"نحن نغطي حرباً حقيقية لا سلاح فيها، فقط عدو غير مرئي وغير مسموع" يقول محمد الحاجي، مراسل شبكة التلفزيون "العربي" عن تغطيته لتفشي وباء كورونا في باريس. يدرك الحاجي، ومعه باقي الصحافيين في فرنسا، أن عملهم الميداني الحالي، يختلف عن كل ما غطّوه سابقاً في البلاد. "لا حروب في أوروبا، حتى السياسة غير عنيفة، لذلك كانت تغطيتنا أغلبها تتمحور حول المؤتمرات والمعارض وغيرها من المواضيع المشابهة، فجأة وجدنا أنفسنا أمام أزمة صحية بهذا الحجم".
كل تفصيلٍ في تغطية تفشي الفيروس متعبة ومقلقة، "في البداية كنا نقابل الناس، ونقصد المستشفيات وأماكن العزل، لكن تغيّر الوضع أخيراً، فالناس باتوا يخافون. الناس يخافون أن ننقل إليهم العدوى، ونحن نخاف أن تنتقل إلينا العدوى، الجميع خائف"، يقول. الخوف المتبادل من الآخر، يقابله كذلك قلق إضافي. إذ رغم أنّ الأخبار الكاذبة في فرنسا، تنتشر بوتيرة أقل من دول أخرى "لكن مشكلة أخرى تظهر، وهي تحوّل كل مغرّد إلى طبيب، وهو ما يساهم بنشر أخبار مغلوطة. أنا شخصياً وأثناء رسائل مباشرة على الهواء، رفضت الإجابة عن أسئلة طبية، نظراً إلى أنّ الأمر يحتاج إلى طبيب أخصائي".
الحاجي الذي يخضع نفسه لعزل منزلي إلزامي حالياً، يشرح أنه إلى جانب الضغط النفسي والجسدي في العمل، فإنه يواجه ضغطاً إضافياً إذ إن زوجته طبيبة، وبالتالي هما الاثنان في خطوط المواجهة الأولى، "لدينا طفل صغير، لذلك ألتزم اليوم بالعزل المنزلي لأبقى معه".
التغطية في أوروبا، قد تبدو أكثر إنهاكاً منها في العالم العربي، وذلك بسبب العدد المرتفع للإصابات. لكن داخل المؤسسات الإعلامية في العواصم العربية، يبدو التعب والقلق قاسماً مشتركاً بين الصحافيين. "إرهاق نفسي. أتنقّل بين أماكن مختلفة طيلة اليوم، وأعود مساءً إلى البيت محاولاً تجنّب عائلتي قدر الإمكان. وبعدها أسهر ليلاً للانتهاء من إعداد التقارير النهائية، وإرسالها للقناة"، يقول خليل الخالدي كبير المُعدّين في قناة atv الكويتية، في سرد يومياته الصحافية منذ بدأ انتشار فيروس كورونا في الكويت.
يومياً، ينتقل الخالدي من منزله متجولاً في الشوارع، للعمل مراسلاً في ظلّ نقص المراسلين والكوادر الإعلامية داخل الكويت: "أتنقّل بين ثلاثة أماكن في اليوم للتغطية والبحث عن خبر أو تقرير من زاوية أخرى وجديدة، وغالباً ما تكون هذه الأماكن مستشفيات أو مراكز صحية أو مقار لفحص القادمين من الخارج وأخذ مسحات للتأكد من عدم إصابتهم بالفيروس، إضافة إلى زيارة الأسواق والمناطق العشوائية مثل جليب الشيوخ"، يقول في حديثه مع "العربي الجديد".
رغم اتخاذ الخالدي كل التدابير اللازمة لعدم التقاط العدوى أثناء عمله، إلا أن هاجس الإصابة يلازمه بشكل دائم، خصوصاً أن طبيعة عمله تفرض عليه أن يوجد أحياناً في مناطق قد تكون مكتظة.
