صرخة أردنية ضد التطبيع: غاز العدو احتلال

15 أكتوبر 2016
تعالت أصوات خلال التحرك تدعو لإسقاط الحكومة (العربي الجديد)
+ الخط -
"غاز العدو احتلال"، تحت هذا الشعار خرج الأردنيون مجدداً إلى الشوارع في العاصمة عمّان والكرك، أمس الجمعة، رافضين اتفاقية استيراد الغاز من إسرائيل، في تحرك انطلق منذ فترة، وتنقّل في العديد من المدن الأردنية في الفترة الماضية، عبر مسيرات في إربد والكرك ومعان والمفرق وغيرها.
ورفع المشاركون في تحرك أمس شعار "غاز العدو احتلال"، ورددوا هتافات تطالب حكومة بلادهم بالتوقف عن ممارساتها التطبيعية، منها "عمرو الدم ما بيصير غاز"، و"سمع صوتك من عمان... ما بدنا غاز الكيان"، فيما تعالت الأصوات الداعية لإسقاط الحكومة التي اتهموها بدعم الإرهاب الصهيوني الممارس على الشعب الفلسطيني.
بعد صلاة الجمعة، وعلى غرار جميع أيام الجمع التي أعقبت التوقيع الرسمي الاتفاقية، خرج مئات الأردنيين في العاصمة والكرك لمناهضة الاتفاقية والمطالبة بإسقاطها، خصوصاً أنها تجعل التطبيع مع العدو سلوكاً جماعياً إجبارياً عندما يصل الغاز الإسرائيلي إلى منازل الأردنيين على شكل كهرباء اعتباراً من 2019 /2020. وبموجب الاتفاقية فإن شركة الكهرباء الأردنية ستستورد الغاز الإسرائيلي المسروق من الأراضي الفلسطينية لمدة 15 عاماً بكلفة إجمالية تبلغ 10 مليارات دولار أميركي.
الستينية أم علي التي كانت تشارك في مسيرة عمّان، والتي شاركت في غالبية الفعاليات الاحتجاجية على الاتفاقية، قالت: "ننزل اليوم لكي نقول للحكومة لا نريد غازاً من الأعداء، هؤلاء الذين قتلوا أهلنا بفلسطين لا نريد أن يضيئوا بيوتنا بالغاز المسروق"، وأضافت: "نقول للحكومة العتمة أحسن من الضو اللي سيأتي عن طريق الصهاينة".
"مصيبتنا أن الحكومات المتعاقبة في الأردن لا تستمع لصوت الشعب، ولا تستجيب لإرادته، هي فقط تستجيب للضغوط الأميركية والصهيونية التي تمارس عليها"، وفق الناشط السياسي سعود العجارمة، الذي اعتبر أن "هذه الاتفاقية وإصرار الحكومة عليها رغم الرفض الشعبي ما هو إلا التزام منها أمام الصهاينة بالتطبيع". وأكد العجارمة أن "هذه اتفاقية سياسية، وليست اقتصادية، لو كانت اقتصادية كان هناك خيارات كثيرة أمام الحكومة لتبحثها في مجال الطاقة، لكنها لم تبحث أياً من الخيارات وكان دورها فقط الدفاع عن الغاز المسروق من أراضي فلسطين التاريخية".
التحرك الشعبي ضد اتفاقية الغاز انطلق منذ الكشف عن خطاب النوايا الذي وقّعته الشركة الحكومية الأردنية في سبتمبر/أيلول 2014 مع شركة "نوبل إنيرجي" الأميركية المشغلة لحقل ليفاتيان للغاز الطبيعي قبالة السواحل الفلسطينية. وفي 26 سبتمبر/أيلول الماضي، وقّعت شركة الكهرباء الوطنية المملوكة بالكامل للحكومة الأردنية اتفاقية مع شركة "نوبل إنيرجي" لاستيراد الغاز من إسرائيل، ضاربة المبررات الاقتصادية الواهية التي ساقتها، بعرض الحائط وذلك عبر أوسع حملة رفض شعبي للتطبيع الذي بدأه الأردن بتوقيعه معاهد السلام مع إسرائيل في عام 1994.
العامان اللذان سبقا التوقيع رسمياً على الاتفاقية، بين 2014 و2016، شهدا عشرات الفعاليات المناهضة للمضي في الاتفاقية، وتكوّن خلالهما مزاج شعبي يرفضها ترجم بتصويت مجلس النواب السابق بأغلبيته على قرار يطلب من الحكومة التراجع عن الصفقة، وبرزت حملة وطنية أردنية لإسقاط اتفاقية الغاز مع الكيان الصهيوني تضم الأحزاب الأردنية والنقابات المهنية والعمالية والفعاليات والحركات الشعبية.


