تدور معركة خفية بين الأجهزة الأمنية في قطاع غزة، ومعها أجهزة أمن المقاومة، وبين عملاء واستخبارات الاحتلال. يسعى الأمن والمقاومة إلى اجتثاث خطر المتخابرين مع الاحتلال ضد شعبهم، فيما تسعى إسرائيل إلى زيادة عمليات التجنيد، ولا سيما مع الضربات المكثّفة التي تلقاها عملاؤها في الحرب القائمة على غزة، وفيما سبقها.
تبدأ حكاية المتخابر مع الاحتلال منذ اللحظة الأولى التي يتم تجنيده فيها عن طريق أجهزة الاحتلال الأمنية، والتي يصبح بعدها عميلاً لصالح الاحتلال يشي بالمعلومات الأمنية ضد أبناء الشعب الفلسطيني ومقاومته ومقدّراته، ليشكّل خطراً داخلياً، تنّبَه الجميع لضرورة إسقاطه.
المقاومة الفلسطينية اتفقت فيما بينها على إطلاق عملية "خنق الرقاب" على المتخابرين مع الاحتلال، والذين تم كشف عدد كبير منهم. وبدأت العملية بإعدام نحو 18 متخابراً بشكل علني، بعد استيفاء الشروط القانونية والقضائية بحقهم، ولاقت الحملة استحساناً شعبياً واسعاً.
وتحفّظ مسؤولون أمنيون، تحدثت إليهم "العربي الجديد"، عن الإدلاء بتفاصيل الحملة الحالية للمقاومة وأساليب التجنيد، لكنهم أجمعوا على أن العملاء ظاهرة تعيشها كل المجتمعات التي تقع تحت الاحتلال، وأنهم في قطاع غزة "قلّة قليلة".
ولم تدخّر الأجهزة الأمنية في قطاع غزة جهداً لملاحقة العملاء، واستطاعت الوصول إلى كثير منهم، عبر حملاتها القوية التي دفعت عدداً كبيراً من المتخابرين إلى تسليم أنفسهم. وقد ساهمت قلة احتكاك المواطنين بالاحتلال في شحّ في المعلومات الأمنية خلال الحروب الماضية.
ويقول الخبير في شؤون الأمن القومي، إبراهيم حبيب، إن الاحتلال يستخدم جملة من الأساليب غير الأخلاقية لإسقاط وتجنيد العملاء لصالحه، ولا سيما في الفترة السابقة التي كان الاحتكاك فيها كبيراً بين مواطني قطاع غزة والاحتلال.
ويضيف حبيب، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، "كان الاحتلال يستغل العمال الفلسطينيين الذين يمرون عبر معبر "إيرز" للحصول على لقمة عيشهم، وكذلك المواطنين المسافرين عبر معبر كرم أبو سالم، أو معبر رفح قبل الانسحاب، ما ساهم في تشكيل عدد من خلايا العملاء بعد اللعب على النفوس الضعيفة لذوي الاحتياجات المالية أو المرضية".
ونجح الاحتلال، بحسب حبيب، في تجنيد بعض التجار الذين تربطهم المصالح التجارية ببعض شركاته، علاوةً على لعب الاحتلال واستغلاله الحالة النفسية لبعض الأسر، والمشاكل الأسرية التي ساهمت في سقوط بعض الأبناء، عن طريق الرسائل والمكالمات. يُضاف إلى ذلك إسقاط بعض الشباب الصغار عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي، والألعاب، واختراق الأجهزة والحصول على صور وابتزازهم.
ويضيف، "في هذه الحرب كان لإسرائيل بعض الخلايا النائمة من العملاء، وتم تفعيلها بشكل كبير، ما أدى إلى زيادة نشاطها في رصد ومتابعة المقاومين، وأماكن إطلاق الصواريخ، ورصد البيوت، وعمليات المقاومة، لذلك كان لا بد للمقاومة من خطوات ميدانية، ومنها المحكمة الثورية التي أعلن عنها للقصاص من المتخابرين".