حال الخالدي من حال أغلب المراسلين والصحافيين حول العالم، الذين يعملون على تغطية تداعيات فيروس كورونا في بلادهم. إذ تبدو تغطية الوباء في الشهر الثالث من تفشيه حول العالم، الاهتمام شبه الوحيد لوسائل الإعلام، بعدما تغيّرت حركة العالم، لتدور كلها حول الفيروس وتداعياته.
بين المستشفيات، ومراكز الحجر، والشوارع يتنقّل الصحافيون، باحثين اليوم عن زوايا مختلفة للتغطية. تشرح ريمي درباس المذيعة والمراسلة في قناة LBCI اللبنانية، أنّ دخولها مستشفى رفيق الحريري الحكومي، حيث يتمّ فحص وحجر المصابين بالفيروس، سيبقى تجربة لن تنساها في مسيرتها الإعلامية. تشرح لـ"العربي الجديد" أنها طلبت من إدارة القناة إعداد تقرير من داخل المستشفى، لكن الإدارة بقيت مترددة، خصوصاً أن المستشفى رفض بداية إعطاء الإذن بالتغطية من داخل القسم المخصص لمرضى كورونا. لكن بعد أخذ وردّ طويلين، حصلت على الموافقة، لتدخل المكان وتقضي هناك يوماً كاملاً.
"اتخذت الإجراءات المطلوبة للوقاية، وعندما تأكدت من عدم وجود خطر الإصابة بالعدوى ونقلها إلى طفلتَي، دخلت" تقول. تصف ما رأته في مدخل قسم الطوارئ، من قلق وخوف في عيون الموجودين المنتظرين لنتائج فحوصاتهم الطبية. لكنّ دخولها طابق العزل الصحي، كان المرحلة الأبرز من تغطيتها: "مرضى معزولون خائفون ومنهم من هو غاضبٌ، وممرضات وممرضون هادئون لدرجة تفوق الخيال، يتعاملون مع حاملي الفيروس بهدوء ورقيّ رغم الضغوطات النفسية والمادية التي يعانون منها والخطر الذي يرافقهم يومياً".
كما تشرح التفاصيل التقنية الوقائية التي اتخذتها في ذلك اليوم: "منذ لحظة دخولي المستشفى مُنعت من الاحتكاك بأحدٍ عن قرب أو لمس الجدران والأشياء، وحرص العاملون على تغيير قفازاتي كل 10 دقائق وتعقيمها باستمرار وكذلك اللباس الطبي الأزرق، أُلزِمت بتغييره عند التنقّل من طابقٍ إلى آخر، مع ضرورة تعقيم وتطهير الكاميرا والميكروفون وهاتفي الخلوي، وعند التأكد من أن الخطر زال عنّي سُمِحَ لي بالخروج".
اقــرأ أيضاً
بين العمل الميداني والعمل المكتبيّ قد تبدو المقارنة سهلة، إذ يواجه المراسلون الميدانيون مشاكل جسدية ونفسية كبيرة. لكن المحررين العاملين تحديداً في المواقع الإلكترونية يواجهون مشاكل كثيرة وضغوطاً تسبب لهم إرهاقاً أيضاً جسدياً ونفسياً.
"أبرز الصعوبات التي واجهتها خلال تغطيتي لفيروس كورونا، كان الانتشار الواسع للأخبار الزائفة. إذ كانت تصلني عشرات البيانات عبر واتساب، وكنا نجد، حينها، في غرفة التحرير صعوبة في التأكد من صحتها بسبب صمت الحكومة" يقول خالد فتحي، من موقع pjd.ma المغربي لـ"العربي الجديد".
إلى جانب سيل الأخبار الكاذبة إذاً، شكّل تحفّظ الحكومة المغربية عن نشر أي معلومات أو معطيات موثقة مع بداية تفشي الوباء في البلاد، ضغطاً مهنياً إضافياً على الصحافيين في المغرب، "ومع توالي تسجيل حالات الإصابة، واجهت على غرار باقي الزملاء الصحافيين العاملين في المواقع الإلكترونية، ضغطاً كبيراً في التعاطي مع المستجدات المرتبطة بالفيروس، بحيث ارتفعت وتيرة عملي لما يفوق 12 مادة صحافية في اليوم الواحد، جراء تواتر المعلومات والمعطيات وخروج أكثر من مسؤول حكومي في وقت وجيز لتقديم توضيحات وعقد مؤتمرات صحافية".
