03 يوليو 2019
صفقة "تعالوا ننسى الماضي"
قد يكون بعض من أسوأ ما يتعرّض له كفاح الفلسطينيين من تشويه إعلامي وسياسي عزل صراعهم مع إسرائيل عن سببه الجوهري، المتمثل أساساً في احتلالها أرض وطنهم، وتصويره مجرد نتاج لكراهية متبادلة، أو حتى سوء فهم، يمكن أن ينتهي بمجرد عقد لقاءاتٍ وحواراتٍ تتصافى فيها القلوب، ليعيش بعدها الطرفان في سلامٍ لا يعكره شيء.
وإذ يحتاج أصحاب الحق في مثل هذه الحال إلى جهد هائل لتصحيح الصورة المشوهة، فإن أهل الباطل غالباً ما لا يتركون لهم الفرصة، إلا للاختيار بين تسوية ظالمة يتخلون فيها عن حقوقهم ليثبتوا صدق رغبتهم بالسلام، وصراع مختل يتعرضون فيه لمزيد من الخسائر، لاسيما حين تتسم الظروف المحيطة بانتشار عدوى التواطؤ ضدهم، لتصيب إخوة وأصدقاء، ما عاد يهمهم غير رضى الأعداء، باعتباره وصفة البقاء على سدّة أنظمة الحكم الفاسدة.
هكذا تغيب عن المعادلة القسرية الجديدة القديمة لعملية السلام حقائق الصراع الأساسية، بدءاً بالنكبة والتهجير القسري الذي لحق بأهل فلسطين، مروراً بالمذابح الجماعية المرتكبة بحقهم، والاستيطان الاستعماري على أرضهم، وصولاً إلى تهويد عاصمة بلادهم القدس، ليحلّ بدلاً من ذلك كله، في واجهة النشاط السياسي الأميركي، باطلٌ وحيد، وليس ثمّة ما يضاهي غرابته عما يحدث راهناً في هذه المنطقة من العالم، سوى انتمائه واقعياً إلى تاريخ عنصري نحو اليهود، ما زال يثقل ضمير الغرب، وفق ما يدّعي قادته، لتبرير موقفهم المنحاز لإسرائيل.
يقول جاريد كوشنر مستشار الرئيس الأميركي، محاولاً تلخيص جوهر رؤيته للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين "هناك كثير من الكراهية وكثير من الرواسب، لكنني لا أقلل من قدرة البشر على المحبة"، ثم يضيف، لكأنه يتحدث عن الأوروبيين واليهود عقب الحرب العالمية الثانية، وبعبارات قد تصلح أيضاً للكلام عن خلافٍ بين زوجين، لا عن حق شعب في تقرير المصير: "حتى نكون ناجحين، يجب أن نكون مستعدّين للغفران في الحاضر، ولا ننسى الماضي، بل نعمل بجد نحو مستقبل أكثر إشراقاً".
ولكي لا يظن أحدٌ ما بأن إيراد تلك المقتطفات يبتسر المقابلة الصحافية المطولة التي أجريت مع الرجل، على هامش جولةٍ قام بها في المنطقة، تمهيداً لما تُسمى صفقة القرن، فإن أي قراءة متأنية لما قال لن تذهب بصاحبها إلا إلى التيقن من تبلور رؤية أميركية شوهاء، تقوم، في أحسن أحوالها، على الظن بأن الفلسطينيين يمكن رشوتهم بمشاريع تنمية اقتصادية، تمولها بلدان الخليج، ليضغطوا على قيادتهم، ويدفعوها نحو التخلي عن مشروع وطني تحرّري كافحوا في سبيله أكثر من سبعين سنة. فهو يقول، في موضع آخر من حديثه، مخاطباً الفلسطينيين: "أظهروا لقيادتكم أنكم تدعمون الجهود لتحقيق السلام. دعوهم يعلمون بأولوياتكم، وامنحوهم الشجاعة للحفاظ على عقل منفتح نحو تحقيقها. لا تدعوا قيادتكم ترفض خطةً لم ترها بعد (..) لا تسمحوا لصراع أجدادكم بأن يحدّد مستقبل أطفالكم".
"تعالوا ننسى الماضي" هي إذن العبارة التي يمكن أن تلخص ما يريده كوشنر. أما ما لم يأت صهر الرئيس الأميركي على مجرد ذكره، ولم يسأله عنه، للأسف، الصحافي الذي أجرى المقابلة، فكثير، وتقع في مقدمته قرارات الشرعية الدولية التي تقضي بانسحاب إسرائيل إلى حدود عام 1967، وحق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة. لكن الأخطر ربما من كل ما سبق ردّه على سؤال عن موقف القادة العرب من رؤيته، قائلاً "لقد أوضحوا أنهم يريدون رؤية دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية"، وهو كلام ينطوي على خداع كبير، ليس لأنه فضفاض وغير محدّد المعالم، بل لأن الاستدراك عليه بعبارة "حق المسلمين في الوصول إلى المسجد الأقصى" قد فضح موافقةً لم ينفها أي زعيم عربي بعد، على صفقةٍ تُبقي أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين تحت الاحتلال الإسرائيلي.
