صراع "صقور" و"حمائم" داخل "النصرة" على خيار حلّ نفسها

06 اغسطس 2018
عناصر من "هيئة تحرير الشام" (عمر حاج قدّور/فرانس برس)
+ الخط -

تتجه الأوضاع في شمال غربي سورية إلى مزيدٍ من التعقيد، في ظلّ حديث يتصاعد عن كون المنطقة التي تضم محافظة إدلب معقل المعارضة السورية، و"هيئة تحرير الشام"، أولوية لدى النظام وحلفائه الروس الذين يتخذون من الهيئة مدخلاً وذريعة لسحق المعارضة في منطقة أي خلط للأوراق فيها يشكل تهديداً لتركيا، التي نجحت في توحيد المعارضة في كيان واحد اسمه "الجبهة الوطنية للتحرير". ولكن يبدو أنها تجد صعوبة في تطويع "هيئة تحرير الشام"، لسحب الذرائع من يد الروس. ووجدت الهيئة المُصنفة إرهابياً نفسها أخيراً أمام خيارين لا ثالث لهما: إما حل نفسها والاندماج مع المعارضة أو مواجهة الأسوأ، وهو عمل عسكري إما من قبل فصائل المعارضة أو من قبل قوات النظام، إلا أن مراقبين يرون أن الهيئة تجيد سياسة "حافة الهاوية" ولديها القدرة على المناورة.

وأكدت مصادر مطلعة لـ "العربي الجديد" أن "هناك انقساماً داخل هيئة تحرير الشام ما بين متشددين رافضين لفكرة التخلي عن الهيئة تحت أي ضغوط، وما بين معتدلين يرون أن العناد قد يؤدي إلى سحق الهيئة ومقاتليها، وبات من الواضح أن الروس جادون في إعادة إدلب إلى سيطرة النظام، سواء عن طريق المصالحة أو من خلال عمل عسكري". وسبق أن حدث انقسام داخل الهيئة في العام الماضي، أدى إلى خروج عدد كبير من مقاتليها منها والانضمام إلى تنظيمات أكثر تشدداً كتنظيم "حراس الدين"، الموجود في أجزاء من ريف إدلب ومناطق في ريفي حماة واللاذقية الشماليين.

وكانت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام قد ادّعت، يوم السبت، أن "هيئة تحرير الشام التي تشكل جبهة النصرة عمادها الرئيسي، رفضت رفضاً قاطعاً حلّ نفسها والانضمام إلى الجبهة الوطنية للتحرير"، التي شُكلت أخيراً من انضواء أغلب فصائل المعارضة السورية تحت لوائها. كما ادّعت الصحيفة أن "النصرة أصرّت في سورية، على تمسكها بنهجها وعقيدتها وثوابتها مهما كلفها الأمر". ونقلت الصحيفة عن مصادر لم تسمّها أن "النصرة تخشى من استهدافها من قبل تركيا عبر الائتلاف الجديد، الجبهة الوطنية للتحرير، التي تطالب بعض فصائله بتصفية النصرة"، لافتة إلى أنها "لا تثق بنوايا أنقرة".



وفي وقت لم يصدر فيه نفي أو تأكيد من "هيئة تحرير الشام" لمسألة رفضها الاندماج مع فصائل المعارضة في كيان واحد، إلا أن ما ذكرته "الوطن" قد يكون مجرد حرب نفسية يشنها النظام ضد محافظة إدلب معقل المعارضة البارز، ومحاولة واضحة للإيحاء بأن أي عملية عسكرية مقبلة هي لمحاربة هذه الهيئة التي ترفض التخلي عن رداء تنظيم القاعدة والانخراط في الحل السياسي. وكانت قد ذكرت مصادر إعلامية أن روسيا منحت تركيا مهلة شهر تنتهي مطلع الشهر المقبل لحل مشكلة "هيئة تحرير الشام"، وإلا فإن شمال غربي سورية سيواجه مصيراً شبيهاً بمصير الجنوب السوري، في ظل أنباء عن أن قوات النظام تستعد بالفعل لعملية عسكرية لاستعادة منطقة جسر الشغور المتاخمة لريف اللاذقية الشمالي، والواقعة على الحدود السورية التركية.