وأمام المنافسة وسرعة نشر الخبر التي تحكم عمل المواقع الإلكترونية، بدت تغطية فيروس كورونا مختلفة، "حرصت على تقديم المعلومات الصحيحة، حتى لو تطلّب الأمر التأخر في نشر الخبر، وإيجاد زاوية مقاربة جديدة بعيداً عن الإحصائيات المجردة، مع منح الأطباء والأخصائيين الصوت الأعلى في تغطيتي للموضوع، بالإضافة إلى التركيز على الجانب الإيجابي من الوباء عوض السوداوي".
اقــرأ أيضاً
تحديات كثيرة كشفها الفيروس، خصوصاً أن أغلب وسائل الإعلام في العالم لم تكن محضّرة لتغطية وباء بهذا الحجم، وهذا التعقيد. وفي ظل ضغط العمل اليومي، يمتزج الشخصي بالمهني، "مع ازدياد الإصابات في الأردن، بدأ الأمر يتحوّل من أزمة خارجية إلى موضوع مقلق جداً ومتعب من كل النواحي" يقول مدير تحرير موقع عمون الإخباري الأردني الصحافي ضياء الطلافحة لـ"العربي الجديد". هذا القلق الشخصي، يرافقه تعب جسدي، تفرضه سرعة توالي الأخبار من داخل الأردن ومن كل دول العالم "ساعات العمل تضاعفت والأصعب من مضاعفة الإنتاج، هو الحاجة إلى التدقيق في كل خبر ونشره سريعاً". ويضيف: "ما يتعبنا نفسياً هو أننا لا نعلم متى ستنتهي هذه الأزمة، فدائما وخلال تغطيتنا لكل الأزمات التي مرت على البلاد كنا نعلم أنها لن تطول كالثلوج مثلاً أو الأحداث الأمنية، لكن اليوم الأمر مختلف تماماً. الحرب هي مع فيروس لا علاج له والتصريحات الصحافية مقلقة بعض الشيء، خصوصاً بعد إعلان الحكومة أن الأزمة قد تطول".
جنود في المعركة إذاً هم الصحافيون، أو هكذا يتمّ تصويرهم. وخوض هذه المعركة قد يكشف صعوباتٍ لوجيستية غير مرتبطة مباشرة بنوعية التغطية. فالصحافي التونسي سامي العرفاوي، من الإذاعة الوطنية التونسية، يواجه بداية مشكلة في التنقّل بين منزله ومكان عمله، إذ يفصل بينهما 20 كيلومتراً: "لا أملك سيارة خاصة، هناك صعوبة كبيرة في الحصول على وسيلة نقل عامة مع ما يمثله ذلك من مخاطر على صحتي، وإمكانية إصابتي بالعدوى" يقول لـ"العربي الجديد". ورغم ذلك يجد في كل يوم طريقة للوصول إلى مقر الإذاعة في العاصمة التونسية. "تمّ تقسيم الفريق إلى قسمين واحد يعمل لمدة 15 يوماً والآخر يلتزم الحجر الصحي الاختياري حتى يتولى تسلم المهمة بعد 15 يوماً من عمل الفريق الأول".
لكن العمل طيلة 15 يوماً ليس سهلاً لا جسدياً ولا نفسياً ولا مهنياً، إذ يقول: "نجد صعوبة كبرى فى التواصل مع المسؤولين عن ملف تفشي فيروس كورونا في تونس، خصوصاً أن كل عملنا بات يُنفّذ عبر الهاتف".
