صفقات اقتصادية دون التوقعات جنتها بريطانيا من زيارة بن سلمان

11 مارس 2018
محصلة الزيارة لم تنجح في احتواء غضب الشارع البريطاني(Getty)
+ الخط -
سعت بريطانيا والسعودية لتحقيق جملة من الأهداف الاقتصادية والتجارية، فضلا عن السياسية خلال زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للمملكة المتحدة والتي انتهت يوم الجمعة الماضية، حيث تبحث لندن عن أسواق جديدة لقطاع الخدمات بها بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، أما بن سلمان فقد سعى لإقناع المستثمرين القلقين بأن بلاده تسير على طريق التسامح والتحديث، كما يريد تحسين صورته وصورة نظامه التي ساءت بشكل كبير، ولكن المعلن من نتائج الزيارة جاء دون التوقعات بالنسبة لبريطانيا خصوصا.

ولم يكن من المستغرب سقف التوقعات الاقتصادية الذي أحاط بالزيارة حيث حدد البلدان لنفسيهما مستوى مستهدفا قدره 65 مليار جنيه استرليني (90 مليار دولار) للتجارة والاستثمار للسنوات المقبلة، ولكن هل حقق كل من الطرفين أهدافه من الزيارة التي أثارت لغطا سياسيا ومعارضة شديدة تتعلق بالموقف الرافض لكثير من ممارسات وسياسات النظام السعودي خلال السنوات القليلة الأخيرة؟

المعلن رسميا أن بريطانيا والسعودية وقعتا اتفاقات تجارية تزيد قيمتها على ملياري دولار أثناء زيارة بن سلمان إلى لندن، كما أن البلدين وقعا خطاب نوايا لوضع اللمسات الأخيرة على محادثات بشأن طلبية لشراء 48 مقاتلة تايفون التي تصنعها شركة (بي.إيه.إي) سيستمر في صفقة تبلغ نحو 14 مليار دولار.

كما وقعت شركة أرامكو للنفط والمملوكة للدولة السعودية اتفاقا أوليا يوم الخميس مع شركة رويال داتش شل للسعي إلى فرص في قطاع الغاز العالمي في إطار خطط السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، لتنويع اقتصادها قبيل الإدراج المزمع لأرامكو، حيث قال أليستير بيرت وزير الدولة بوزارة الخارجية أمام البرلمان "نود أن يتم طرح أسهم أرامكو في المملكة المتحدة وسنواصل تقديم حي المال على أنه أفضل مكان لذلك".

الواقع أن مجموع الصفقات المعلنة خلال الزيارة لم يكن عند مستوى التوقعات، بل اتضح أن المعلن كان دعائيا أكثر منه واقعيا، فالصفقات التجارية بقيمة ملياري دولار لا تمثل شيئا للاقتصاد البريطاني الذي يحتل المركز الخامس عالميا في إجمالي الناتج المحلي الإجمالي.

أما صفقة المقاتلات تايفون فهي تواجه صعوبات في المفاوضات حول مكان إنتاج الطائرات مع حرص السعودية على أن يتم جزء من العملية على أراضيها، ولم يتضح بعد تفاصيل خطاب النوايا الموقع.

وأيا كانت تفاصيل الصفقة فإنها تجد معارضة بريطانية داخلية بسبب الموقف من حرب السعودية ضد اليمن، وقال أندرو سميث من الحملة ضد تجارة السلاح "هذا الاتفاق المخزي، إذا تمت الموافقة عليه، فسيتم الاحتفال به في قصور الرياض، ومن جانب الشركات التي ستستفيد منه، لكنه سيعني مزيدا من الدمار لشعب اليمن".

ورغم دفاع رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي عن علاقات بلادها العسكرية والأمنية مع السعودية أملا في توقيع صفقات تجارية واقتصادية ضخمة تعضد من موقف حكومتها بعد بريكست إلا أن المحصلة لم تكن بحجم التوقعات.

وتراهن ماي على "مجلس الشراكة الاستراتيجية" البريطاني السعودي، الذي تم تدشينه خلال الزيارة ولكن لم تتضح معالمه بعد، وهل يمكن أن يستفيد الاقتصاد البريطاني من الإصلاحات الاقتصادية في المملكة أم لا، خاصة أن رهان بريطانيا كان على الخليج كمنطقة اقتصادية موحدة بناتج داخلي كبير يمكن أن يعوض جزئيا خروجها من الاتحاد الأوروبي، إلا أن أزمة حصار قطر ستضطر الحكومة البريطانية للتعامل مع دول الخليج كل على حدة وليس كتلة واحدة، وهو ما يقلل من العوائد الإيجابية المتوقعة للاقتصاد البريطاني الذي يريد أن يعوض سريعا تداعيات بريكست.

أما الاتفاق الثالث الموقع بين أرامكو وشل والذي لم تعلن قيمته فضلا عن سعي بريطانيا لإدراج أرامكو في بورصة لندن، فهي كلها صفقات غير محسومة. 

فالاتفاق بين أرامكو وشل الذي يتعلق بتطوير مشاريع في قطاع المنبع وأنشطة تسييل الغاز، قد يستغرق فترة طويلة للتنفيذ، كما أن الطرح الأولي لأرامكو لم يحسم بعد لصالح أي بورصة عالمية في ظل منافسة قوية وضغوط من إدارة ترامب كي يكون في بورصة نيويورك، كما أن القرار لن يكون قبل النصف الثاني من العام الجاري.

على الجانب السعودي، جاءت الزيارة وفقا لوكالة "رويترز" في إطار حملة علاقات عامة قوية وفي ظل معارضة قوية من أطراف عدة للزيارة، ومن ثم كان الرهان على الوعود والتعهدات لإقناع الجانب الأخر، الحكومة والمعارضة في بريطانيا بجدوى الزيارة، لذا كانت التعهدات في مجملها اقتصادية وتجارية لتكون بحسابات المكسب والخسارة وليس المبادئ.



ورغم أن بن سلمان طرح وعودا وتعهدات اقتصادية، إلا أن الهدف كان سياسيا يتمثل في تحسين صورة بلاده التي ساءت في السنوات الأخيرة بسبب مشاكلها وأزماتها مع الجيران بالدخول في حرب غير محسومة في اليمن وحصار فاشل لدولة قطر واعتقالات هي الأضخم في المملكة لأمراء ووزراء حاليين وسابقين وكبار رجال الأعمال والذين تم الإفراج عن غالبيتهم بعد ضغوط للتخلي عن جزء من ثرواتهم وأصولهم بلغت قيمتها حوالي 400 مليار ريال (نحو 100 مليار دولار) وفقا للنائب العام السعودي سعودي المعجب نهاية يناير/كانون الثاني الماضي.

إذن هي زيارة "حملة علاقات عامة" لم تشهد أي تصريحات أو لقاءات إعلامية لضيف بريطانيا خلال 3 أيام، أو كما قالت "رويترز" عنها إن "برنامج جولة بن سلمان كان خاصا إلى حد بعيد حيث شمل لقاءات مع مصرفيين ومسؤولي شركات ومشرعين، ولم يتحدث علنا طوال الجولة.

(رويترز، العربي الجديد)