في الدول الإسكندنافية، وعلى الرغم من مرور 7 عقود على انتهاء الحرب واستسلام جيش هتلر، فإن الكراهية للألمان ما تزال متفشية. وعلى الرغم من أن النسبة انخفضت من 60 بالمئة في ستينيات القرن الماضي، لا يزال 8 بالمئة في كل من النرويج والدنمارك ينظرون نظرة سلبية إلى الألمان، رغم أن الأخيرين يشكلون النسبة الأكبر من السائحين.
لا تعيش السويد بذات المشاعر لسبب بسيط، أنها لم تحتل من قبل النازيين، وقد شكلت ملجأ لآلاف اللاجئين والهاربين من البطش النازي في أربعينيات القرن الماضي، وإليها كانت تهرب المقاومتان الدنماركية والنرويجية.
وعلى الرغم من مرور كل تلك السنوات على الاستسلام والانسحاب الألماني من دول الشمال، فإن تحصينات هتلر تحولت إلى مزارات سياحية، من النرويج شمالاً وحتى إسبانيا جنوباً. إلا أن خصوصية المزارات على الشواطئ النرويجية والدنماركية تأتي من ضخامة ما بناه الجيش الألماني كدليل قوة وتقدم في ذلك الزمان.
جولة على الشاطئ الشمالي الدنماركي من جهة المحيط الأطلسي، تواصلاً مع بحر الشمال باتجاه النرويج، ستكشف للناظر عن تلك الدشم والتحصينات الضخمة التي شرع الألمان بتشييدها فور احتلال ذلك البلد في 1940. لم تمض 5 أشهر على ذلك الاحتلال حتى بدأت البحرية الألمانية بنصب مدافعها وتحصينها بشكل أذهل الخبراء الذين اكتشفوا، بعد الانسحاب الألماني، كم برع المهندسون الألمان في تصميم تلك الدفاعات.
تعتبر تلك التحصينات اليوم مزاراً سياحياً داخلياً وخارجياً، وخصوصاً في فترة الاحتفال بذكرى تحرير الدنمارك والنرويج.
ليس منظراً غريباً أن ترى طلاب المدارس من الأعمار المختلفة يؤخذون في رحلات سياحية للتعرف إلى تاريخ الاحتلال، وقد تحولت بعض تلك المناطق إلى متاحف تقدم لهؤلاء فكرة عما عاشه أجدادهم فترة الحرب العالمية الثانية. بل إن سلطات اللجوء في تلك الدول باتت تأخذ طالبي اللجوء في رحلات إلى ملاجئ وتحصينات الاحتلال الألماني كجزء من مواد التعريف بتاريخ الحروب في بلدان يظن كثيرون بأنها لم تعش سوى هذه الظروف من الرفاهية.
اقرأ أيضا:صور تاريخية نادرة لتركيا في سوق شعبي ألماني
ما يدهش زائري الشواطئ صمود الدشم بعد 75 سنة من تشييدها ومقاومتها للعوامل الطبيعية. فعلى الرغم من حالة المد وارتفاع الموج نحو اليابسة، لا تزال الدشم الضخمة منتصبة داخل مياه البحر وكأنه جرى تشييدها فيه. وفي الحقيقة هي شيدت على الشاطئ وتم تمويهها تحت الكثبان الرملية مع بعض النباتات الطبيعية، بينما الآن تغمر المياه بعضها بدون أن تتأثر.
لا تزال تلك الدشم بذات السماكة، ما يقارب 3،5 أمتار لجدرانها، حيث كانت تعتبر حصينة جداً. وفي حالات السكان المحليين، في القرى القريبة من تلك الشواطئ، وخصوصاً أنها مجتمعات صيد وزراعة، يخبر العجوز غيرهارد يابسن "العربي الجديد" بأن "سكاناً كثراً لم يكونوا يدرون ما يجري على الشواطئ، فطيلة أشهر كان الألمان يحفرون ليل نهار دون أن تتكشف لنا حقيقة ما جرى إلى أن رحل الجنود. لقد أذهلنا كل هذا الذي تراه".
ما يقوله غيرهارد تكشف عنه أيضاً وثائق عن تاريخ الحرب، إذ استطاع الألمان في السنوات الأولى لاحتلال تلك الشواطئ أن يسيطروا تماماً على حركة البحر من سواحل فارا في النرويج شمالاً وحتى مضيق بحر الشمال باتجاه الدنمارك والسويد.
النظر على المدفع العملاق الذي بناه الألمان على شاطئ هانستهلوم الدنماركية، يكشف ما تعنيه تلك السيطرة، فهو مدفع يدور 360 درجة ومتصل بطوابق وتحصينات تحت الأرض ضمت 600 جندي لتشغيل منظومة الاطلاق والتحكم الهندسي بالأهداف. وهو أحد أكبر المدافع التي بناها الألمان في شمال أوروبا.
