صدر قديماً: "حروب الردة" لـ إلياس شوفاني

14 يناير 2018
(إلياس شوفاني بداية الثمانينيات في بيروت)
+ الخط -

لعله من أبرز المؤلّفات التي قدّمت قراءة مختلفة لـبدايات الإسلام، لكنه لم ينل حظّه من الانتشار ربما لأن صاحبه الباحث والأكاديمي الفلسطيني الراحل، إلياس شوفاني (1932-2013)، كان قد وضعه كأطروحة نال عليها الدكتوراه من "جامعة برنستون" في الولايات المتحدة عام 1968، ونشرها في كتاب باللغة الإنكليزية عام 1972، ثم عاد ليعرّبها عام 1995 ويصدرها عن "دار الكنوز الأدبية" في لبنان.

سبب آخر حال دون الالتفات إلى "حروب الردة.. دراسة نقدية في المصادر"، يُعزى إلى كون مؤلّفه عاد من التدريس في "جامعة ميريلاند" الأميركية في السبعينيات، ليلتحق بالعمل باحثاً في "مركز الدراسات الفلسطينية" في بيروت، متفرّغاً لدراسة تاريخ الصهيونية في كتابه الأشهر "إسرائيل في خمسين عاماً؛ المشروع الصهيوني من المجرد إلى الملموس" (ثلاثة أجزاء) إلى جانب دراسات في الحقل ذاته، الذي غطّى على أي اهتمام بحثي آخر لديه.

يناقش صاحب كتاب "الموجز في تاريخ فلسطين السياسي" (1996) جوهر الإشكالية في التاريخ الإسلامي حول مصطلح "الرِّدة" الذي يعني "انسلاخ القبائل عن الإسلام بعد وفاة النبي محمد، ومصطلح حروب الردة يشير إلى الحرب التي أشهرها أبو بكر الصديق، الخليفة الأول على تلك القبائل لإخضاعها لسلطة دولة الإسلام في المدينة"، إذ تنظر إليه المراجع التقليدية بوصفه ثابتاً لا يقبل التشكيك الذي طرحته مراجع حديثة؛ غربية على وجه الخصوص.

يقسّم الكتاب الجزيرة العربية إلى مناطق اختلفت كلّ واحدة في دخولها الإسلام؛ فالحجاز بمدنه الثلاث؛ المدينة ومكة والطائف دخل في الإسلام، على تنوّع أسباب دخولها فيه، على أساس تفاهمٍ تاريخي يضمن مصالح المكّيين مقابل دعمهم سلطة النبي، ساهم في إنضاجه أبو سفيان الذي لعب دور الوسيط بين الطرفين، حيث لا يمكن فهم سلوكه بعد غزوة الخندق خارج هذا السياق.

أما منطقة نجد فلا يوجد مرجع تاريخي واحد يؤكد حصول اتفاق بين قبائلها وبين المدينة، ولا يتعدى الحديث في بعضها عن وجود تفاهم يشير إلى مناصرة كل طرف للآخر في حال الاعتداء عليه دون اعتناق الإسلام ديناً، وينسحب على قبائل أسد وطيء وغطفان وتميم، وإن كان التحالف أكثر صلابة، وفي سواحل الجزيرة العربية قرّر زعماؤها وقف دفع "الإتاوة" لفارس، بسبب تراجع قوة الأولى وعدم قدرتها على حمايتهم، وتحويلها إلى دولة المدينة.

عبر هذه التسويات التي دفع من خلالها أهل الجزيرة الصدقة، وتحوّلت تسميتها لاحقاً إلى الزكاة، مقابل حمايتهم، وبذلك هم لم يرتدوا لاحقاً ويهجروا ديناً اختاروه، بل إنهم نكثواً عهداً أو اتفاقية، كما يخلص شوفاني، وبقي الناس على أديانهم، لكنهم ارتضوا "دولة" الإسلام، التي أسست جيشاً صغيراً بجنود تدفع إليهم رواتب ثابتة، لتبدأ بتوسيع سيطرتها في شمال الجزيرة.

بقي الوضع على حاله حتى عام 10 هجرية، حيث يروي الكتاب أن الرسول أراد تغيير الاتفاقيات السابقة بما يعني الإقرار بسلطة مطلقة للمسلمين على جميع مناطق الجزيرة، ما جعل بعض القبائل تقبل بذلك لكن الأقوى منها رفض مثل الأسود العنسي في اليمن ومسيلمة في اليمامة وطلحة في أسد، الذين أعلنوا العداء في حياة الرسول، وليس بعد موته الذي أفضى إلى امتناع تلك القبائل المعترضة عن أداء الزكاة.

ولم تكن الدوافع موحّدة لدى جميع الرافضين لخلافة أبي بكر، الذي أراد إنفاذ وصية النبي، حيث كان الامتناع عن دفع الصدقة محرّكاً لخروج قبائل نجد، وفي بني حنيفة كان الاعتراض على نبوءة محمد وسيادة المدينة في الجزيرة، وفي المناطق الساحلية كان الصراع بين زعمائها على السلطة سبباً في خروج بعضهم على اتفاقياتهم السابقة مع المسلمين، وهو ما يؤشر على اختلاف المؤرخين في إطلاق مصطلح "حروب الردة" الذي لا ينطبق على أغلب الحوادث التي نسبت إليها، لكن الفقهاء في مرحلة متأخرة أسبغوه على جميع المنشقّين على السلطة.

النقطة الثانية في الكتاب تتعلّق بالافتراض الضمني في الروايات التقليدية بأن أحداث الردة منفصلة عن الفتوحات، لكن تتبّع جميع المعارك التي حصلت في تلك الفترة يخلص إلى أن حروب الردة تندرج في عملية عسكرية واحدة مع حركة الفتوح، التي كانت ترمي إلى بسط سيادة دولة المدينة على كل العرب في الجزيرة والصحراء السورية، وهذه العملية انتهت بمواجهة؛ أولاً مع بيزنطة، ولاحقاً مع فارس.

يرى شوفاني أن لا فصل في الاستراتيجية العسكرية والسياسية لدولة المدينة بين العرب في شرق الجزيرة وجنوبها عنهم في شمالها، وإن بدوا في تلك المناطق امتداداً لتحالفاتهم مع الروم والفرس، وأن دمجهم جميعاً في الدولة الناشئة هو هدف واحد.

دلالات
المساهمون