وإذ يحتاج أصحاب الحق في مثل هذه الحال إلى جهد هائل لتصحيح الصورة المشوهة، فإن أهل الباطل غالباً ما لا يتركون لهم الفرصة، إلا للاختيار بين تسوية ظالمة يتخلون فيها عن حقوقهم ليثبتوا صدق رغبتهم بالسلام، وصراع مختل يتعرضون فيه لمزيد من الخسائر، لاسيما حين تتسم الظروف المحيطة بانتشار عدوى التواطؤ ضدهم، لتصيب إخوة وأصدقاء، ما عاد يهمهم غير رضى الأعداء، باعتباره وصفة البقاء على سدّة أنظمة الحكم الفاسدة.
هكذا تغيب عن المعادلة القسرية الجديدة القديمة لعملية السلام حقائق الصراع الأساسية، بدءاً بالنكبة والتهجير القسري الذي لحق بأهل فلسطين، مروراً بالمذابح الجماعية المرتكبة بحقهم، والاستيطان الاستعماري على أرضهم، وصولاً إلى تهويد عاصمة بلادهم القدس، ليحلّ بدلاً من ذلك كله، في واجهة النشاط السياسي الأميركي، باطلٌ وحيد، وليس ثمّة ما يضاهي غرابته عما يحدث راهناً في هذه المنطقة من العالم، سوى انتمائه واقعياً إلى تاريخ عنصري نحو اليهود، ما زال يثقل ضمير الغرب، وفق ما يدّعي قادته، لتبرير موقفهم المنحاز لإسرائيل.
يقول جاريد كوشنر مستشار الرئيس الأميركي، محاولاً تلخيص جوهر رؤيته للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين "هناك كثير من الكراهية وكثير من الرواسب، لكنني لا أقلل من قدرة البشر على المحبة"، ثم يضيف، لكأنه يتحدث عن الأوروبيين واليهود عقب الحرب العالمية الثانية، وبعبارات قد تصلح أيضاً للكلام عن خلافٍ بين زوجين، لا عن حق شعب في تقرير المصير: "حتى نكون ناجحين، يجب أن نكون مستعدّين للغفران في الحاضر، ولا ننسى الماضي، بل نعمل بجد نحو مستقبل أكثر إشراقاً".
ولكي لا يظن أحدٌ ما بأن إيراد تلك المقتطفات يبتسر المقابلة الصحافية المطولة التي أجريت مع الرجل، على هامش جولةٍ قام بها في المنطقة، تمهيداً لما تُسمى صفقة القرن، فإن أي قراءة متأنية لما قال لن تذهب بصاحبها إلا إلى التيقن من تبلور رؤية أميركية شوهاء، تقوم، في أحسن أحوالها، على الظن بأن الفلسطينيين يمكن رشوتهم بمشاريع تنمية اقتصادية، تمولها بلدان الخليج، ليضغطوا على قيادتهم، ويدفعوها نحو التخلي عن مشروع وطني تحرّري كافحوا في سبيله أكثر من سبعين سنة. فهو يقول، في موضع آخر من حديثه، مخاطباً الفلسطينيين: "أظهروا لقيادتكم أنكم تدعمون الجهود لتحقيق السلام. دعوهم يعلمون بأولوياتكم، وامنحوهم الشجاعة للحفاظ على عقل منفتح نحو تحقيقها. لا تدعوا قيادتكم ترفض خطةً لم ترها بعد (..) لا تسمحوا لصراع أجدادكم بأن يحدّد مستقبل أطفالكم".
"تعالوا ننسى الماضي" هي إذن العبارة التي يمكن أن تلخص ما يريده كوشنر. أما ما لم يأت صهر الرئيس الأميركي على مجرد ذكره، ولم يسأله عنه، للأسف، الصحافي الذي أجرى المقابلة، فكثير، وتقع في مقدمته قرارات الشرعية الدولية التي تقضي بانسحاب إسرائيل إلى حدود عام 1967، وحق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة. لكن الأخطر ربما من كل ما سبق ردّه على سؤال عن موقف القادة العرب من رؤيته، قائلاً "لقد أوضحوا أنهم يريدون رؤية دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية"، وهو كلام ينطوي على خداع كبير، ليس لأنه فضفاض وغير محدّد المعالم، بل لأن الاستدراك عليه بعبارة "حق المسلمين في الوصول إلى المسجد الأقصى" قد فضح موافقةً لم ينفها أي زعيم عربي بعد، على صفقةٍ تُبقي أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين تحت الاحتلال الإسرائيلي.