كذلك تكشف تلك التحصينات عن قدرات ألمانية مذهلة في مجال التصنيع الحربي والتشييد في ثلاثينيات القرن الماضي وأربعينياته. فواحد من التحصينات المقامة على مساحة 3000 متر مربع تتكون من طابقين ومخابئ منفصلة للقذائف والصواعق بعيدة عن بعضها وبنظام تهوية يحافظ على الأسلحة والذخيرة بدون أن تتأثر برطوبة أو مياه بحر.
وحتى هذا اليوم لا تزال بعض تلك المدافع تنتصب في مكانها، ومنها تلك التي كانت تقذف قنابل بزنة 800 كيلوغرام ولمسافة 42 كيلومتراً، وقذائف 500 كيلوغرام إلى مسافة 55 كيلومتراً. هذا بالإضافة إلى سرعة الإطلاق، إذ يقول التعريف عن تلك المدافع: "كان يطلق قنبلة نصف طن كل 80 ثانية". ويقول غيرهارد: "كل قنبلة كانت تطلق كانت تتسبب بزلزال حقيقي وتحطم النوافذ وتصيب النيام بذعر على مسافة كيلومترات من المدافع".
أما طريقة نقل القذائف الضخمة من مخابئها في الدشم المحصنة، فقد بنى الألمان تحت الأرض سككاً حديدية متصلة بين مختلف الأقسام إلى أن تحضر القذيفة إلى مدفعها بكل سهولة.
لم يستطع الحلفاء تدمير تلك الدشم من الجو رغم كل المحاولات، فما تزال الدائرة الضخمة للمدفع العملاق قائمة حتى اليوم، وهي تتوسط "متحف الحرب" تحتها وعلى جوانبها، مع السكك الحديدية والعربات التي كانت تنقل الجنود والمدافع نحو مخابئها.
ورغم من القصف ومحاولات الحلفاء تدمير التحصينات، ظل الألمان يشيدون تلك الدشم حتى استكملوها في عام 1944، أي قبل عام واحد من انهيار ألمانيا واستسلامها.
في تلك المساحة لوحدها المؤلفة من 3000 متر مربع تم استخدام 6560 متراً مكعباً من الإسمنت المسلح، وجرى صبها على 8 دفعات حتى استكملت. ولنا أن نتخيل أن مدفعاً يزن 650 طناً وبطول سبطانة 20 متراً وبوزن 110 أطنان، كم يحتاج من الرجال لتخديمه.
وهؤلاء الرجال جرى تشييد غرف لهم مع حمامات خاصة تحت البناء تماماً، أما المدافع الأصغر (38 سنتم) وتطلق على مسافة 42 كيلومتراً، فقد تم تشييد دشم خاصة بالجنود قريبة منها، مع مدافع رشاشة ومنامات في داخلها، وهي تلك التي باتت تنتشر اليوم داخل المياه مع المد البحري بعد أن كانت على الشواطئ قبل 75 سنة.
اقرأ أيضا:ميونخ تؤرخ ماضيها النازي بمتحف
وعلى الرغم من مرور كل تلك السنوات على الاستسلام والانسحاب الألماني من دول الشمال، فإن تحصينات هتلر تحولت إلى مزارات سياحية، من النرويج شمالاً وحتى إسبانيا جنوباً. إلا أن خصوصية المزارات على الشواطئ النرويجية والدنماركية تأتي من ضخامة ما بناه الجيش الألماني كدليل قوة وتقدم في ذلك الزمان.
جولة على الشاطئ الشمالي الدنماركي من جهة المحيط الأطلسي، تواصلاً مع بحر الشمال باتجاه النرويج، ستكشف للناظر عن تلك الدشم والتحصينات الضخمة التي شرع الألمان بتشييدها فور احتلال ذلك البلد في 1940. لم تمض 5 أشهر على ذلك الاحتلال حتى بدأت البحرية الألمانية بنصب مدافعها وتحصينها بشكل أذهل الخبراء الذين اكتشفوا، بعد الانسحاب الألماني، كم برع المهندسون الألمان في تصميم تلك الدفاعات.
تعتبر تلك التحصينات اليوم مزاراً سياحياً داخلياً وخارجياً، وخصوصاً في فترة الاحتفال بذكرى تحرير الدنمارك والنرويج.
ليس منظراً غريباً أن ترى طلاب المدارس من الأعمار المختلفة يؤخذون في رحلات سياحية للتعرف إلى تاريخ الاحتلال، وقد تحولت بعض تلك المناطق إلى متاحف تقدم لهؤلاء فكرة عما عاشه أجدادهم فترة الحرب العالمية الثانية. بل إن سلطات اللجوء في تلك الدول باتت تأخذ طالبي اللجوء في رحلات إلى ملاجئ وتحصينات الاحتلال الألماني كجزء من مواد التعريف بتاريخ الحروب في بلدان يظن كثيرون بأنها لم تعش سوى هذه الظروف من الرفاهية.