كما يشير إلى تغيّر نوعية العمل الصحافي الذي يقدّمه، ويشير إلى أن "بعض الأشكال الصحافية تمّ التخلي عنها في هذه الفترة مثل الريبورتاجات والحوارات المباشرة مع المواطنين خشية انتقال العدوى، بل بتنا نكتفي بنقل المؤتمر الصحافي الذي تعقده يومياً وزارة الصحة التونسية، ونقدّم الرسائل التي تصلنا من مراسلينا، ومن وكالات الأنباء".
(شارك في إعداد هذا التقرير: خالد الخالدي/الكويت، وريتا الجمّال/بيروت، وعادل نجدي/الرباط، ومحمد الطراونة/عمّان، ومحمد معمري/تونس).
كل تفصيلٍ في تغطية تفشي الفيروس متعبة ومقلقة، "في البداية كنا نقابل الناس، ونقصد المستشفيات وأماكن العزل، لكن تغيّر الوضع أخيراً، فالناس باتوا يخافون. الناس يخافون أن ننقل إليهم العدوى، ونحن نخاف أن تنتقل إلينا العدوى، الجميع خائف"، يقول. الخوف المتبادل من الآخر، يقابله كذلك قلق إضافي. إذ رغم أنّ الأخبار الكاذبة في فرنسا، تنتشر بوتيرة أقل من دول أخرى "لكن مشكلة أخرى تظهر، وهي تحوّل كل مغرّد إلى طبيب، وهو ما يساهم بنشر أخبار مغلوطة. أنا شخصياً وأثناء رسائل مباشرة على الهواء، رفضت الإجابة عن أسئلة طبية، نظراً إلى أنّ الأمر يحتاج إلى طبيب أخصائي".
الحاجي الذي يخضع نفسه لعزل منزلي إلزامي حالياً، يشرح أنه إلى جانب الضغط النفسي والجسدي في العمل، فإنه يواجه ضغطاً إضافياً إذ إن زوجته طبيبة، وبالتالي هما الاثنان في خطوط المواجهة الأولى، "لدينا طفل صغير، لذلك ألتزم اليوم بالعزل المنزلي لأبقى معه".
التغطية في أوروبا، قد تبدو أكثر إنهاكاً منها في العالم العربي، وذلك بسبب العدد المرتفع للإصابات. لكن داخل المؤسسات الإعلامية في العواصم العربية، يبدو التعب والقلق قاسماً مشتركاً بين الصحافيين. "إرهاق نفسي. أتنقّل بين أماكن مختلفة طيلة اليوم، وأعود مساءً إلى البيت محاولاً تجنّب عائلتي قدر الإمكان. وبعدها أسهر ليلاً للانتهاء من إعداد التقارير النهائية، وإرسالها للقناة"، يقول خليل الخالدي كبير المُعدّين في قناة atv الكويتية، في سرد يومياته الصحافية منذ بدأ انتشار فيروس كورونا في الكويت.
يومياً، ينتقل الخالدي من منزله متجولاً في الشوارع، للعمل مراسلاً في ظلّ نقص المراسلين والكوادر الإعلامية داخل الكويت: "أتنقّل بين ثلاثة أماكن في اليوم للتغطية والبحث عن خبر أو تقرير من زاوية أخرى وجديدة، وغالباً ما تكون هذه الأماكن مستشفيات أو مراكز صحية أو مقار لفحص القادمين من الخارج وأخذ مسحات للتأكد من عدم إصابتهم بالفيروس، إضافة إلى زيارة الأسواق والمناطق العشوائية مثل جليب الشيوخ"، يقول في حديثه مع "العربي الجديد".
رغم اتخاذ الخالدي كل التدابير اللازمة لعدم التقاط العدوى أثناء عمله، إلا أن هاجس الإصابة يلازمه بشكل دائم، خصوصاً أن طبيعة عمله تفرض عليه أن يوجد أحياناً في مناطق قد تكون مكتظة.
حال الخالدي من حال أغلب المراسلين والصحافيين حول العالم، الذين يعملون على تغطية تداعيات فيروس كورونا في بلادهم. إذ تبدو تغطية الوباء في الشهر الثالث من تفشيه حول العالم، الاهتمام شبه الوحيد لوسائل الإعلام، بعدما تغيّرت حركة العالم، لتدور كلها حول الفيروس وتداعياته.
