صحافيون لبنانيون ينتفضون على واقعهم: نحن النقابة

03 مارس 2020
من إحدى تظاهرات نقابة الصحافة البديلة (حسين بيضون)
+ الخط -
تنشط نقابتا المحررين والصحافة في لبنان في إصدار بيانات الاستنكار والإدانة والتضامن مع الصحافيين والإعلاميين عند كل اعتداءٍ جسديّ يتعرّضون له، أو ملاحقة قضائية، أو صرف تعسّفي. تحرّك النقابتين يقف عند هذا الحدّ فقط، من دون أن ينتقل إلى مرحلة المتابعة الجدية لقضية الصحافي عندما تُسلب حقوقه المادية والمعنوية، أو الوقوف إلى جانبه ميدانياً عندما "يُجرجر" على المحاكم إثر استدعاءات غير محقة وظالمة من قبل أهل السياسة والحكم، أو يتعرّض للضرب على يد عناصر أمنية في مشهد بلغ أقصى درجاته مع انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول.

ففي الأشهر الأخيرة بات موقف النقابتين واضحاً، وهو التغاضي عن كل المآسي التي يعيشها الصحافيون اللبنانيون اليوم، والاكتفاء بدور صوريّ لا يغضب أي سلطة سياسية كانت أم أمنية أم مالية.

هذا الإهمال والتقصير ولعب دور المتفرّج، حوَّل كلّ صحافي ناشط إلى نقيب يقف إلى جانب زملائه في محنتهم. هكذا ولد تجمّع نقابة الصحافة البديلة من رحم الانتفاضة اللبنانية الشعبية. وقبل تجربة النقابة شهدت الساحة اللبنانية محاولات كثيرة لخلق كيانات بديلة تملأ الفراغ الذي تركته النقابة لسنوات طويلة.

تقول رنا نجار الصحافية المنضوية في نقابة الصحافة البديلة لـ"العربي الجديد"، إنّ التجمّع ولد في قلب الانتفاضة الشعبية، وأشهر نفسه مكوّناً من مكوّناتها، ويسعى إلى تشكيل قوّة ضغط من أجل بناء نقابة تمثل أهل القطاع وتدافع عن حقوقهم خصوصاً في ظلّ ما يتعرّض له الصحافيون من انتهاكات واعتداءات على المستويات كافة.

وتؤكد أنّ النقابة نشأت اليوم بعدما اتسعت رقعة التعسّف في ظلّ الأزمة الاقتصادية والمالية ودخول نقابتي المحررين والصحافة في موت سريريّ، وبسبب طريقة تعاطي الإعلام الكلاسيكي التقليدي والمُسيَّس مع الانتفاضة وتعتيمه على الحقائق.

وتلفت إلى أنّ دور نقابة الصحافة البديلة سيكون أكبر وأوسع في المرحلة المقبلة، وكما ورد في بيانها التأسيسي، فإنها تريد أن تعمل على إسقاط نظام الامتيازات الصحافية، وتعمل على تحويل دور محكمة المطبوعات إلى محكمة خاصة لصون حرية الصحافة وحمايتها لا محكمة للتأديب ومجاملة أصحاب المال والنفوذ وحمايتهم. من هنا تشدد نجار على أنّ النقابة تعمل مع حقوقيين ومحامين من أجل تكون بمثابة جسم حقيقي على الأرض، يرافع عن الصحافيين والإعلاميين، كما بدأت تركز على الصحافة الاستقصائية لكشف الفساد والفاسدين.



وتكشف لـ"العربي الجديد"، أنّ المرحلة المقبلة ستتضمن العمل على أكثر من محور للوقوف إلى جانب الصحافيين والإعلاميين الذين تعرّضوا لانتهاكات داخل المؤسسات سواء عن طريق تحرش جنسي، أو طرد تعسفي، أو حرمانهم من الحمايات الاجتماعية ومن عقود العمل التي تضمن لهم أجوراً عادلة وترقيات، وسنقف إلى جانب الصحافيين الذين حرموا من حقوقهم بعد إقفال مؤسساتهم مثل "المستقبل والحياة".

عمل النقابة البديلة جاء بعد سنوات من محاولات بعض الجمعيات الخاصة، ملء القليل من الفراغ الذي خلفته النقابات المحسوبة على الصحافة. ولعل الأبرز هما مؤسسة "سكايز" (عيون سمير قصير)، و"مهارات" التي أسست كل على حدة مرصداً لتوثيق الانتهاكات، في ظل غياب أي إحصاء رسمي لما يتعرض له الصحافيون اللبنانيون.



يشير الصحافي والمسؤول الإعلامي في مؤسسة "سكايز" (مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية تأسس عام 2007 بمبادرة من مؤسسة سمير قصير) جاد شحرور، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ المركز، رصد أكثر من 120 انتهاكاً بحق صحافيين وأغلبها ضرب مباشر أثناء القيام بعملهم وذلك على يد عناصر أمنية أو مناصرين للأحزاب منذ بدء التحركات الشعبية. كما رصد حالات تهديد بالطرد، وإقالة صحافيين من مؤسساتهم نتيجة رأيهم في الانتفاضة، وكسر هواتف وكاميرات المصورين ومصادرتها. على حدّ تأكيد شحرور.

ويضيف، منذ بدء عهد رئيس الجمهورية ميشال عون في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2016 جرى رصد حوالي 327 انتهاكاً سواء باستدعاءات لناشطين أو مدوّنين، أو حجز صحافيين وتوقيفهم، أو منع عرض أفلام وإصدار أحكام بالسجن وصلت إلى أربعة من دون أن تنفذ وغيرها الكثير.

وأكد شحرور أنّ وتيرة الدعاوى باتت أخفّ بعد انتفاضة 17 أكتوبر، بيد أنّ عدد الاستدعاءات الذي انخفض قابله ارتفاع حالات الضرب المباشر. من هنا دور الصحافة البديلة في رفع دور الوعي على حقوق الصحافيين وعند القوى الأمنية منعاً للتعرّض لأي صحافي.

بدورها، أكدت المدربة في الإعلام الجديد في مؤسسة "مهارات" (مؤسسة غير حكوميّة تعنى بقضايا الإعلام وحرية الرأي والتعبير تأسست عام 2006) رولا فرحات لـ"العربي الجديد"، أنّ الإعلام البديل أثبت اليوم دوره على مختلف الأصعدة والمجالات، وتحول إلى منصة إخبارية بديلة عن المؤسسات الإعلامية وتملأ فراغ نقابتي المحررين والصحافة، ولا سيما بعد الانتفاضة بحيث أصبحت المرجع الأول للبنانيين لمتابعة حقيقة الأحداث.



ورأت أن الإعلام الإلكتروني ضائع اليوم، ووجهته لا تزال غير معروفة لناحية الاعتراف به، من هنا سعي نقابة الصحافة البديلة إلى أن تشكل قوة الضغط القادرة على استرجاع حقوق الصحافيين، لأنّ ما نريده اليوم من أي نقابة أن تدافع عن المهنة لا أن تبدي مصالح أهل السلطة والمال على الصحافيين، وتتحول إلى صندوق بريد للمتمولين والسياسيين.