"كلّ شقراء معرّضة ذات يوم للارتياب في كونها شقراء مزيّفة. جميعهنّ يخاطرن في أن يشتبه بأنهنّ مصطنعات. السمراء المزيّفة من الحالات غير المحتّمة. لا تخلق الحدث كما قد تفعل شقراء مزيّفة اختارت لونها لهذا الغرض بالذات. الصبغة لا تكون فضائحية إلا في اتجاه واحد".
هي جُملٌ من رواية "شقراوات" لجان أشينوز بترجمة بسام حجار. في الرواية مرور على أنواع الشقراوات، من "هيتشكوكيات" و"برغماتيات" وملتهبات ورخيصات وباردات. بطلة الرواية شقراء هاربة من ماضيها، ترتكب جرائم قتل متسلسلة.
حالما أنهيتُ الرواية، اتجهت إلى مصفّف الشعر طالبةً منه تحويل لون شعري، المصبوغ باللون الأسود الفاحم، آنذاك، إلى اللون الأشقر! تطلّب الأمر عملاً شاقاً لساعات طويلة، فمن الصعب جداً إزالة الصبغة القاتمة عن الشعر. وللقيام بذلك، تستعمل مواد كيميائية قد تتلفه أو تحرقه أحياناً. كما أن نتيجة إضافة الصبغة الفاتحة على الشعر ليست مضمونة على الدوام، وعلى المصفّف إعادة صبغه باللون الأشقر على عدة مراحل، تتخللها استراحات وإضافات لتركيز اللون.
بعد ساعات من الانتظار المضني، نظرتُ إلى المرآة وكرهت ما رأيت! لم يلق بي الأشقر ووجدت نفسي أشبه شقراوات أشينوز الرخيصات. ندمت على "تلقائية" قرار أدى إلى نتيجة كارثية موجودة أمامي في المرآة لامرأة لا تشبهني ولا أعرفها. أما قرار التغيير الذي يبدو غير مبرر لمَن حولي، فكنت وحدي أعرف سببه المضمر الشبيه بالانتقام. وهو قرار أوشك أن أكرّره كلّما شعرت بالرغبة في الانتقام من نفسي أو من وضعٍ يقلقني.
لم أعبّر لمصفّف الشعر عن هول ما رأيت، بل ابتسمت له بلطف مبدية إعجابي، في الوقت الذي كنت أرغب فيه الطلب منه أن يعيد إليّ لون شعري السابق في الحال، وهو ما فعلته لاحقاً، لوحدي، في البيت، بعد أقلّ من يومين.
لم تكن تلك المرّة الأولى التي أغيّر شعري بشكل جذري، إن من ناحية القصّات أو التسريحات أو الألوان. لقد مرّ شعري بكل الأطوار، من الأملس إلى المجعّد، القصير والطويل، وما بينهما من تنويعات. الأسود الفاحم والمزرق والأحمر النبيذي والنحاسي والباذنجاني... ومع ذلك، لم أرضَ عنه تمام الرضى يوماً!
بدأ الأمر حين كنت في مطلع العشرينات، يوم تعرضتُ لحادثٍ كاد يودي بحياتي. تكسّر زجاج السيارة الأمامي على رأسي. في غرفة الطوارئ، قبل أن يبدأ الطبيب بتقطيب رأسي 73 قطبة، قام الممرّض بحلق شعري الكستنائي الطويل.
سمعت الصوت المعدني لماكينة الحلاقة ورأيت خصلاً مجبولة بالدماء تسقط على البلاط. كنت أبكي بهدوء. بعد ذلك، صرت أقصّ شعري قصيراً جداً، وأفكر: "هذا قرار أتّخذه بنفسي ولا يتخذه عنّي ممرّض، فما هو إلا شعر وسيطول وسأرى ماذا أفعل به لاحقاً".
أعرف أسبابي الأولى العنيفة، وأعرف أنني أحياناً أعجز عن كبت رغبتي في "فشّ خلقي" بشعري. لكن علاقتي بشعري ليست أمراً استثنائياً حين يتعلق الأمر بالنساء. فمن النادر أن نجد امرأة راضية عن شعرها. فهنّ إما يرينه أملس أو أجعد زيادة عن اللزوم، فيغدقن عليه المواد الكيميائية من مواد مجعدة إلى كيراتين وكريستال، ليعدن فيعالجنه بالكولاجين وحمامات الزيت. يقصصنه فيندمن، وينتظرن ليطول فيقصصنه من جديد.
أما اللون، فهو إمّا أفتح ممّا يجب أو أغمق ممّا يجب. أظن أن هذه العلاقة المتقلّبة بين المرأة وشعرها ما هي إلا نتيجة علاقتها الملتبسة مع صورتها وإحساسها بفقدان قدراتها على الإحاطة بأمور حياتها والسيطرة عليها. فحين تمعن "بتشويهه"، فهي تعلن بذلك عن تشوّه حياتها.
