صراع على ساحة التحرير وسط بغداد

20 فبراير 2019
ساحة التحرير منصة للعراقيين غير المتحزبين (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -


بمعدل أسبوعي، وتحديداً كل يوم جمعة، تشهد ساحة التحرير، أكبر وأبرز ساحات العاصمة العراقية بغداد، إجراءات أمنية مشددة، إذ يتم نشر أسلاك شائكة في الشوارع المؤدية إليها، فيما يترك معبر صغير لعبور المواطنين والوصول إليها من أجل الاحتجاج.

وعلى الرغم من أن التظاهرات في بغداد قد خفّت، إلا أن الساحة لم تهدأ منذ العام 2010، إذ لازمها أنصار الحزب الشيوعي العراقي الذين تظاهروا للمطالبة بأمور عدة، أبرزها مكافحة الفساد ومحاسبة المقصرين بأدائهم الوظيفي من كبار المسؤولين في الدولة، وأبرزهم أعضاء حزب "الدعوة"، الذي يتزعمه الرئيس الأسبق للحكومة، نوري المالكي. ولأكثر من مرة تعرض المتظاهرون للضرب بالهراوات من قبل فرق مكافحة الشغب، فضلاً عن ملاحقات لمتظاهرين بارزين، وقتل عدد منهم، أبرزهم الإعلامي العراقي هادي المهدي، في العام 2011، بعدما تقدم بشكوى ضد نوري المالكي بأيّام.

وتضم ساحة التحرير نصب الحرية الشهير للنحات العراقي جواد سليم، الذي يرمز لتاريخ البلد منذ حكم البابليين والآشوريين والسومريين وأحداث ثورات العراق في العهد الحديث. وقد اتخذتها أكثر من جهة، مدنية وسياسية، منصة خاصة للاحتجاج. وبعدما عسكر الحزب الشيوعي في الساحة لأربع سنوات، دخل الإسلاميون على الخط، وأولهم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في العام 2015، إذ "عسكر" فيها مع أتباعه حتى مايو/ أيار الماضي، لتدخل "عصائب أهل الحق" و"بدر" و"كتائب سيد الشهداء" و"الخراساني" بعد ذلك إلى الساحة أكثر من مرة، بحجة المطالبة بإقرار قانون "الحشد الشعبي" تارة وخروج القوات الأجنبية من العراق تارة أخرى، في محاولة غير مباشرة لإبعاد المتظاهرين المدنيين عن الساحة، ودفعهم لإيجاد بديل عنها.

ويقول مدنيون ونشطاء عراقيون إن الأحزاب الإسلامية تستخدم أسلوب التظاهر المضاد، إذ إنها تستبق أي حراك أو تظاهرة بإنزال مناصريها أو أشخاص تقوم باستئجارهم لتعبئة الساحة، والتضييق على التظاهرة الحقيقية. وعلل مسؤول رفيع المستوى في الحكومة العراقية سباق الأحزاب والفصائل المسلحة للتظاهر في ساحة التحرير في بغداد، مع المدنيين، إلى "كون الساحة تعد من أهم مجسات الحكومة لمعرفة رأي الشعب العراقي". وقال، لـ"العربي الجديد"، إن "ساحة التحرير أزعجت السلطات العراقية كثيراً خلال الأعوام الثمانية الماضية، إذ إن نوري المالكي كان يحذر من أعضاء الحزب الشيوعي الذين ظلوا يتظاهرون لسنوات ضده وضد سياسته، برغم قلة عددهم، وأصدر عدة قرارات لتحجيم مساحة المنطقة التي يحتجون فيها، وأمر بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع باتجاههم لتفريقهم. كما هاجر مدنيون إلى خارج البلاد بعد تهديدات بالقتل صدرت من قياديين بارزين في حزب الدعوة ومنظمة بدر التابعة لهادي العامري. وحتى رئيس الحكومة السابق حيدر العبادي كان قلقاً من التظاهرات في ساحة التحرير، لأنه يعرف أن المدنيين لا يخضعون لضغوط سياسية، إلا أنه ارتاح بعدما تحالف مع الصدر، شريك المدنيين في الساحة".