اقرأ أيضا:صور تاريخية نادرة لتركيا في سوق شعبي ألماني
ما يدهش زائري الشواطئ صمود الدشم بعد 75 سنة من تشييدها ومقاومتها للعوامل الطبيعية. فعلى الرغم من حالة المد وارتفاع الموج نحو اليابسة، لا تزال الدشم الضخمة منتصبة داخل مياه البحر وكأنه جرى تشييدها فيه. وفي الحقيقة هي شيدت على الشاطئ وتم تمويهها تحت الكثبان الرملية مع بعض النباتات الطبيعية، بينما الآن تغمر المياه بعضها بدون أن تتأثر.
لا تزال تلك الدشم بذات السماكة، ما يقارب 3،5 أمتار لجدرانها، حيث كانت تعتبر حصينة جداً. وفي حالات السكان المحليين، في القرى القريبة من تلك الشواطئ، وخصوصاً أنها مجتمعات صيد وزراعة، يخبر العجوز غيرهارد يابسن "العربي الجديد" بأن "سكاناً كثراً لم يكونوا يدرون ما يجري على الشواطئ، فطيلة أشهر كان الألمان يحفرون ليل نهار دون أن تتكشف لنا حقيقة ما جرى إلى أن رحل الجنود. لقد أذهلنا كل هذا الذي تراه".
ما يقوله غيرهارد تكشف عنه أيضاً وثائق عن تاريخ الحرب، إذ استطاع الألمان في السنوات الأولى لاحتلال تلك الشواطئ أن يسيطروا تماماً على حركة البحر من سواحل فارا في النرويج شمالاً وحتى مضيق بحر الشمال باتجاه الدنمارك والسويد.
النظر على المدفع العملاق الذي بناه الألمان على شاطئ هانستهلوم الدنماركية، يكشف ما تعنيه تلك السيطرة، فهو مدفع يدور 360 درجة ومتصل بطوابق وتحصينات تحت الأرض ضمت 600 جندي لتشغيل منظومة الاطلاق والتحكم الهندسي بالأهداف. وهو أحد أكبر المدافع التي بناها الألمان في شمال أوروبا.
كذلك تكشف تلك التحصينات عن قدرات ألمانية مذهلة في مجال التصنيع الحربي والتشييد في ثلاثينيات القرن الماضي وأربعينياته. فواحد من التحصينات المقامة على مساحة 3000 متر مربع تتكون من طابقين ومخابئ منفصلة للقذائف والصواعق بعيدة عن بعضها وبنظام تهوية يحافظ على الأسلحة والذخيرة بدون أن تتأثر برطوبة أو مياه بحر.
وحتى هذا اليوم لا تزال بعض تلك المدافع تنتصب في مكانها، ومنها تلك التي كانت تقذف قنابل بزنة 800 كيلوغرام ولمسافة 42 كيلومتراً، وقذائف 500 كيلوغرام إلى مسافة 55 كيلومتراً. هذا بالإضافة إلى سرعة الإطلاق، إذ يقول التعريف عن تلك المدافع: "كان يطلق قنبلة نصف طن كل 80 ثانية". ويقول غيرهارد: "كل قنبلة كانت تطلق كانت تتسبب بزلزال حقيقي وتحطم النوافذ وتصيب النيام بذعر على مسافة كيلومترات من المدافع".
أما طريقة نقل القذائف الضخمة من مخابئها في الدشم المحصنة، فقد بنى الألمان تحت الأرض سككاً حديدية متصلة بين مختلف الأقسام إلى أن تحضر القذيفة إلى مدفعها بكل سهولة.
لم يستطع الحلفاء تدمير تلك الدشم من الجو رغم كل المحاولات، فما تزال الدائرة الضخمة للمدفع العملاق قائمة حتى اليوم، وهي تتوسط "متحف الحرب" تحتها وعلى جوانبها، مع السكك الحديدية والعربات التي كانت تنقل الجنود والمدافع نحو مخابئها.
ورغم من القصف ومحاولات الحلفاء تدمير التحصينات، ظل الألمان يشيدون تلك الدشم حتى استكملوها في عام 1944، أي قبل عام واحد من انهيار ألمانيا واستسلامها.
في تلك المساحة لوحدها المؤلفة من 3000 متر مربع تم استخدام 6560 متراً مكعباً من الإسمنت المسلح، وجرى صبها على 8 دفعات حتى استكملت. ولنا أن نتخيل أن مدفعاً يزن 650 طناً وبطول سبطانة 20 متراً وبوزن 110 أطنان، كم يحتاج من الرجال لتخديمه.
وهؤلاء الرجال جرى تشييد غرف لهم مع حمامات خاصة تحت البناء تماماً، أما المدافع الأصغر (38 سنتم) وتطلق على مسافة 42 كيلومتراً، فقد تم تشييد دشم خاصة بالجنود قريبة منها، مع مدافع رشاشة ومنامات في داخلها، وهي تلك التي باتت تنتشر اليوم داخل المياه مع المد البحري بعد أن كانت على الشواطئ قبل 75 سنة.
اقرأ أيضا:ميونخ تؤرخ ماضيها النازي بمتحف