صحافيون بلا... حدود

15 سبتمبر 2015

مجلة بلدية بيزييه الفرنسية تحذر من قدوم اللاجئين السوريين

+ الخط -

تدعى بيترا لازلو. هي مجرية شقراء، حسنة المظهر وعزباء، تعمل منذ أربع سنوات في قناة N1TV  المجرية، التابعة لحزبٍ يميني متطرف، شعاره الرئيسي "نحو مجر أفضل"، معروف بأنه شوفيني، ومعادٍ للمهاجرين. بيترا عضو في ذاك الحزب، لا حساب لها في "فيسبوك"، أو في "تويتر"، باستثناء ذاك الذي فتحته، أخيرا، بغرض المفاخرة بفعلتها ضد المهاجرين، بعد أن ذهب هباءً اعتذارُها في إحدى الصحف عن الفيديو الذي جاب العالم بأجمعه.

في صباح ذلك اليوم، كُلفت بيترا بمهمة تصوير حدود المجر الجنوبية مع صربيا، إلى حيث توجهت الشرطة المجرية لردع مئات المهاجرين، وكثر منهم سوريون،  من عبور الحدود. وقفت المصوّرة وعلى كتفها الكاميرا، وأخذت تلتقط الصور لأفراد عزّل انفرطوا فجأة كالزئبق في جميع الاتجاهات. المصوّرون والصحافيون كثر، لا يدرون على ماذا يركّزون، نساء وأطفال ورجال، يحملون متاعهم في أكياس، وعلى وجوههم سيماء الذعر والقهر والإنهاك. سال لُعابُ بيترا. كيف لا تبلّ "قدمها" في الفارّين من أمامها، كيف لا "تلعب" بهذه النماذج البشرية، الأقرب إلى حيوانات مذعورة، منها إلى أناس. هذا هدف ممتاز، يحمل طفله وكيساً أخضر، يكفي أن أمدّ قدمي لأقطع عليه الطريق. غول! سقط الحيوان، البائس، الغريب، الذئب، القاتل، الذي قدم ليأكل خبزي، يحتل بيتي، يهدد أمني، يعكّر عليّ هناء عيشتي. ركلة أخرى في بطن تلك الفتاة. لا ليست طفلة، إنها وباء، جرثومة، شرّ ينبغي التخلّص منه. يا للروعة. سأخبر الرفاق بما فعلت. المجر للمجريين فقط، لا مكان بيننا لمسلمين غرباء.

**

يُدعى روبير مينار. إنه الصحافي المعروف بدفاعه عن الحريات الإعلامية في فرنسا والعالم، مؤسس منظمة "مراسلون بلا حدود" الفرنسية ومديرها من عام 1985 حتى 2008، ترشح للانتخابات البلدية عام 2014، في بيزييه، جنوب فرنسا، على لائحة الجبهة الوطنية، الحزب اليميني المتطرف الذي ترأسه، مارين لوبن.

رئيس البلدية هذا بدأ عهده بقوانين تمنع المهاجرين المسلمين من تثبيت الصحون التي تتيح التقاط القنوات العربية، درءاً للإرهاب، ونشر الثياب على الشرفات، ثم أعلن أنه جرد الأسماء في بلديته بناء لانتمائهم الديني، وهو ما يحظره القانون الفرنسي، فتبيّن أن أكثر من 64 في المائة من التلاميذ مسلمون. أخيرا، أتحف الصحافي السابق والعمدة الحالي، المجتمع الفرنسي، بغلاف صادم للمجلة التي تصدرها البلدية، في عددها الجديد، يتصدّره عنوان تحذيري، "إنهم قادمون"، في إشارة منه إلى رفض بيزييه المشاركة في استقبال اللاجئين.

وبحسب هذا ما علّق به أحدهم على حساب مينار "التويتري"، بشأن غلاف المجلة: "من مناضلٍ عالمي ومدافع عن حرية الصحافة، تحوّلتَ إلى داعيةٍ متريّفٍ صغير، كاره للأجانب"..

**

أما اللاجئ السوري الذي ركلته بيترا لازلو، ويحذّر روبير مينار الفرنسيين من قدوم أمثاله، فيدعى أسامة الغضب. كان مدربا لكرة القدم في مدينة دير الزور، اعتقله النظام فترة طويلة، واحتلت داعش مدينته. رفض اعتذار المصوّرة، قائلا: "ما يهمني هو استرداد حق طفلي، الذي اعتدت عليه المصوّرة، ولا يكفيني طردها من القناة التي أيضاً تتحمل مسؤولية ما حصل".

يضحك أسامة في سرّه الآن. أنظروا كيف قامت الدنيا عليها لأنها "فركشتني" فقط، فتعثرتُ أنا وطفلي، ثم نهضت. هي لم تدهسني، لم تبصق في وجهي، لم ترمِ عليّ البراميل، لم تسجنّي وتعذّبني، كما فعل ويفعل النظام بي. ومع ذلك، قيل لي إنها ارتكبتْ بحقي أسوأ الأفعال، وإلى الأبد سيلحقها العار. إلى هنا، سأنتمي وأولادي من الآن فصاعداً. وحسابك معي، يا بيترا، عسير. إنه تمريني الأول على الكرامة، تمريني الأول على ما يدعونه حقوق الإنسان.

 

 

نجوى بركات
نجوى بركات
كاتبة وروائية لبنانية ومؤسسة محترف "كيف تكتب رواية"