بين المستشفيات، ومراكز الحجر، والشوارع يتنقّل الصحافيون، باحثين اليوم عن زوايا مختلفة للتغطية. تشرح ريمي درباس المذيعة والمراسلة في قناة LBCI اللبنانية، أنّ دخولها مستشفى رفيق الحريري الحكومي، حيث يتمّ فحص وحجر المصابين بالفيروس، سيبقى تجربة لن تنساها في مسيرتها الإعلامية. تشرح لـ"العربي الجديد" أنها طلبت من إدارة القناة إعداد تقرير من داخل المستشفى، لكن الإدارة بقيت مترددة، خصوصاً أن المستشفى رفض بداية إعطاء الإذن بالتغطية من داخل القسم المخصص لمرضى كورونا. لكن بعد أخذ وردّ طويلين، حصلت على الموافقة، لتدخل المكان وتقضي هناك يوماً كاملاً.
"اتخذت الإجراءات المطلوبة للوقاية، وعندما تأكدت من عدم وجود خطر الإصابة بالعدوى ونقلها إلى طفلتَي، دخلت" تقول. تصف ما رأته في مدخل قسم الطوارئ، من قلق وخوف في عيون الموجودين المنتظرين لنتائج فحوصاتهم الطبية. لكنّ دخولها طابق العزل الصحي، كان المرحلة الأبرز من تغطيتها: "مرضى معزولون خائفون ومنهم من هو غاضبٌ، وممرضات وممرضون هادئون لدرجة تفوق الخيال، يتعاملون مع حاملي الفيروس بهدوء ورقيّ رغم الضغوطات النفسية والمادية التي يعانون منها والخطر الذي يرافقهم يومياً".
كما تشرح التفاصيل التقنية الوقائية التي اتخذتها في ذلك اليوم: "منذ لحظة دخولي المستشفى مُنعت من الاحتكاك بأحدٍ عن قرب أو لمس الجدران والأشياء، وحرص العاملون على تغيير قفازاتي كل 10 دقائق وتعقيمها باستمرار وكذلك اللباس الطبي الأزرق، أُلزِمت بتغييره عند التنقّل من طابقٍ إلى آخر، مع ضرورة تعقيم وتطهير الكاميرا والميكروفون وهاتفي الخلوي، وعند التأكد من أن الخطر زال عنّي سُمِحَ لي بالخروج".
"أبرز الصعوبات التي واجهتها خلال تغطيتي لفيروس كورونا، كان الانتشار الواسع للأخبار الزائفة. إذ كانت تصلني عشرات البيانات عبر واتساب، وكنا نجد، حينها، في غرفة التحرير صعوبة في التأكد من صحتها بسبب صمت الحكومة" يقول خالد فتحي، من موقع pjd.ma المغربي لـ"العربي الجديد".
إلى جانب سيل الأخبار الكاذبة إذاً، شكّل تحفّظ الحكومة المغربية عن نشر أي معلومات أو معطيات موثقة مع بداية تفشي الوباء في البلاد، ضغطاً مهنياً إضافياً على الصحافيين في المغرب، "ومع توالي تسجيل حالات الإصابة، واجهت على غرار باقي الزملاء الصحافيين العاملين في المواقع الإلكترونية، ضغطاً كبيراً في التعاطي مع المستجدات المرتبطة بالفيروس، بحيث ارتفعت وتيرة عملي لما يفوق 12 مادة صحافية في اليوم الواحد، جراء تواتر المعلومات والمعطيات وخروج أكثر من مسؤول حكومي في وقت وجيز لتقديم توضيحات وعقد مؤتمرات صحافية".
