صافية كتو: قصائد هوت من الجسر

06 فبراير 2017
("نساء الجزائر" لـ أسعد فلويل)
+ الخط -

عندما انتقلت الشاعرة الجزائرية صافية كتو (1944 - 1989) واسمها الحقيقي الزهراء رابحي، من مسقط رأسها مدينة العين الصفراء، جنوب غربي الجزائر، فكّرت بأنّ فضاء هذه المدينة الصحراوية، المحافظة، لن يسع طموحها في قول الشعر بحريّة.

هكذا عقدت العزم على تغيير واقعها، وقرّرت الانتقال إلى العاصمة الجزائرية. تخلّت عن اسمها ولقبها، وتبنّت اسماً مستعاراً. اسم هو مزيج من تسمية قديمة للمدينة، ولجدّة حدّثتها أمّها، أنها كانت تنظم الشعر الشعبي، واستعصى عليها كتابته لجهلها الكتابة والقراءة، لتغيب كلماته متوارية في النسيان.

الوجه الآخر لصافية كتو الإنسانة، يثير الحيرة. كيف استطاعت هذه المرأة، "الغزالة السمراء"، القادمة من مجتمع محافظ، الحريص على عدم تجاوز خطوط رسمتها تقاليد كبّلت تحرّكات المرأة، في ستينيات الجزائر والبلد يلملم جراح ليل الاستعمار الطويل، أن تهرّب أشعارها وتوقها إلى احتضان الحياة، كامرأة وكمبدعة صوب العاصمة/ المدينة، وأن تنال حظها من الشهرة كإعلامية، تكتب في كبريات الصحف الجزائرية آنذاك، وأن تحقّق طموحها في الكتابة والإبداع الأدبي، بل وتشتغل على تجارب إبداعية جديدة تجسّدت في قصص الخيال العلمي، المتضمّنة في مجموعتها القصصية "الكوكب البنفسجي".

لماذا تغيّرت حالة "السعادة" التي عاشت فتراتها الأولى في الجزائر العاصمة، إلى حالة توجّس وأمنيات مشوبة بحذر تبدو جليّة من خلال بعض قصائدها الأخيرة، قبل أن تنتحر مُلقية بنفسها من فوق جسر في العاصمة: "أتوق لوطني أن يكون حرّاً/ مثل عصفور حرّ/ لا أطيق تحمّله مكبّلاً/ أتوق لوطني أن يكون سعيداً/ لعلّ أطفاله يولدون وسط الأغاني".

حذرٌ، سرعان ما تحوّل رويداً رويداً إلى حالة شقاء، أواخر الثمانينيات، دفعها قسراً إلى اختيار نهايتها التراجيدية. هل كانت للأحداث الدامية التي ألمّت ببلدها الجزائر، مسوّغاً لرؤية تنمّ عن فراسة، بعد أن طال الاغتيال نخبة من الكتّاب والصحافيين.

لم تنشر كتو سوى مجموعة شعرية واحدة بعنوان "صديقتي القيثارة"، وقد لا يعثر المتصفح في مجموعتها تلك، على نصوص متفرّدة. فقصائدها عموماً، لا تكاد تنفصل عن منحى أدب الكتابة في فترة السبعينيات، لكن التميّز يبدو واضحاً في الكتابة السردية، خاصة من خلال مجموعتها القصصية "الكوكب البنفسجي"، حيث الإرهاصات الأولى للكتابة في مجال الخيال العلمي، ولو لم تغب إلى الأبد ربما استكملت اشتغالها في جنس أدبي لم ينل حظه من الاهتمام في الجزائر، والعالم العربي.

لم تحظَ صافية كتو باهتمام كبير في بلدها، لولا جمعية ثقافية محلية، تحمل اسمها، وتنشط في بلدة صغيرة، حيث وُلدت، وحيث تُدفن في مقبرتها، على بعد أمتار من قبر إيزابيل إيبرهارت وهي الكاتبة والرحّالة، التي كانت تعشق نصوصها، وتبحث في سيرتها ومغامراتها.

لم تكن كتو سوى فتاة حالمة فارّة من القرية إلى المدينة لاكتشاف ذاتها، ولكنها وصلت إلى خيبة الأمل فالسقوط.

المساهمون