الفلسطيني، وعلى الرغم من خطوات المصالحة، فلدى قيادات السلطة والفصائل، على اختلافها، ومنظمة التحرير، أوهام عديدة قاتلة إزاء "دور أميركي مفيد"، تقوم تسويته الموعودة على مزيد من ابتزاز الطرف الفلسطيني، ومقايضته بما لا يملك من حقوق، تخص شعبا بأكمله، ولا يحق لنخبةٍ، مهما علا شأنها، أن تنوب عنه، لتقرر مصيره ومصير قضيته الوطنية.
هكذا تؤكد سياسات الاستفراد الأميركية - الإسرائيلية بالعرب قبل الفلسطينيين أولا، ومن ثم بالفلسطينيين مع العرب، على أن سياسة الصفقات الترامبية لن تقود إلا إلى تسويةٍ مجحفة، بينها وبين الحقوق الفلسطينية سنوات ضوئية، ووجود إسرائيل على أرض فلسطين وجود غير شرعي، سيبقى كذلك، حتى تعود فلسطين، لتحتل مكانها الطبيعي بقوة التاريخ، وطبيعة الجغرافيا وعمقها الديموغرافي الذي لم يخيّب يوما وجودا وطنيا وهوية متبلورة لشعب من الشعوب.