وبدأت "جبهة النصرة"، باسمها الجديد "فتح الشام"، بمواجهة مصير جديد مع إعلان تشكيل "الجبهة الوطنية للتحرير" منذ أيام، التي ضمّت أغلب فصائل المعارضة السورية، وبدفع واضح من الجانب التركي، في محاولة لترتيب أوراق المعارضة العسكرية استعداداً لمرحلة ربما تكون مصيرية. وباتت إدلب أولوية لدى النظام وحلفائه، بعد تجفيف منابع الثورة والمعارضة في بقية أنحاء سورية، وآخرها كان الجنوب السوري.

وأعلنت فصائل عسكرية بارزة في إدلب، يوم الأربعاء الماضي، اندماجها في تشكيل جديد تحت مسمّى "الجبهة الوطنية للتحرير"، مشيرة في بيان إلى أن "الكيان الجديد يتكون من فصائل الجبهة الوطنية للتحرير، وجبهة تحرير سورية، وألوية صقور الشام، وجيش الأحرار وتجمع دمشق، على أن يكون التشكيل الجديد نواة لجيش الثورة العتيد". وأكد البيان دعم "عقد مؤتمر وطني جامع، كي تعود الثورة لأهلها، ونقرر جميعاً مستقبل أرضنا وبلادنا". وذكرت مصادر مطلعة أن "قوام الجبهة الوطنية للتحرير هو أكثر من 40 ألف مقاتل ينتشرون في مدن الشمال السوري وبلداته، وتمرّسوا في قتال قوات النظام ومليشيات إيران الطائفية على مدى سنوات".

واستثنيت "هيئة تحرير الشام" من التشكيل الجديد، في إشارة واضحة الى أن المعارضة في شمال غربي سورية تستعد لمرحلة جديدة، في ظلّ التهديدات الروسية بالسيطرة على محافظة إدلب، أبرز معقل للمعارضة تحت ذريعة محاربة "جبهة النصرة". ورفض قيادي في الجبهة التعليق على الأنباء المتعلقة برفض هيئة تحرير الشام حل نفسها، مكتفياً بالقول لـ "العربي الجديد"، إنه "لا توجد معلومات عن هذا الأمر".

ولا يستبعد مراقبون للمشهد السوري حتمية التصادم بين فصائل المعارضة السورية، وبين "هيئة تحرير الشام"، في محاولة لتجنيب محافظة إدلب عملية عسكرية لها تبعات خطيرة، خاصة على الجانب التركي، إذ من المتوقع حدوث حركة نزوح كبرى. وفي هذا الصدد، لا يستبعد المحلل العسكري العقيد مصطفى البكور الصدام بين ما سماها بـ "فصائل أستانة"، والهيئة، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، "أعتقد بأن الهيئة تجيد لعبة حافة الهاوية، لامتلاكها القدرة على المناورة حتى اللحظة الأخيرة، ثم قد تتراجع عن موقف معين حين تجد ذلك في مصلحتها". ورأى أن "أي عمل عسكري على إدلب مرتبط بتفاهمات دولية"، مضيفاً أن "وجود هيئة تحرير الشام يعتبر الذريعة الأقوى بيد الروس والنظام، لكن المتتبع للوضع السوري يجد بأن أي عمل عسكري حصل في الشمال السوري خلال السنتين الماضيتين لم يبدأ إلا بعد حصول تفاهمات دولية تحديداً بين تركيا وروسيا". وتابع "أعتقد بأن العمل العسكري آت، ولا بد منه ضد كل من يرفض اتفاقات أستانة بغض النظر عن اسم الفصيل، أو توجهه، وإنما يتم استخدام اسم هيئة تحرير الشام لتبرير العمل العسكري بسبب تقاربها فكرياً مع القاعدة".