واعتبر المسؤول أن "فصائل الحشد الشعبي والأحزاب الإسلامية الأخرى، وبرغم أنها تملك المال والإعلام، إلا أنها لا تملك أي مكان تعبر فيه عن توجهاتها وتضغط فيه من أجل الحصول على مطالبها، ولقد وجد قادة في الحشد الشعبي، ومنهم رئيس فصيل كتائب سيد الشهداء أبو آلاء الولائي، بالإضافة إلى هادي العامري، أن السيطرة على ساحة التحرير والتظاهر فيها سيساعدهم في زيادة الضغط من أجل نيل مطالبهم". وأوضح أن "أول نزول لمؤيدي الحشد الشعبي والأحزاب الإسلامية كان من أجل مطالبة العبادي بإخراج القوات التركية من ناحية بعشيقة التابعة لمدينة الموصل، وتوالت بعدها الاحتجاجات التي قادتها أحزاب إسلامية، ما أدى إلى تراجع المساحة التي يمكن للمدنيين التظاهر فيها، وبالتالي تراجع عددهم".

من جانبه، قال عضو الحزب الشيوعي العراقي، علاء الهيتي، إن "المدنيين ما زالوا يتظاهرون في ساحة التحرير، وفي كل جمعة هناك وقفة احتجاجية لمراقبة أداء الحكومة، والمطالبة بالمزيد من الإصلاحات والخدمات ومحاسبة الفاسدين". وأضاف "لم تتوقف تظاهرات المدنيين نهائياً، وحتى مع دخول أتباع الأحزاب الإسلامية وفصائل الحشد، ظلت التظاهرات مستمرة"، مشيراً إلى أن "الإسلاميين حاولوا، أواخر العام 2017، انتزاع ساحة التحرير من المدنيين، عبر توجيه مليشيات لمهاجمة المتظاهرين بالعصي والهراوات والسكاكين، إلا أن أعضاء الحزب الشيوعي وغيرهم من المتظاهرين لم يتركوا الساحة. ومع ذلك، فإن الإسلاميين يواصلون السعي للاستحواذ على الساحة، وهذا ما لا نقبله. لا مانع لدينا من أن يتظاهروا في الساحة للمطالبة بحقوقهم، لكن نرفض استحواذهم عليها".

وأكد عضو تنسيقية تظاهرات المدنيين في بغداد، علي النجار، أن "المدنيين لن يتخلوا عن ساحة التحرير، فهي منصة للعراقيين غير المتحزبين، وبإمكان جماهير الأحزاب والمؤيدين للفصائل الإسلامية المسلحة اختيار ساحات أخرى، لأن المدنيين مطالبهم ثابتة وتتجدد كل أسبوع، أما الأحزاب فرغباتها متذبذبة وفقاً لمصالحها، وبالتالي هي ليست بحاجة إلى مكان ثابت يُخصص لها". وقال لـ"العربي الجديد": "شهدت فعاليات مدنية عدة في ساحة التحرير، نزول أنصار الأحزاب الإسلامية إلى الساحة، في محاولة للتضييق على فعاليات المدنيين". من جهته، رأى المراقب للشأن المحلي العراقي أحمد العبيدي أن "ساحة التحرير تمثل قلب العاصمة العراقية، والرمز الشعبي لبغداد، والسيطرة عليها من قبل جهة سياسية، تعني إبراز قوتها، فهي تجذب نظر المواطنين والصحافيين والحكومة إليها. وقد تصدر التيار الصدري المشهد السياسي بعدما سيطر على الساحة بعد اختفاء المدنيين منها. وعبر الساحة والتمثيلية الاحتجاجية التي صنعها التيار الصدري مع المدنيين، حصل تحالفهم الانتخابي سائرون على المركز الأول" في الانتخابات النيابية. وقال لـ"العربي الجديد"، إن "الحديث عن سيطرة التيار المدني على ساحة التحرير أمر غير حقيقي، لأن المسيطر حالياً هو التيار الصدري، ووصل الأمر إلى أن تظاهرات المدنيين لا تخرج إلى ساحة التحرير إلا بموافقة من مكتب مقتدى الصدر"، موضحاً "قبل أشهر اختار أنصار تحالف الفتح ساحة الفردوس للتظاهر، لأنهم يعرفون أن ساحة التحرير صدرية".