لكن الحكومة لم تتوقف عن الدفاع عن الاتفاقية، رغم المزاج العام المناهض لها والذي أججته الجرائم الإسرائيلية المرتكبة بحق مواطنين أردنيين على غرار اغتيال القاضي الأردني رائد الزعيتر على يد جنود إسرائيليين قبل أشهر قليلة من توقيع خطاب النوايا، وإعدام مجندة إسرائيلية للمواطن الأردني سعيد العمرو قبل أيام قليلة من التوقيع الرسمي على الاتفاقية.
وفي أعقاب التوقيع رسمياً على الاتفاقية، تطورت حركة الاحتجاج بشكل أوسع، واختار الأردنيون العودة إلى الشارع من خلال المسيرات والتظاهرات المنددة بالاتفاقية والموقّعين عليها والمطالبة بإلغائها، ليعيدوا بذلك بث الروح في الحركة الاحتجاجية المنظمة التي غابت أو كادت أن تغيب عن الشارع الأردني منذ أن خبت في عام 2013 الاحتجاجات الأردنية التي جاءت متأثرة بموجة الانتفاضات العربية.
وتنشط في الأردن مبادرة لإطفاء أنوار المنازل كل يوم أحد من الساعة التاسعة مساءً حتى الساعة العاشرة، تعبيراً عن رفض المواطنين للاتفاقية، ولاقت المبادرة التي طبقت مرتين تجاوباً كبيراً، فيما تحاول الحكومة عرقلتها من خلال التصريحات التي تقلل من أهمية إطفاء الأنوار على فاتورة الكهرباء.
عضو المكتب السياسي لحزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني (يساري)، عبد المجيد دنديس، رد على المبررات الاقتصادية التي تسوقها الحكومة حول عدم وجود بدائل للغاز الإسرائيلي ومساعيها لإطفاء خسائر شركة الكهرباء الوطنية، بالقول خلال مسيرة أمس: "كل التبريرات التي تقدمها الحكومة غير مقنعة لشعبنا، لا هي اتفاقية اقتصادية ولا مصلحة وطنية هي خيار استراتيجي، هي اتفاقية سياسية بامتياز تم توقيعها مع الكيان الغاصب للتأكيد على التطبيع والتقارب مع الكيان، وكل ذلك بإرادة وضغوط أميركية".
وكانت دراسة قد أعدتها الحملة الوطنية الأردنية لإسقاط اتفاقية الغاز مع العدو الصهيوني قدرت حصة الحكومة الإسرائيلية من الاتفاقية بأكثر من 8.4 مليارات دولار، وأشارت الدراسة ذاتها إلى أن الأموال المتأتية من جيوب دافعي الضرائب الأردنيين ستنفق على التوسع الصهيوني في الاستيطان وتعزيز الآلة العسكرية.
أما منسق الحملة هشام البستاني، فقال في ختام مسيرة عمان: "في الوقت الذي لم يجف فيه دم الشهيد سعيد العمرو، ولم تظهر نتائج التحقيق العبثي بإعدام القاضي رائد زعيتر، تكافئ الحكومة الكيان الصهيوني بـ10 مليارات دولار من أموالنا غصباً عنا ومن دون اكتراث لرأينا أو رأي النواب الذين رفضوا الاتفاقية بأغلبية ساحقة ومن دون اكتراث بمصالح البلد الاستراتيجية التي ستصبح مرهونة بيد العدو". وأضاف: "نقول للمطبعين، بوضوح، لا نريد غاز العدو حتى لو كان بالمجان، لأن كلفة التبعية والخضوع كبيرة جداً"، معدداً الخيارات البديلة والمتمثلة بطاقة الرياح والطاقة الشمسية وميناء الغاز المسال في العقبة (جنوب الأردن)، وعروض من دول عربية لتوريد الغاز بسعر تفضيلي، مرجعاً الإصرار الحكومي على الاتفاقية إلى منطق التبعية والخضوع وهدر السيادة الذي يرفضه الشعب الأردني.
من جهته، أكد رئيس النقابة المستقلة للعاملين في شركة الكهرباء، أحمد مرعي، أن الاتفاقية لن تحل أياً من مشكلات الطاقة أو إطفاء العجز الذي تعانيه الشركة كما تسوّق الحكومة، مشيراً إلى أن كلفة الاتفاقية تفوق سعر الغاز في الأسواق العالمية، معتبراً أن "هذه الاتفاقية ترهن الوطن لعدو تاريخي يسعى للسيطرة على ضفتي النهر، وليس على فلسطين فقط".
يُذكر أن الحكومة وقّعت الاتفاقية بشكل منفرد من دون عرضها على مجلس الأمة المكوّن من غرفتين؛ الأعيان والنواب، في وقت يلزم الدستور الأردني في الفقرة الثانية من المادة 33 موافقة مجلس الأمة على المعاهدات والاتفاقيات التي تُحمّل خزينة الدولة شيئاً من النفقات أو مساساً بحقوق الأردنيين العامة أو الخاصة.

المساهمون