ويشير حبيب، إلى أن قيمة العملاء بالنسبة للاحتلال كبيرة، على الرغم من امتلاكه الترسانة الإلكترونية والأقمار الصناعية والأجهزة الحديثة في الرصد والمتابعة، إلا أن ذلك لم يغنه عن العنصر البشري والعين على أرض الواقع، والتي تُكسب الاحتلال أهمية كبرى في الرصد الميداني.
ويوضح، أن استخبارات الاحتلال من دون معلومات عبر العملاء تبقى ضعيفة، كما حصل في فترة أسر المقاومة للجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، هذا الفقر المعلوماتي والاستخباري للاحتلال يبدو واضحاً، على الرغم من امتلاك الاحتلال الوسائل التكنولوجية كافة.
ويشدد، على أن المقاومة تحاول توجيه ضربة قاصمة إلى العملاء، من أجل إفقاد إسرائيل عنصراً ومصدراً هاماً من مصادر معلوماتها الأمنية.
ويبدأ خطر العملاء بالخطر الأمني، المتمثل باستهداف المقاومة وعناصرها، إضافة إلى المستوى السياسي الذي يُضعف قدرة المقاومة على المناورة في ظل وجود العملاء، علاوة على المستوى النفسي والمعنوي، في ظل الإشاعات التي يثيرها العملاء، والتي تحدث حالة من الإرباك في الجبهة الداخلية الفلسطينية، ما يرهق المقاومة ويضعف قدرتها.
وقد شارك المتخابرون مع الاحتلال في عدد كبير من العمليات التي ألحقت الضرر بالفلسطينيين، كان آخرها رصد بيت في حي الشيخ رضوان اشتُبه بوجود القائد العام لـ"كتائب القسام" محمد الضيف فيه، وأدى استهداف المكان إلى تدمير عدد كبير من البيوت واستشهاد العديد من المواطنين، بينهم زوجة الضيف واثنين من أطفاله. واعترف الاحتلال بمساعدة عدد من العملاء إيّاه في تنفيذ العملية، إضافة إلى عملية اغتيال قادة القسّام الثلاثة في رفح.
وساهم نشاط خلايا العملاء خلال العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، في كشف المقاومة عدداً منهم في معظم محافظات قطاع غزة، بعدما أرشدوا الاحتلال إلى أماكن إطلاق الصواريخ، ووضع الإشارات على بيوت المقاومين وأماكن عمليات المقاومة، ما ساهم في ارتقاء عدد كبير من الشهداء.
ويشرح المحلل السياسي، حسن عبدو، أن الاحتلال وفي الفترة الحالية، يقوم باستغلال وسائل التواصل الاجتماعي من أجل تجنيد العملاء، عن طريق المراكز الأجنبية، ووعد بعض الأفراد بالسفر إلى الخارج والحصول على منحة، ليفاجأ فيما بعد أنه في أحضان الموساد الإسرائيلي.
ويؤكد عبدو، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن الحرب انتقلت في هذا العدوان إلى حرب معلوماتية واستخبارية وجاسوسية، إذ تحاول إسرائيل الاعتماد على سياسة الاغتيالات بشكل كبير، في حين تعتمد المقاومة على حرب الاستنزاف.
ويوضح أن المقاومة ترغب، من خلال حملاتها ضد العملاء، بتخويفهم على الأرض من أجل أن يوقفوا اتصالاتهم مع الاحتلال، على الأقل في هذه الفترة، التي تخدم المقاومة بشكل كبير.
ويعزو عبدو عمليات السقوط في وحل التخابر مع الاحتلال إلى ضعف الوازع الديني لدى البعض، ما يدفعهم إلى إنجاح أهداف الاحتلال، إضافة إلى الانقسام الفلسطيني، والصراع الذي حدث في الساحة الفلسطينية، علاوة على سذاجة البعض وضعف خبرتهم، ما يؤدي إلى سقوطهم في وحل العمالة.