لا يبدو صابر الأشقر الذي فقد قدميه بسبب الاحتلال الإسرائيلي حزيناً. ما زال حتى اليوم يقاوم ويتصدى للعدو من فوق كرسيّه المتحرك. لن يقبل تسليم أرضه.
كأنّه قدّم قدميه فداء لقضيّته ووطنه، هو الذي قاوم توغّل الاحتلال الإسرائيلي إلى شمال قطاع غزة خلال العدوان الإسرائيلي الأول على القطاع في 2008 – 2009، وأصيب في 12 يناير/ كانون الثاني من عام 2009 نتيجة سقوط صاروخ على مقربة منه في حين استشهد ثلاثة من زملائه المقاومين. وبعد خمسة أيام، استيقظ ليجد أنّه فقد قدمَيه. أمّا السبب هو عدم قدرته على الانتقال إلى مستشفيات الداخل الفلسطيني أو الضفة الغريبة لتلقّي العلاج كونه رجلاً مقاوماً.
بداية معاناة صابر الأشقر كانت عندما لم يلقَ الاهتمام اللازم من الجهات المعنية، ولم يحصل على العلاج المناسب بعد العدوان الأول، حتى من بعض المؤسسات الخيرية التي تعنى بشؤون الجرحى والأسر الفقيرة. هو أب لأربعة أطفال، ويتقاضى 40 في المائة من راتبه كجندي يتبع إلى حكومة غزة السابقة. يُذكر أنّ راتبه لا يتجاوز 500 شيقل (نحو 140 دولاراً أميركياً) شهرياً.
على الرغم من إصابته، لم يتوقف صابر عن النضال. هو دائماً حاضر في المواجهات التي تقوم بين الشباب الفلسطينيين وقوات الاحتلال الإسرائيلي على الحدود، وفي الصفوف الأولى. ويشجّع الشباب على الحدود، ويطلب منهم الصمود وعدم ترك أرض الميدان.
تجدر الإشارة إلى أنّ الأشقر هو أب لأربعة أطفال، هم مجاهد (عشرة أعوام) وغزل (ثمانية أعوام) وبراءة (ستة أعوام) وإياد (ثلاثة أعوام)، ويعيش مع عائلته في منزل مستأجر في حيّ الشيخ رضوان الواقع شمال مدينة غزة، في حين كان قد قضى سنواته السابقة في مخيّم جباليا للاجئين الفلسطينيين شماليّ قطاع غزة. أمّا أصول عائلة الأشقر فتعود إلى بلدة بربرة التي تبعد 20 كيلومتراً إلى شمال قطاع غزة.
يقول الأشقر لـ "العربي الجديد": "لا أدافع عن صابر الأشقر وقضيته، بل عن أمة عربية فقدت كرامتها، وعن وطني اليتيم. حتى لو كنت من دون يدَين، فإنّني سوف أتوجّه إلى الحدود إلى حين تخجل الأمة العربية وترى أنّ كل غزي جريح ومصاب يتوجّه إلى الحدود ليعلو صوت الحرية".
وكان إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في السادس من ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي قد دفع الأشقر إلى مشاركة غضب الشباب على الحدود في وجه قوات الاحتلال المنتشرة على طول الحدود الشرقية لقطاع غزة. ولا يخفي أنّه تأثّر كثيراً حين استشهد إبراهيم أبو ثريا، الذي كان مقعداً كذلك بعدما فقد قدمَيه من جرّاء قصف للاحتلال الإسرائيلي. ويعلّق الأشقر على قرار ترامب قائلاً: "الرئيس الأميركي والإسرائيليون يأخذون أرضنا. لماذا أبقى في المنزل في الوقت الذي تُسلّم أرضي؟ كل العالم يتفاجأ بسبب مشاركة المقعدين في التظاهرات على الحدود، لكنّهم لا يعلمون أنّنا نموت في كل يوم ألف مرّة ونعيش في ظلام ونشرب مياهاً ملوّثة. لذلك، ندافع عن كرامتنا، وهذا آخر ما تبقّى لنا".
في كلّ يوم جمعة، ينزل الأشقر إلى الشارع ويستقلّ سيارة أجرة للوصول إلى نقطة دوّار ملكة بالقرب من خيام العودة إلى شرق مدينة غزة. في أحيان كثيرة، يحتاج إلى من يساعده بسبب وعورة الطريق على الحدود. وقد تعرّض لاختناق شديد ثلاث مرات نتيجة الغاز المسيّل للدموع، وأُسعف وهو على كرسيه المتحرك، من دون أن يستجيب لطواقم الإسعاف الذين طلبوا منه العودة إلى منزله. هو مصرّ على البقاء على الحدود.
ويؤكّد الأشقر: "لا أحب ترك أيّ مناسبة وطنية من دون أن أشارك فيها. أشعر بالسعادة عندما تنتشر صور الفلسطينيين على الحدود. صور أطفال ونساء ورجال ومسنين وأشخاص معوّقين، لعلّ العالم يعرف أنّ حقنا واضح كالشمس. ما من شخص لا يعرف حقه في فلسطين. وأنا أخبر أطفالي الصغار عن الوطن والعدو".
لا يحصل الأشقر على مساعدات من أيّ جهة، ويشير إلى أنّه "بعد إصابتي، لم أجد من يساعدني من الأحزاب الفلسطينية". تلقّى وعوداً كثيرة لكنّه لم يرَ منها شيئاً. واليوم، يعاني ظروفاً اقتصادية سيّئة، ولا يستطيع تأمين الطعام لأطفاله في بعض الأيام. يقول: "الأيام تمرّ، أشعر بأنّني قد أستشهد في أيّ وقت. في وطني، لا ألتزم بما يقوله السياسيون، ولا أحبّهم لأنّهم فرّقونا. والأشخاص الذين قدّموا أرواحهم للدفاع عن وطنهم، لم يلقوا غير الإهمال. وفي الوقت الحالي، لم يبقَ لي غير صوتي ويدَيّ. وها أنا أحاول الاستفادة منها في ما تبقّى لي من عمر، بل ومنحها للوطن".
يتمنّى الأشقر أن يجد من يكفل أطفاله ويؤمّن احتياجاتهم في المدرسة وخارجها، بعدما فشلت كلّ محاولاته في تأمين ما تحتاجه أسرته. حاول جاهداً البحث عن عمل للوفاء بالتزاماته حيالها، غير أنّ معظم الذين طرق أبوابهم رفضوا تشغيله لأنّه مبتور القدمَين. إلى ذلك، يتمنى لو يستطيع تركيب طرفَين صناعيَّين لعلّ ذلك يمكّنه من العمل فيعيل أسرته ولو بالحدّ الأدنى. وتبقى فلسطين في وجدان صابر الأشقر. هو لا يريد إلا تحرير أرضه والعيش فيها بسلام مع أطفاله، غير أنّ الثمن باهظ، وكثيرون في مثل حاله.