صديق صديقي المسكين

04 يونيو 2015

كان يجب أن تقدر مشاعري فقد بدأت معك الكتابة(Getty)

+ الخط -

(أرجوك أحك للناس قصتي، أريدهم أن يعرفوا كم هو الإنسان لغز). وهنا أروي لكم قصة صديقي المغاربي مع الشخص المجهول الذي طارده حتى سريره، ونغّص عليه حياته، وأقلق أسرته، وشكك الناس فيه وفي إبداعه. صديقي شاعر معروف جداً، وموهوب جداً، دأب المجهول على انتحال شخصية بنت، كان يرسل رسائل كثيرة يشوه صوره صديقي الشاعر المعروف عند أصحابه.

وصلتني رسالة من هذا المجهول الذي ينتحل شخصية فتاة، أحتفظ بالرسالة التي كتب لي فيها إن صديقي الشاعر المشهور يسرق قصائده من شعراء أوروبيين، وإنه شخص مثلي ويضرب زوجته، ومطلوب في قضايا جنائية. أخبرت في حينها صديقي، فقال لي إنه مستاء من أنه يعرف أن ثمة بنتاً لا يعرفها تحرّض ضده، وهو يجهل لماذا، وإنه عاجز عن فعل أي شيء. تطورت خطورة الموضوع، فأرسلت رسائل جداً خطيرة إلى زوجة صديقي الشاعر التي أبلغت، عبر المجهول، بأن زوجها متزوج عليها من امرأة فلسطينية تعيش في باريس، فطلبت الطلاق. ووصلت الإساءات إلى ذروتها، حين وصلت إلى مدير مهرجان أدبي أوروبي (مدعو عليه صديقنا) رسائل من المجهول، تحرض على شاعرنا الموهوب، وتتهمه بأنه لا سامي، ومطلوب في جريمة قتل في بلاده، وأنه عنيف ضد النساء، ويحتقر شعب الدولة المضيفة.

لم يعد صديقي الشاعر يتحمل، فالموضوع صار مزعجاً للغاية، وغامضاً جداً ومقلقاً، فلجأ إلى الشرطة، وأرسل لهم رسائل المجهول التي كان يرسلها إلى أصحابه، فأحضرت له الشرطة اسم المجهول الحقيقي الذي ينتحل شخصية فتاة، فكانت المفاجأة مدوية وغير متوقعة، لم يكن هذا المجهول المتوحش المسكين سوى أقرب الناس إليه، صديق عمره وزميله في عالم الكتابة، يكتب المسرح والقصة والمقال الصحافي. تربيا مع بعضهما في حارة واحدة، ودرسا في المدرسة والجامعة نفسيهما، وأحبا البنت نفسها، وسكنا في عمارة واحدة في شقتين متقابلتين. طرق صديقي مذهولاً باب شقة الصديق المسكين، فتحت الزوجة الباب ورحبت بالشاعر، الذي دخل وهو يرتجف، حاملاً رسالة من الشرطة مختومة، ومطلوب فيها صديقه للتحقيق، كيف سيصارح صديق عمره، بالموضوع؟ وماذا لو عرفت الزوجة؟

وضع صديقي الشاعر الرسالة أمام الصديق المسكين، فجن جنونه، وكاد يغمى عليه، أنكر في البداية، لكنه سرعان ما اعترف، وصعقت زوجته، حين عرفت الموضوع، وصاحت في زوجها: أنت، إذن، من أرسل لي محرضاً ضد الشاعر صديقنا؟ يا لفضيحتنا، يا لعارنا. لم يجب المسكين، سقط على الأرض، كان في وضعٍ لا يحسد عليه، وانفجر بالبكاء، وراح يصيح بأعلى صوته: كان يجب أن تقدر مشاعري، بدأت معك الكتابة، كنا في الصف نفسه، حين كان مدرس العربي يقول إن مستقبلاً أدبياً خاصاً ينتظرنا معاً، قرأنا معاً الكتب نفسها، وذهبنا إلى الأمسيات والمكتبات نفسها. واشتركنا في المسابقات نفسها، وحلمنا الأحلام نفسها، وكتبنا في الصحف نفسها، لكن القدر، ولا أدري لماذا، شاء لك شهرة أوسع وتفاعلاً أكبر من القراء، إصدارات متتابعة وترجمات للغات أجنبية وتشجيع وطلب من دور النشرـ وحوارات أكثر في الصحف والفضائيات، وجوائز دولية وعربية ودعوات متعددة ومتعاقبة لمهرجانات هنا وهناك، بينما لم أُدع لمهرجان واحد، لم أحصل على جائزة واحدة، حوار صحافي واحد أجري معي، ثلاثة كتب فقط أصدرتها وبصعوبة، أليس هذا ظلماً؟ أجبني أرجوك أجبني.

لم يستطع صديقي الشاعر الموهوب أن يتحمل، مزّق استدعاء الشرطة، وعانق صديقه المسكين، وسط بكاء الزوجة الهستيري، وذهبا معاً في عناق طويل بلا نهاية.

بقي أن أذكر أن صديقي الموهوب حصل، أخيراً، على جائزة عربية مهمة جداً.

4855FC54-64E3-49EB-8077-3C1D01132804
زياد خداش

كاتب قصة فلسطيني، مواليد القدس 1964، يقيم في رام الله، يعمل معلما للكتابة الإبداعية، له عدد من المجموعات القصصية.