صراع "وجود" في مصر

05 اغسطس 2014

أطفال مصريون أقباط في احتفال ديني بالقاهرة (إبريل/2013/أ.ف.ب)

+ الخط -
حبا الله مصر بقدر من التجانس، ربما لم يكن متوفراً في غيرها من المجتمعات الأخرى، خصوصاً الإفريقية التي تتميز بوجود انقسام رأسي على مستويات متعددة، بداية من المستوى الجغرافي"شمال وجنوب"، أو المستوى الاقتصادي"غني وفقير"، أو الديني" مسلم ومسيحي". وعندما تفشل النظم السياسية في تحقيق أهداف التنمية السياسية، خصوصاً التوزيع العادل للموارد الاقتصادية والقيم السياسية، يؤدي ذلك إلى حدوث صراع سياسي، قد يسبب مطالب انفصالية، أو حروباً أهلية، ولعل حالات الصراع في دول غرب إفريقيا تحديداً، ساحل العاج، ليبيريا، مالي، خير دليل على ذلك.
لم يكن الوضع في مصر هكذا، حتى وقت قريب، إلى أن حدث الانقلاب وما تلاه من رغبة المؤسسة العسكرية، وليس الجيش، في أن تكون اللاعب الأول في المعترك السياسي، فاعتمدت السياسة البريطانية الشهيرة "فرق تسد"، كما عملت على تسخير الآلة الإعلامية لتحقيق ذلك، بشيطنة قطاع مهم في المجتمع "تيار الإسلام السياسي"، والحديث عن "نحن شعب وأنتم شعب"، على الرغم من أن رأس المؤسسة العسكرية، عبد الفتاح السيسي، عمل على تضمين بند المصالحة الوطنية في خريطة طريق الانقلاب، وكذلك وضع ميثاق شرف إعلامي ينبذ الكراهية والتحريض بين أبناء الوطن الواحد. ويبدو أن رفض الإخوان المسلمين تحديداً القبول بسياسة الأمر الواقع، من خلال المشاركة في خطة الطريق، هو ما جعل المؤسسة العسكرية تسلك هذا النهج. وتحول لغة الخطاب من الحوار السياسي مع الفرقاء السياسيين إلى فكرة ضرورة الاذعان أولا، وهو ما عبر عنه في حينها أحمد المسلماني، المستشار الاعلامي للرئيس المؤقت، عدلي منصور، عندما قال إن المصالحة تعني قبول "الإخوان" بخريطة الطريق، كما هي من دون تعديل، وأن المصالحة ستكون نفسية واجتماعية فقط!
ومنذ ذلك الحين، تحولت المشكلة في مصر من نزاع قانوني حول فكرة الشرعية إلى صراع أكثر تعقيداً، لأنه بات يتضمن خلافات أيديولوجية حاليا "إسلامي/ علماني، إسلامي/مدني، أو خلافات دينية، إسلامي/ مسيحي. وللأسف، عملت المؤسسة العسكرية على تغذية عوامل الصراع هذه، على اعتبار أن هذا سبب وجودها، على الرغم من أن كل خبرات الأنظمة التي شهدت صراعات تفيد بأن هذه الأنظمة تلعب بالنار، وربما تكون أول من يكتوي بها. بل برز على السطح بعدٌ جديد في الصراع، وهو الصراع العسكري/ الإسلامي، بدلاً من الصراع التقليدي المدني/ العسكري. وما قد يترتب عليه من حالة من الكره لدى الإسلاميين صوب الجيش كمؤسسة، ما لم يتم التمييز لديهم بين رأس المؤسسة وجسدها.
على أن الأخطر في الموضوع أن ممارسات المؤسسة العسكرية، منذ وقوع الانقلاب، وطوال العام الماضي، لم تعمل على تقييم سياستها، وتهدئة الوضع عبر الدخول في مصالحة مع
 الخصم السياسي الآخر "الإسلاميين"، لا سيما أن حالة الاستقرار المنشود لم تتحقق، وكذلك الأمر بالنسبة للاقتصاد المأمول، بل وجدنا العكس هو الذي يحدث، حيث بات التركيز على المعادلة الصفرية، والتي ازدادت وضوحاً في خطاب عبد الفتاح السيسي في الذكرى 52 لثورة 23 يوليو، والذي أكد أن المعادلة ليست صفرية فقط، بمعنى أن هناك طرفاً يحصل على كل المكاسب السياسية في مقابل طرف آخر لا يحصل على شيء، وإنما أشار الرجل إلى ما هو أخطر، عندما تحدث عن أن المعركة معركة "وجود"، ثم عاد إلى التأكيد على الأمر نفسه، ولو بكلمات مختلفة، في احتفاله بليلة القدر، ثم لقائه مع رئيس وزراء إيطاليا.
لهذا الصراع "الحديّ الوجودي" دلالات خطيرة، فهو لا يشير إلى أن المعركة سياسية، ينبغي حلها في إطار التفاوض، وتقديم كل طرف تنازلات متبادلة، وإنما يفيد بأن المعركة وجودية، بمعنى أن هناك طرفاً يريد إلغاء طرف من الوجود. ما يعني حالة عداء وكره سياسي غير مسبوق للطرف الآخر الذي لا ينبغي عليه فقط الانصياع لمقتضيات الأمر الواقع، وإنما ليس له حق في الوجود من الأساس. وهو ما يعيد إلى الأذهان كلام صمويل هنتنجتون، بداية تسعينيات القرن الماضي، عن صراع الحضارات، بدلاً من الحديث عن التدافع الحضاري، أو حديث فوكوياما عن نهاية التاريخ بانهيار الاتحاد السوفييتي وهيمنة الحضارة الغربية.
يشير استحضار السيسي فكرة الصراع الوجودي الصفري الحدي إلى أن الرجل مصمم على تصفية الخصوم بأي طريقة، ما يغلق الطريق أمام أي حديثٍ عن تسوية سياسية، قد تلوح في الأفق. علماً أن التسويات السياسية في حالة الصراعات تكون مؤقتة، لأن الحاجة تكون ماسة ليس لتسوية الصراع، وإنما لحله، بالسعي إلى علاج مكامن الصراع، المتمثلة في حالة الانقسام السياسي، والكره الموجود حتى داخل الأسرة الواحدة. وهو أمر يحتاج مزيداً من الوقت، وتكون نقطة البداية التسوية السياسية. أما الحديث الأخير للسيسي فيشير إلى أن الرجل مقدم على كارثة سياسية كبيرة، ويسير بالبلاد إلى حافة الهاوية، ولاسيما أنه لا يستند إلى معطيات واقعية حقيقية، "سياسية أو اقتصادية"، تقوي موقفه، وتجعله يقدم على هذه الخطوة الانتحارية.  
B8DDCC55-8075-41F9-A617-4F3EA9A3A8C9
بدر شافعي

كاتب وباحث مصري، يحمل الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، له كتابان عن تسوية الصراعات في إفريقيا، وعن دور شركات الأمن في الصراعات.