أما حين تستقر امرأة على شكل واحد ومحدّد لفترة طويلة، فهو إعلان عن استقرار حياتها على ما تريده هي. أما تلك التي لا تتغيّر أبداً، وكأن مخططاتها لا تتزحزح، فلا يسعني أمام استقرارها الأبدي إلا أن أشعر بالخوف وبشيء من البرد.
هي جُملٌ من رواية "شقراوات" لجان أشينوز بترجمة بسام حجار. في الرواية مرور على أنواع الشقراوات، من "هيتشكوكيات" و"برغماتيات" وملتهبات ورخيصات وباردات. بطلة الرواية شقراء هاربة من ماضيها، ترتكب جرائم قتل متسلسلة.
حالما أنهيتُ الرواية، اتجهت إلى مصفّف الشعر طالبةً منه تحويل لون شعري، المصبوغ باللون الأسود الفاحم، آنذاك، إلى اللون الأشقر! تطلّب الأمر عملاً شاقاً لساعات طويلة، فمن الصعب جداً إزالة الصبغة القاتمة عن الشعر. وللقيام بذلك، تستعمل مواد كيميائية قد تتلفه أو تحرقه أحياناً. كما أن نتيجة إضافة الصبغة الفاتحة على الشعر ليست مضمونة على الدوام، وعلى المصفّف إعادة صبغه باللون الأشقر على عدة مراحل، تتخللها استراحات وإضافات لتركيز اللون.
بعد ساعات من الانتظار المضني، نظرتُ إلى المرآة وكرهت ما رأيت! لم يلق بي الأشقر ووجدت نفسي أشبه شقراوات أشينوز الرخيصات. ندمت على "تلقائية" قرار أدى إلى نتيجة كارثية موجودة أمامي في المرآة لامرأة لا تشبهني ولا أعرفها. أما قرار التغيير الذي يبدو غير مبرر لمَن حولي، فكنت وحدي أعرف سببه المضمر الشبيه بالانتقام. وهو قرار أوشك أن أكرّره كلّما شعرت بالرغبة في الانتقام من نفسي أو من وضعٍ يقلقني.
لم أعبّر لمصفّف الشعر عن هول ما رأيت، بل ابتسمت له بلطف مبدية إعجابي، في الوقت الذي كنت أرغب فيه الطلب منه أن يعيد إليّ لون شعري السابق في الحال، وهو ما فعلته لاحقاً، لوحدي، في البيت، بعد أقلّ من يومين.
لم تكن تلك المرّة الأولى التي أغيّر شعري بشكل جذري، إن من ناحية القصّات أو التسريحات أو الألوان. لقد مرّ شعري بكل الأطوار، من الأملس إلى المجعّد، القصير والطويل، وما بينهما من تنويعات. الأسود الفاحم والمزرق والأحمر النبيذي والنحاسي والباذنجاني... ومع ذلك، لم أرضَ عنه تمام الرضى يوماً!
بدأ الأمر حين كنت في مطلع العشرينات، يوم تعرضتُ لحادثٍ كاد يودي بحياتي. تكسّر زجاج السيارة الأمامي على رأسي. في غرفة الطوارئ، قبل أن يبدأ الطبيب بتقطيب رأسي 73 قطبة، قام الممرّض بحلق شعري الكستنائي الطويل.
سمعت الصوت المعدني لماكينة الحلاقة ورأيت خصلاً مجبولة بالدماء تسقط على البلاط. كنت أبكي بهدوء. بعد ذلك، صرت أقصّ شعري قصيراً جداً، وأفكر: "هذا قرار أتّخذه بنفسي ولا يتخذه عنّي ممرّض، فما هو إلا شعر وسيطول وسأرى ماذا أفعل به لاحقاً".
أعرف أسبابي الأولى العنيفة، وأعرف أنني أحياناً أعجز عن كبت رغبتي في "فشّ خلقي" بشعري. لكن علاقتي بشعري ليست أمراً استثنائياً حين يتعلق الأمر بالنساء. فمن النادر أن نجد امرأة راضية عن شعرها. فهنّ إما يرينه أملس أو أجعد زيادة عن اللزوم، فيغدقن عليه المواد الكيميائية من مواد مجعدة إلى كيراتين وكريستال، ليعدن فيعالجنه بالكولاجين وحمامات الزيت. يقصصنه فيندمن، وينتظرن ليطول فيقصصنه من جديد.
أما اللون، فهو إمّا أفتح ممّا يجب أو أغمق ممّا يجب. أظن أن هذه العلاقة المتقلّبة بين المرأة وشعرها ما هي إلا نتيجة علاقتها الملتبسة مع صورتها وإحساسها بفقدان قدراتها على الإحاطة بأمور حياتها والسيطرة عليها. فحين تمعن "بتشويهه"، فهي تعلن بذلك عن تشوّه حياتها.
أما حين تستقر امرأة على شكل واحد ومحدّد لفترة طويلة، فهو إعلان عن استقرار حياتها على ما تريده هي. أما تلك التي لا تتغيّر أبداً، وكأن مخططاتها لا تتزحزح، فلا يسعني أمام استقرارها الأبدي إلا أن أشعر بالخوف وبشيء من البرد.