تتالت اللوائح المعروضة على مجلس نواب الشعب التونسي في الفترة الأخيرة، آخرها مناقشة المجلس في جلسة عامة، أول من أمس الثلاثاء، مشروع لائحة تتعلق بمطالبة الدولة الفرنسية بالاعتذار للشعب التونسي عن جرائمها في حقبة الاستعمار المباشر (1881 ـ 1956) وبعدها، والتي تقدمت بها كتلة ائتلاف الكرامة. وسبق للمجلس أن نظر الأسبوع الماضي في مشروع لائحة حول رفض مجلس نواب الشعب التدخل الخارجي في ليبيا،، بينما يستعد "الحزب الدستوري الحر" لتقديم مشروع لائحة جديدة ضد "حركة النهضة" في الأيام المقبلة. وإذا كان البعض يرى أن تعدد اللوائح المقدمة من قبل بعض الأحزاب والكتل السياسية في هذه الفترة لن يخدم تونس، التي تركز جهودها على مواصلة مجابهة تداعيات وباء كورونا، مؤكدين أن هناك أولوية لملفات اجتماعية وأمنية واقتصادية عدة، مقارنة بالملفات التي تتم مناقشتها حالياً، فيما يرى البعض الآخر أن تقديم مشاريع اللوائح من قبل الأحزاب مسألة ضرورية، وكل الملفات التي يدور حولها النقاش هامة.
وعن مبدأ تقديم اللوائح إلى البرلمان، يشرح النائب عن "حركة النهضة"، أسامة الصغير الأمر لـ"العربي الجديد"، بقوله إنّ اللوائح غير مذكورة في الدستور وغير مدرجة ضمن صلاحيات مجلس نواب الشعب أو أي قانون آخر، بل تمت إضافتها ضمن النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب لأن بعض المجالس النيابية تعتبرها قيمة مضافة للعمل التشريعي، وتعبّر عن موقف معين بملف يشغل البلاد. لكنه يشير إلى أن تواتر اللوائح أخيراً وعرضها على الجلسة العامة، أصبح يحتم إعادة النظر فيها وفي المواضيع الخاصة بها.
ويوضح الصغير أنه لم يتم التفصيل في هذه النقطة وتحديد مجالاتها وطرق تقديمها، كي لا يتم اختطاف البرلمان التونسي في مناقشة اللوائح التي يمكن أن تحيد به عن دوره التشريعي الأصلي، معتبراً أنه بدلاً من أن تناقش الجلسة العامة مسائل ذات أولوية، يتم الانشغال بهذه اللائحة بقطع النظر عن مضمونها، وفي الأيام المقبلة ستكون لوائح أخرى معروضة. مشيراً إلى أنّ هناك 9 كتل في مجلس نواب الشعب، وإذا قررت كل كتلة منها تقديم لوائح وعرضها على الجلسة العامة فسيقضي البرلمان 5 سنوات في نقاشها ولن يتم النظر في القوانين والملفات الهامة. ويشدّد الصغير على أن تحديد التفاصيل ومضامين اللوائح مهم، وكذلك كيفية التعامل معها، كي لا ينزلق مجلس نواب الشعب في مجالات قد تضرّ عمله ومصلحته وصورته، حتى ولو تمّت مناقشة لوائح ما فيجب أن تكون بالشكل المطلوب.
من جهته، يؤكد رئيس الكتلة الوطنية، حاتم المليكي، أنّ العمل النيابي مبني على العمل التشريعي، من خلال المصادقة على قوانين أو تقديم مبادرات ومن خلال العمل الرقابي على الأداء الحكومي ومؤسسات الدولة، فالجلسات العامة يجب أن تخصص لمناقشة القوانين والمبادرات التشريعية وهناك أولويات. ويضيف في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أنه عدا ذلك، فإن اللوائح تبقى خياراً للتعبير عن مواقف تقتضيها الضرورة، ولكنْ للأسف هناك ابتعادٌ عن هذا المبدأ.
ويلفت المليكي إلى أن اللوائح المقدمة أخيراً لا تخلو من حسابات سياسية من حيث توقيتها ومواضيعها، مؤكداً أن الصراع السياسي لم ينته ويبدو أن إحدى الوسائل المستعملة حالياً هي اللوائح، في حين أنّ التركيز يجب أن يكون على العمل التشريعي والنقاش حول الإصلاحات. ويشدّد على أنه من المفروض تغيير فلسفة اللوائح في اتجاه البحث عن توافقات لا إحراج الأطراف البرلمانية، معتبراً أن الإحراج لم يعد يشمل الأطراف السياسية فقط، بل قد يمسّ العلاقات الخارجية، ما يكشف عن عدم نضج الطبقة السياسية وتنامي صراعاتها التي لا تخلو من تعكير الأجواء وقد يصل الأمر إلى الإضرار بالمصالح الخارجية.
من جهته، يرى النائب عن ائتلاف الكرامة، الحزب الذي قدّم لائحة الاستعمار الفرنسي، الصحبي عمارة، أنّ مشروع اللائحة المقدم يكرّس مبدأ نبيلا وهو الاعتذار، الذي يُعتبر ضرورياً وموقفاً وطنياً، لشعب استُعمر وليس نتيجة موقف سياسي، مؤكداً أن مطلب الاعتذار تقدمت به كل الشعوب المضطهدة في العالم. ويضيف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن الاعتذار يُعدّ تصحيحاً لوضعية، واعترافاً بجرائم ارتكبت في حقّ الإنسانية، خصوصاً أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وصف الاستعمار بـ"الجريمة ضد الإنسانية".
أما المحلل السياسي، عبد اللطيف الحناشي، فيعتبر في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أنّ النخبة السياسية في تونس لا تدرس توقيت تحركاتها ونشاطها والمبادرات التي تقدمها، لافتاً إلى أن تونس بعد مرورها بوباء كورونا تعيش حالة طوارئ اقتصادية واجتماعية في ظل انتظار التونسيين، وبالتالي كان من المفروض مناقشة مثل هذه القضايا الجوهرية أولاً. ويشير إلى أن طرح هذه الملفات الآن في مثل هذا التوقيت لا معنى لها رغم أهميتها. ويضيف أنّ طلب الاعتذار مهم، وأنه سبق وأن طالب كمؤرخ في كتاب له صدر في عام 2003 بالاعتذار، مشيراً إلى أن الملف مهم، ولكن التوقيت غير مناسب وكان بالإمكان تأجيل مناقشة اللائحة والنظر في لوائح أخرى تهم التونسيين من بينها الفساد والمديونية والبطالة، وعلى النواب التركيز على القضايا المرتبطة بالشعب وتمس حياتهم مباشرة.