وأمام المنافسة وسرعة نشر الخبر التي تحكم عمل المواقع الإلكترونية، بدت تغطية فيروس كورونا مختلفة، "حرصت على تقديم المعلومات الصحيحة، حتى لو تطلّب الأمر التأخر في نشر الخبر، وإيجاد زاوية مقاربة جديدة بعيداً عن الإحصائيات المجردة، مع منح الأطباء والأخصائيين الصوت الأعلى في تغطيتي للموضوع، بالإضافة إلى التركيز على الجانب الإيجابي من الوباء عوض السوداوي".
تحديات كثيرة كشفها الفيروس، خصوصاً أن أغلب وسائل الإعلام في العالم لم تكن محضّرة لتغطية وباء بهذا الحجم، وهذا التعقيد. وفي ظل ضغط العمل اليومي، يمتزج الشخصي بالمهني، "مع ازدياد الإصابات في الأردن، بدأ الأمر يتحوّل من أزمة خارجية إلى موضوع مقلق جداً ومتعب من كل النواحي" يقول مدير تحرير موقع عمون الإخباري الأردني الصحافي ضياء الطلافحة لـ"العربي الجديد". هذا القلق الشخصي، يرافقه تعب جسدي، تفرضه سرعة توالي الأخبار من داخل الأردن ومن كل دول العالم "ساعات العمل تضاعفت والأصعب من مضاعفة الإنتاج، هو الحاجة إلى التدقيق في كل خبر ونشره سريعاً". ويضيف: "ما يتعبنا نفسياً هو أننا لا نعلم متى ستنتهي هذه الأزمة، فدائما وخلال تغطيتنا لكل الأزمات التي مرت على البلاد كنا نعلم أنها لن تطول كالثلوج مثلاً أو الأحداث الأمنية، لكن اليوم الأمر مختلف تماماً. الحرب هي مع فيروس لا علاج له والتصريحات الصحافية مقلقة بعض الشيء، خصوصاً بعد إعلان الحكومة أن الأزمة قد تطول".
جنود في المعركة إذاً هم الصحافيون، أو هكذا يتمّ تصويرهم. وخوض هذه المعركة قد يكشف صعوباتٍ لوجيستية غير مرتبطة مباشرة بنوعية التغطية. فالصحافي التونسي سامي العرفاوي، من الإذاعة الوطنية التونسية، يواجه بداية مشكلة في التنقّل بين منزله ومكان عمله، إذ يفصل بينهما 20 كيلومتراً: "لا أملك سيارة خاصة، هناك صعوبة كبيرة في الحصول على وسيلة نقل عامة مع ما يمثله ذلك من مخاطر على صحتي، وإمكانية إصابتي بالعدوى" يقول لـ"العربي الجديد". ورغم ذلك يجد في كل يوم طريقة للوصول إلى مقر الإذاعة في العاصمة التونسية. "تمّ تقسيم الفريق إلى قسمين واحد يعمل لمدة 15 يوماً والآخر يلتزم الحجر الصحي الاختياري حتى يتولى تسلم المهمة بعد 15 يوماً من عمل الفريق الأول".
لكن العمل طيلة 15 يوماً ليس سهلاً لا جسدياً ولا نفسياً ولا مهنياً، إذ يقول: "نجد صعوبة كبرى فى التواصل مع المسؤولين عن ملف تفشي فيروس كورونا في تونس، خصوصاً أن كل عملنا بات يُنفّذ عبر الهاتف".
كما يشير إلى تغيّر نوعية العمل الصحافي الذي يقدّمه، ويشير إلى أن "بعض الأشكال الصحافية تمّ التخلي عنها في هذه الفترة مثل الريبورتاجات والحوارات المباشرة مع المواطنين خشية انتقال العدوى، بل بتنا نكتفي بنقل المؤتمر الصحافي الذي تعقده يومياً وزارة الصحة التونسية، ونقدّم الرسائل التي تصلنا من مراسلينا، ومن وكالات الأنباء".
(شارك في إعداد هذا التقرير: خالد الخالدي/الكويت، وريتا الجمّال/بيروت، وعادل نجدي/الرباط، ومحمد الطراونة/عمّان، ومحمد معمري/تونس).